أسر ضحايا «القتل الخطأ» في العراق تضيع في دهاليز البيروقراطية

القوات الأميركية قبلت 2896 طلبا فقط من أصل 7103 طلبات في 2007

TT

كانت بتول عبد الحسين تعتقد بأن ابنها وسام صالح مات شهيدا. ففي 13 فبراير (شباط) 2007 وبينما بدأت القوات الأميركية والعراقية تنفيذ خطة امنية جديدة، من أجل ايقاف العنف في العراق، غادر الشرطي البالغ 25 عاما لاداء نوبته الليلية. ولم يعد الى البيت حيا. وقالت بتول ان دورية حراسته في جنوب غرب بغداد واجهت نيرانا من القوات الأميركية التي أخطأت معرفة المسلحين العراقيين في الظلمة، وظنت انهم من المتمردين. وأخذ الأميركيون صالح الجريح الى مستشفاهم في المنطقة الخضراء ببغداد، ولكنه توفي بعد ستة ايام، وفقا لما قالته أمه، وهي تظهر نسخا من سجلات المستشفى وشهادة وفاته.

وتشعر بتول، وهي أرملة، بأنها تائهة في فوضى بيروقراطية وهي تسعى الى الحصول على تعويض. وحرمت وزارة الداخلية العراقية بتول من الحصول على ما يسمى «راتب الشهيد»، لأنها تقول ان صالح قتل بنيران صديقة وليس برصاص المتمردين. وأوصت بأن تسعى الى المساعدة من الولايات المتحدة.

كما رفض قاض في الجيش الأميركي طلبها. وتقول رسالة الرفض المؤرخة في الخامس من يوليو (تموز) الماضي والموقعة من كابتن في الجيش الأميركي، انه «لا يوجد دليل على ان القوات الأميركية تصرفت باهمال أو بخطأ».

لكن بتول تؤكد أن ابنها مات دفاعا عن العراق. وقالت الأم البالغة 57 عاما، «في كل الكتب السماوية اذا ما قتل شخص بحادث لا بد من تعويض العائلة». وعلى جدران بيتها تعلق صور مؤطرة لابنها الذي التحق بقوات الشرطة عام 2006.

ويقول مسؤولون أميركيون ان الجيش يكافح من أجل تجنب المدنيين والاصابة بنيران صديقة. وعلى الرغم من الاجراءات المتخذة في هذا الشأن فان اخطاء تحدث، وغالبا ما يخفق نظام تخصيص التعويضات. وقد رفض حوالي 60 في المائة من الطلبات المقدمة الى الجيش الأميركي في السنوات الأخيرة بسبب خسائر تتراوح ما بين سيارات مدمرة ومقتل مدنيين، وفقا لسجلات عسكرية. ومن بين 7103 طلبات عراقية رفعت الى الولايات المتحدة خلال السنة المالية 2007 أقر 2896 طلبا لغرض التعويض، ودفع مبلغ 8.4 مليون دولار. وفي العام السابق قدم 9257 طلبا، واقر 3658 منها وزاد مبلغ التعويض المدفوع على 13 مليون دولار.

من جهتهم، قال مسؤول في وزارة الداخلية ان الحكومة العراقية تقرر على اساس كل حالة ما اذا كانت تقدم «راتب الشهيد» الى عائلات افراد الشرطة، ولكن أولئك الذين قتلوا بحوادث على يد الجيش الأميركي لا يمنحون مثل هذا الوضع. وقال المسؤول وهو ضابط برتبة عقيد غير مخول بالحديث، ورفض اعطاء اسمه، «نحن نعد في الوقت الحالي قانونا يهدف الى تغيير هذا الوضع». وقال الجيش الأميركي انه لا يمكن أن يقدم عدد العراقيين الأبرياء، سواء من المدنيين او من أفراد قوات الأمن، ممن قتلوا على يد القوات الأميركية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2003. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جرى تأكيد ما لا يقل عن 41 حالة وفاة. وبينها حالتان في فبراير (شباط) عندما قتل مدنيان من القوات الأمنية للمتطوعين المتحالفين مع الأميركيين عن طريق الخطأ، اذ كان يعتقد أنهما من المتمردين.

