الانتخابات البلدية في فرنسا: انتصار لليسار من غير هزيمة لليمين

عمدة باريس برتراند ديلانو يلقي خطابا بعد الجولة الأولى للانتخابات البلدية أمس (رويترز)
TT

«لا تسونامي كاسح ولا موجة وردية عاتية»: هكذا يمكن تلخيص نتائج دورة الانتخابات البلدية الأولى التي جرت في فرنسا اول من امس. وبانتظار الجولة الثانية الأحد المقبل، فإن كل طرف يقوم ما جرى ويسعى لبناء تحالفات انتخابية ظرفية تتحكم فيها نتائج الجولة الأولى. ووسط تراجع نسبة المشاركة التي هبطت الى 61 في المائة (مقابل 67.29 في المائة عام 2001)، حقق اليسار الفرنسي تقدما ملحوظا على اليمين الحاكم ممثلا بحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الرئاسي. فعلى المستوى الوطني، حصدت لوائح اليسار المتحالفة مع الخضر 47 في المائة من الأصوات مقابل 45 في المائة لليمين الكلاسيكي. وخاب أمل فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية» الوسطي والمرشح الرئاسي السابق، إذ لم تتجاوز حركته عتبة 5 في المائة من الأصوات. وفيما انتعشت آمال الحزب الشيوعي الذي حافظ على مواقعه الانتخابية في الضواحي العمالية المحيطة بباريس، فقد تأكد بالمقابل تراجع اليمين المتطرف الذي يقوده زعيمه جان ماري لوبن مما يريح اليمين الى حد بعيد. ومنذ أن بدأت النتائج بالظهور ليل الأحد/ الاثنين، سعى قادة اليمين الى التقليل من الهزيمة لتي لحقت بلوائحهم فيما شدد قادة الأحزاب اليسارية المعارضة على «اللطمة» التي لحقت بسياسة الرئيس ساركوزي والحكومة واليمين بشكل عام، معتبرا أن النتائج المعلنة تشكل «درساً» للرئيس الفرنسي بالدرجة الأولى. غير أن الطرفين عملا على دعوة مناصريهما للتعبئة للأحد القادم، خصوصا أن نسبة المشاركة كانت دون ما هو منتظر. ولم يصدر عن قصر الإليزيه أيَّ تعليق رسمي على الانتخابات. وقال باتريك دفدجيان، أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أمس، إنه «لا يرى حاجة» لتدخل الرئيس ساركوزي ما بين الدورتين. ورأت أوساط القصر الرئاسي إن نتائج الدورة الأولى «لا تشكل رفضا لسياسة رئيس الجمهورية الإصلاحية أو تنكرا لها»، فيما سارع رئيس الحكومة، فرنسوا فيون الى القول إن السياسة الإصلاحية «مستمرة»، رافضا أن تفسر النتائج على أنها «تحذير» موجه للرئاسة أو للحكومة. ويرى دفدجيان في النتائج «هزيمة صغيرة وليست كارثة مثل ما تنبأوا لنا بها».

وسجل اليسار الذي كانت استطلاعات الرأي تتوقع له نتائج أفضل من التي حصل عليها بعض النقاط، إذ فاز ببلدية ليون، المدينة الفرنسية الثانية، منذ الدورة الأولى، وهو يتأهب للفوز مجددا ببلدية العاصمة، إذ من المؤكد أن يبقى الاشتراكي برترامد دولانويه رئيساً لها بينما أصيبت مرشحة اليمين فرنسواز دو بانافيو بالخيبة. ونجح اليسار في تحقيق تقدم إضافي بالعاصمة حيث فشلت وزيرة العدل رشيدة داتي في الفوز منذ الدورة الأولى ببلدية الدائرة السابعة البورجوازية، المعقودة اللواء تقليديا لليمين. ويتعين على اليسار انتظار الدورة الثانية لاجتياح مدينة ستراسبورغ (شرق البلاد) ولمعرفة ما إذا كان سينجح في الفوز بمدن رئيسية مثل مرسيليا، المدينة الثالثة، أو تولوز (جنوب البلاد).

ومنذ ليلة اول من امس، بدأت المفاوضات بين اللوائح المتنافسة تتهيأ للجولة الثانية. وأهم ما فيها معرفة الموثق الذي سيلتزم به حزب بايرو الوسطي الذي باستطاعته في العديد من المدن ترجيح كفة اليمين أو اليسار. ودعا قادة اليمين ومنهم دفدجيان ورئيس الحكومة السابق جان بيار رافاران الى «التحالف» مع تيار الوسط «الحليف الطبيعي» لليمين فيما تتضارب المواقف داخل الحزب الاشتراكي ما بين مؤيد لتحالف عام مثل المرشحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال والتحالف «الموضعي» مثلما يفضل سكرتير عام الحزب فرنسوا هولند. وقال هذا الأخير أمس إنه «ليست للحزب الاشتراكي استراتيجية تحالف عامة مع الحركة الديمقراطية» لكنه «لا يرى مانعاً من التحالف بدرس كل حالة على حدة». وفي المقابل، دعت رويال الى إقامة «تحالف عام» مع حزب بايرو. غير أن سكرتيرة الحزب الشيوعي، حليف الاشتراكيين التقليدي «حذرت» من التحالف مع الوسط مما يعقد المشهدَ السياسيَّ، ويمنع من جلاء الصورة السياسية وتوقع نتائج الدورة الثانية منذ الآن. ودخل بايرو الذي يجد نفسه في موقع حرج في مدينة بو (جنوب غربي فرنسا) على خط الجدل، إذ أعلن أنه «لن يعطي توجيهات عامة» حول التحالف وإنما يفضل أن يدرس الوضع محلياً.