حالة تأهب إسرائيلية تحسبا لهجمات جديدة وتضارب حول تبني حماس المسؤولية

أولمرت لن يوقف المفاوضات

طلاب المدرسة اليهودية خلال دفن زملائهم (اب ا)
TT

أعلنت الشرطة والجيش والمخابرات الاسرائيلية حالة تأهب قصوى لجميع قواتها، على جميع الجبهات وفي جميع المناطق المأهولة بالسكان، تحسبا لوقوع هجمات اخرى أو أية نشاطات انتقامية مسلحة. وأغلقت الضفة الغربية وعزلت القدس العربية ومنعت المصلين الشباب من الوصول الى المسجد الأقصى للمشاركة في صلاة الجمعة. وقد اتخذت هذه الاجراءات في أعقاب الهجوم المسلح الذي نفذه شاب فلسطيني على أكبر المدارس الدينية في القدس الغربية، الليلة قبل الماضية، والذي قتل فيه ثمانية تلاميذ يهود إضافة الى الشاب نفسه.

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود أولمرت، يقود اجتماعا للقيادات العسكرية والمخابراتية في تل أبيب، لدى وقوع العملية. ومع ان التنظيمات المسلحة الفلسطينية كانت هددت بالانتقام من عملية «شتاء ساخن» الحربية في قطاع غزة والاغتيالات التي تمت قبلها وبعدها، إلا ان القيادات الأمنية كانت تبحث في أخطار عمليات انتقامية أخرى يتوقع أن تنفذ ضد أهداف اسرائيلية بسبب اغتيال القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، في دمشق في الثاني عشر من الشهر الماضي. وقد فوجئت هذه القيادات بعملية الهجوم الفلسطينية في القدس. ومع ان وزارة الخارجية الاسرائيلية حملت مسؤولية هذه العملية «للتنظيمات الأصولية في قطاع غزة، التي احتفلت بهذه العملية، فقد حمل أولمرت جزءا من المسؤولية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بقيادة الرئيس محمود عباس، التي اعتبرها تثبت مرة أخرى انها لا تقوم بواجبها في محاربة الارهاب كما يجب. بيد ان رئيس بلدية القدس، أوري لوبيانسكي، حمل المسؤولية للمحكمة العليا الاسرائيلية التي تمنع الحكومة والجيش حتى الآن من إكمال بناء الجدار العازل بين القدس الكبرى والضفة الغربية. وقال ان هذه المحكمة تتجاوب مع المطالب العربية لوقف العمل في الجدار بحجة انه يهضم حقوق المواطنين الفلسطينيين، وهي بذلك تجيز عمليا القيام بعمليات ارهاب ضد المواطنين المدنيين الأبرياء، الذين يمضون حياتهم في التعبد لله الواحد ودراسة التوراة.

وتوقعت القيادات العسكرية الاسرائيلية أن تحاول التنظيمات الفلسطينية تنفيذ عمليات أخرى داخل اسرائيل، في إطار الانتقام للعمليات الحربية في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، توقعت أن تشهد اسرائيل موجة هجمات من طرف حزب الله، بمساعدة من ايران وسورية، وليس فقط على الأراضي الاسرائيلية أو على الحدود الاسرائيلية الشمالية (مع لبنان أو حتى مع سورية)، بل أيضا ضد أهداف اسرائيلية أو يهودية في الخارج. وقالت ان مثل هذه العمليات الانتقامية ممكنة ابتداء من مرور 30 يوما على اغتيال مغنية، الذي نفت اسرائيل أن تكون متورطة باغتياله، وبشكل خاص في الذكرى الأربعين للاغتيال.

ولكن إعلان تلفزيون «المنار» في ساعة متأخرة من منتصف الليلة قبل الماضية، بأن تنظيم «كتائب أحرار الجليل ـ مجموعة الشهيد عماد مغنية»، هي التي نفذت العملية، أدخل القيادات الاسرائيلية في حالة من البلبلة. وحسب مصدر في المخابرات الاسرائيلية فإنها تعرف عن تنظيم سابق أطلق على نفسه اسم «أحرار الجليل»، عمل بالأساس في صفوف شباب من المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) لمصلحة حزب الله. ولكن اضافة اسم عماد مغنية لهذا التنظيم يعني انه تنظيم جديد أو تنظيم قديم مجدد، وهي تنظر الى ذلك ببالغ الخطورة. ولكن هناك أيضا من شككوا في هذا الاعلان واعتبروه حرب أعصاب من حزب الله، خصوصا ان منفذ العملية شاب مقدسي من حي جبل المكبر في القدس الشرقية المحتلة. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن مصدر تنفيذ عملية القدس، قررت القيادات العسكرية والأمنية الاسرائيلية إعلان حالة تأهب واستنفار أمني شامل بدرجة واحدة أقل من حالة الطوارئ الحربية، ومع استعداد كامل لرفعها بدرجة أخرى في غضون ساعات. وبموجب هذه الحالة، تم اغلاق الضفة الغربية ومنع الدخول اوالخروج اليها، ابتداء من فجر أمس وحتى اشعار آخر. وفي الوقت نفسه عزلت مدينة القدس العربية عن الضفة ومنعت المصلين من الوصول الى الحرم القدسي الشريف لاداء الصلاة في المسجد الأقصى. وحتى سكان مدينة القدس المسلمين، فرضت عليهم قيودا ومنعت الرجال والشباب ما دون سن الخامسة والأربعين من الوصول الى الحرم. ونصبت الحواجز على جميع بوابات القدس القديمة ونشرت قوات كبيرة في أزقتها لضمان تنفيذ هذا الأمر.