وقال كابتن البحرية فيك بيك، المتحدث العسكري في بغداد، ان اختلاط القوات القتالية الرسمية وغير الرسمية في العراق، بالاقتران مع عمليات المتمردين في المناطق المدنية، يطرح تحديات استثنائية بالنسبة للأميركيين. وقال بيك ان «مستوى التعقيدات يمكن أن يبالغ فيه. انك تقاتل فعليا من اجل ضمان الحفاظ على حياتك وحياة اقرانك من الجنود». وفي أعقاب مجابهة مسلحة نادرا ما تكون القوات في وضع يمكنها تقييم النتيجة في الحال. وقال بيك انه «بحلول الوقت الذي تعود فيه وتقوم بتقييم أضرار المعركة يكون الناس هناك قد نقلوا اشياء وغيروا اوضاع المشهد. انه ليس شبيها بمشهد جريمة حيث تجري احاطته وحمايته». ونادرا ما تتسق روايات الأحداث كما يرويها الشهود أو الناجون أو أفراد الجيش. وحتى إذا لم يكن هناك تساؤل حول من أطلق النار، فإن البرنامج الاميركي أقام حواجز قانونية ولوجستية أمام مقدمي الطلبات. وقد ظل عمار مهدي كاظم يحاول على مدى شهور رفع دعوى على أساس عملية مداهمة قامت بها القوات الاميركية في 30 يونيو (حزيران)، قتل خلالها والده ووالدته. وقال مصادر في الجيش ان 26 مسلحا قتلوا في العملية. ورفض أول طلب تقدم به كاظم في المنطقة الخضراء لأنه لم يكن يحمل وثيقتين تثبتان هويته كي يتمكن من المرور عبر نقطة التفتيش. لكنه عاد في الآونة الأخيرة وبحوزته مستندا إثبات هوية وتوجه إلى المركز الوطني العراقي للمساعدات الذي تديره القوات الاميركية، وكانت تلك أول خطوة في العملية. وأبلغه عراقي يعمل في القسم المسؤول عن تسلم الطلبات انه يجب عليه ان يحصل على «بطاقة طلب» من القوات الاميركية لتأكيد مشاركتهم في الحادثة. وقال عراقي آخر في هذا القسم انه ليس لدى كاظم أي فرصة في الحصول على تعويض من القوات الاميركية، لأن ما كتب في شهادة الوفاة هو ان أفراد أسرته قتلوا في هجوم إرهابي وليس في عمل عسكري اميركي. وابلغ كاظم في نهاية الأمر بأنه ينبغي عليه تسليم طلب بعد تعديل شهادات الوفاة والحصول على بطاقة طلب، لكنه ابلغ أيضا بأن فرص حصوله على تعويض ضعيفة. وقال كاظم انه يجب عليه تغيير ما ورد في شهادات الوفاة ويجب عليه أيضا الحصول على بطاقة من الاميركيين، وهذان إجراءان يستغرقان وقتا طويلا. وقال جون تريسي، وهو ضابط سابق في القضاء العسكري كان قد نظر في طلبات قدمت في العراق عامي 2003 و2004، ان النظام الاميركي يطالب السكان في مناطق الحرب بمطالب غير معقولة. وأضاف تريسي معلقا، ان المفوضين يرفضون غالبية الطلبات على اعتبار ان الضرر الذي حدث وقع خلال عملية قتالية، إلا ان ثمة استثناءات، إذا توصل المسؤولون إلى ان هناك إهمالا أو خطأ من جانب الجيش الاميركي، على سبيل المثال في حال الإفراط في إطلاق النار لإيقاف سيارة أو إطلاق النار بصورة عشوائية على منزل. وقال تريسي أيضا ان غالبية الطلبات ترفض على أساس حدوث إطلاق نار على القوات الاميركية. وقالت بتول عبد الحسين انها صدمت عندما رفض طلبها أولا من جانب العراقيين ثم من جانب الاميركيين. وتوجهت إلى وزارة الداخلية لجمع أغراض ابنها وأبلغت هناك بأن أفراد الشرطة الذين يقتلهم الجيش الاميركي لا يعتبرون شهداء. وعندما قابلت الاميركيين طلبوا منها بعض الوثائق كي ينظروا في طلبها للتعويض. وقالت انها مفعمة بالأمل بسبب معاملتها بنوع من التعاطف من جانب القوات التي شاركت في إطلاق النار، وهي قوات تتبع للكتيبة الأولى بالفوج 18 للمشاة. وكان قائد الكتيبة قد أعطى بتول بطاقة تعريفية ورقم هاتف مترجمه العراقي. وقالت انها تحدثت مع المترجم وأبلغها بأن صالح كان يتحدث وانه طلب ان يشرب عصيرا. أجريت ترتيبات لزيارة بتول لابنها في المستشفى، لكنه توفي بعد مغادرتها بحوالي ست ساعات. قائد الكتيبة، الليفتنانت كولونيل جورج غليز، غادر العراق ولم يرد على رسائل البريد الالكتروني للتعليق على ما حدث. اما المتحدثة باسم قوات الجيش الاميركي، المقدم مورا غيلين، فقد افادت مجددا بأن طلب التعويض قد رفض، لأنه لم يعثر على ما يدل على وجود إهمال من جانب الجيش الاميركي، وأضافت في بيان عبر البريد الالكتروني قائلة انهم يشعرون بالقلق لأنه لم يتم التوصل إلى حل بشأن مقتل ابن هذه السيدة العراقية.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»