«الدكتور الربعي».. وكيل التفاؤل المحلي

TT

من دون مقدمات، ازدحمت شبكتا الاتصالات النقالة في الكويت أمس، منذ التاسعة مساء بالتوقيت المحلي، برسائل نصية قصيرة، تنعى وفاة الدكتور الربعي، مختصرة رجلا عظيما بجملة قصيرة، كان باديا اتشاحها بالسواد، تعبيرا عن ألم مرسليها ومتلقيها.

«الدكتور الربعي» وهي التسمية المحلية للدكتور أحمد عبد الله الربعي، الذي حمل الكويت معه أينما ارتحل، وضمته قلوب أهلها بحزن حينما رحل، لتؤكد أن الكويت تبقى في قلب الحدث العربي، إن لم تكن هي الحدث.

رحل مطّوع القلم، وفارس المقال، والسياسي المشاكس، وراعي جيل من الشباب، وقف فيهم متفائلا ليواجه ويوجه، جيل كسرته الهزيمة وأثقل عليه المد الديني، وأرهقه التطرف والإرهاب.

بغيابه، لم يعد السؤال الأول في الكويت اليوم، ما هي آخر أخبار الدكتور الربعي؟ وهذا ما كانت تُثقل على أهله ومحبيه الإجابة، بقدر ما يرونه متألما في أيامه الأخيرة، بعد أن ملأ الدنيا، بقصصه ومغامراته، وتجاربه، وتبدل مواقعه الحيوية، من اليسار المعارض إلى كرسي الوزارة، ومن سجنه في ظفار العمانية، إلى دراسته الجامعية العليا، ونيابته بالبرلمان، ووقوفا عند محطة الغزو العراقي للكويت، قافزا على مواجهاته مع الإسلاميين الذين شاكسهم مرارا خلال توليه حقيبة التربية في الكويت، منطلقا من مبدئه بأن التعليم مهنة، لا تقبل التسييس.

«أبو قتيبة»، الحاضر دائما، وسط الحدث وحوله، رجل الإجابات الصعبة، الإعلامي الذي لا يشق له غبار، السياسي المحنك، صاحب العلاقات الأكثر تأثيرا في الكويت إن لم يكن عربيا، شيق المجلس، المُتحلق حوله، الموجود في كل مكان، وفي أي وقت، يبادلك التحية في حفل زفاف في الكويت، ليُخبرك بعدها صديق أنه جاوره على الطائرة المتجهة إلى القاهرة، تفتح التلفاز فيطل عليك من بيروت، تتصفح الجريدة لتجده كتب مقاله من الرباط، تتصل به، فيجيبك من باريس أو أي بقعة في العالم.

بعد عودته من العلاج الكيماوي بالولايات المتحدة الأميركية، قبل عامين، فاجأ زواره بتفاؤله، فعلموا أنهم أمام إنسان من طراز مختلف، أصيب بالسرطان فزاد حبه الحياة بهوس، يتحدث عن مرضه وعلاجه، وكأنه مصاب بإنفلونزا عارضة.

رحلته مع التفاؤل جميلة، كيف لا وهو الذي اتخذ يوما ما من عام 1999 شعار «تفاؤلوا.. الكويت ما زالت جميلة» عنوانا لحملته الانتخابية التي أعادته للبرلمان في آخر دورة له، ضاربا بكل ما كانت تتعرض الكويت داخليا وخارجيا عرض الحائط، ومعلنا أن هناك متسعا من تفاؤل يكفينا جميعا.

بدأ صغيرا في كل شي أحبه، وتدرج فيه حتى بلغ أقصاه، طالبا جامعيا ينتهي أستاذا، محررا صحافيا يتحول إلى نائب رئيس تحرير، تاجرا صغيرا ثابر ليكون رئيسا لمجلس إدارة، كادرا ثائرا في تنظيم يساري، وقائدا لجيل سياسي، استراح بين هاتين المحطتين وزيرا في الحكومة.

عكف خلال أيامه الأخيرة، على إنهاء رواية تجسد قصة الثائر الذي انتهى وزيرا، إلا أن القدر، اختطفه , بطريقة لم تمكنه حتى من الهمس في آذان محبيه بأن «تفاؤلوا.. الكويت لا تزال جميلة».