وفي اسرائيل نفسها ألغت الشرطة الإجازات ونشرت قواتها في جميع أنحاء البلاد، خصوصا في التجمعات السكنية الكثيفة. ونشرت دوريات خاصة أمام الكنس اليهودية لحراسة صلوات السبت، التي بدأت مساء أمس. ووضعت مجموعة كبيرة من الجواجز المتحركة بين المدن وعلى الحدود بين الضفة الغربية واسرائيل ودعت المواطنين الى اليقظة الشديدة. ودعا مفتش الشرطة العام، دودي كوهن، رجال الأمن السابقين الى أن يحذوا حذو ضابط الجيش المتقاعد «الذي يسكن بالقرب من المدرسة الدينية في القدس، فهو حالما سمع باطلاق الرصاص بداخلها، استل سلاحه وتوجه الى المكان وتصرف كما يجب، إذ قتل الارهابي الفلسطيني على الفور وبمهنية عالية». وقال كوهن:«هكذا يجب أن تكون نهاية كل ارهابي، الموت». من جهة أخرى حاول أولمرت ووزيرة خارجيته، تسيبي لفني، أمس وأول من أمس، استغلال الهجوم المسلح الفلسطيني على المدرسة الدينية في القدس الغربية لإجهاض الفكرة المتنامية في أوروبا لفك العزلة عن «حماس».

وقال أولمرت ولفني خلال هذه الاتصالات ان احتفالات «حماس» بقتل تلاميذ المدرسة الدينية وهم منشغلون في الصلوات، هو دليل قاطع على أن «هذه الحركة ارهابية وتحمل تقاليد بعيدة عن الانسانية وكل اتصال بها يقويها ويعزز لديها مفاهيم القتل والارهاب ويكون بمثابة جائزة لها على أفعالها».

وقد شملت هذه الاتصالات كلا من الرئيس الأميركي، جورج بوش، ووزيرة خارجيته، كوندوليزا رايس، اللذين أكدا التضامن مع اسرائيل في حربها على الارهاب، وشملت كذلك وزراء خارجية كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا ومسؤول ملف الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، خافير سولانا، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، وغيرهم. وأكد أولمرت وليفني، أن اسرائيل لن توقف مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، المقرر أن تبدأ في يوم الخميس القادم، وذلك لأنها لا تريد أن تحقق لحركة «حماس» وأمثالها أهدافها في إفشال المسيرة السلمية.

وقالت ليفني انها في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل حربها على الارهاب بلا هوادة، ستواصل مساعيها مع القيادة الشرعية المسؤولة في السلطة الفلسطينية لتحقيق آمال الشعبين في السلام والاستقرار. وبينما اعلنت مساجد في غزة عصر امس مسؤولية حماس عن العملية نفى «ابو عبيدة» الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ان تكون «الكتائب» قد اصدرت أي بيان حتى الآن «بتبني عملية اطلاق النار في القدس» الليلة قبل الماضية. وأضاف في بيان صادر عنه «عندما تتوفر لدينا المعلومات.. سنعلن موقفنا.. مع مباركتنا للعملية». وجاء هذا النفي بعد أن قام ناشطون في حركة حماس بعد عصر امس الجمعة بإعلان مسؤولية «كتائب القسام» عن العملية. وفي بيان تلوه باسم «الكتائب» عبر مكبرات الصوت في مساجد قطاع غزة، قال ناشطو حماس، إن العملية جاءت رداً على «الجرائم»، التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة. ويذكر أن منظمة اخرى تطلق على نفسها «احرار الجليل – كتائب عماد مغنية وغزة»، قد اعلنت مسؤوليتها الليلة قبل الماضية.