استراتيجية الأرض المحروقة تعود مجددا إلى دارفور

أعمال العنف في الإقليم قد ترجع الأمور إلى المراحل الأولى الأكثر دموية من النزاع

جنود نيجيريون من قوات حفظ السلام بدارفور يتجولون في بلدة سولية بعد أن تم حرقها الشهر الماضي («نيويورك تايمز»)
TT

جاءوا إلى هذه البلدة المتربة في منطقة دارفور غرب السودان على ظهور الخيول والجمال في يوم السوق.. تقريبا كل شخص كان في المربع نشيط. البعثرة الأولى حصلت بعد إطلاق النار من سلاح آلي.. الجميع هربوا. خرب الجنود البلدة واحرقوا الأكواخ وسلبوا الدكاكين وكل من وقف في طريقهم أطلقوا عليه النار، حسبما قاله السكان. ووصفت عائشة عبد الله، التي ترملت مرتين، كيف اختفت في كوخ وصلت لكيلا يحرق «لم يسبق لي ان كنت خائفة جدا مثل هذه المرة». الهجمات من قبل ميليشيا الجنجويد المفزعة التي حصلت قبل 3 أسابيع مصحوبة بتفجيرات القنابل من قبل الجيش السوداني، كانت عودة إلى الطريقة التي أرهبت أهالي دارفور في المراحل الأولى الأكثر دموية من النزاع.

مثل هذه الهجمات الوحشية والتنسيق بين الميليشيات العربية والقوات الحكومية أعادت للأذهان الأيام الأولى للصراع في دارفور، الذي اعتبرته إدارة الرئيس بوش ابادة جماعية في الإقليم.

ويقول عمال الإغاثة والدبلوماسيون ومحللون، ان عودة مثل هذه الهجمات إشارة مشؤومة الى ان القتال في دارفور ازداد تعقيدا، ويلاحظ بانه قد رجع إلى ما كان عليه الحال قبل 5 سنوات. والآن يدخل مرحلة جديدة، حيث تخطط الحكومة إلى حرق الأرض امام المتمردين كجهود لايجاد طريقة لإجبارهم للرجوع للمفاوضات. في الأسابيع الأخيرة نفذت الحكومة السودانية سلسلة من الهجمات المنسقة، بالاستعانة بسلاح الجو وقوات أرضية، وطبقا لشهود عيان من قوات حفظ السلام، فإنهم ركزوا على ميليشيا الجنجويد المتحالفة معها لتنفيذ هذه الهجمات، التي تستهدف اعادة الأراضي التي استولت عليها حركة العدل والمساواة. وقال علي الصادق الناطق الرسمي باسم الحكومة: «نحن نحاول ببساطة ان نضمن سلامة المنطقة من قطاع الطرق، الذين يزعجون المدنيين في المنطقة»، واضاف «ليس هنالك عمل شاذ للحكومة لكي تقوم به في المنطقة». لكن سكان البلدات قالوا إن مقاتلي الحركات تركوا المنطقة قبل هجمات الحكومة ليتركوا المدنيين العزل يهربون من القنابل والأسلحة. وفي لقاءت مع ناجين من الهجمات وصفوا سلسلة الاعتداءات بالوحشية وأنهم تركوا عشرات الموتى في الأكواخ المحروقة، وأطفالا هربوا من المدارس إلى جهات مجهولة ولم يتم التحاقهم بعوائلهم. وقالت عائشة: «ان ابني احمد هرب، ولم أراه منذ ذلك اليوم عندما كنا ننتظر معونة من عمال الامم المتحدة في احدى البلدات التي هوجمت»، أضافت، «أنا اصلي لكي يرجع لي يوما ما». وقالت الأمم المتحدة ان القتال الأخير اجبر حوالي 45 ألفا على الهروب من بيوتهم في دارفور الى تشاد، وأضافت ان عمال الإغاثة يخافون على أمن 20 الفا اذا استمرت الحكومة في هجماتها، والمتمردون يتوعدون بمواصلة القتال. وذكر مسؤولون في قوات حفظ السلام ان «الحكومة أضافت لواء لقواتها في دارفور في الايام الاخيرة، مع 24 دبابة وسيارات مدرعة والعديد من الأسلحة الثقيلة. وان التعزيزات تشاهد من كلا الجانبين ولكن المدنيين هم الضحية».

ومنذ يناير( كانون الثاني) بدأت الضغوط تتصاعد على الحكومة السودان لنشر قوات الهجين، لكن مراوغة الحكومة ادى الى تأخير نشرها في الإقليم المضطرب. وتاريخيا تعاني دارفور منذ أمد بعيد من اضطرابات حول حقوق الأرض والمراعي الخضراء بين العرب في البادية في الأغلب والمزارعين من جماعات فور وماساليت وزغاوا العرقية الافريقية. وتوجد جماعتان من المتمردين هما الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة التي ترتبط بحسن الترابي الذي يعد أكبر سياسي سوادني معارض. واعترفت الحكومة من جانبها بحشد «ميليشيات للدفاع الذاتي»، في أعقاب هجمات شنها المتمردون لكنها نفت وجود أي صلات لها بميليشيات الجنجويد المتهمين بمحاولة «تطهير» مناطق كبيرة من الأفارقة السود. ويقول اللاجئون من دارفور إن ميليشيات الجنجويد قاموا من على ظهور الخيل والجمال بذبح الرجال واغتصاب النساء وسرقة ما يجدونه أمامهم، في أعقاب الغارات الجوية التي شنتها الحكومة. وذكر كثير من النساء أنهن تعرضن للخطف من قبل الجنجويد وأخذن كعبيد لأكثر من أسبوع قبل أن يطلق سراحهن. وتقول جماعات حقوق الانسان والكونغرس الأميركي إن الجنجويد يقومون بعمليات إبادة جماعية.

* خدمة «نيويورك تايمز»