وزير المال اللبناني لـ«الشرق الاوسط»: تحذيرات السعودية لرعاياها انحصرت بتوخي الحذر

قال إن دعمها شمل كل اللبنانيين وعلى كل المستويات

جهاد أزعور وزير المال اللبناني
TT

قال وزير المال اللبناني جهاد ازعور ان السعودية هي الشريك الاقتصادي الاستراتيجي لكل دول المنطقة وتتجاوز هذا الموقع في لبنان بصفتها «الاخ الاكبر» على كل المستويات وانه لا يمكن تصور خروج العلاقات المشتركة عن صيغة «الممتازة، الراسخة والتاريخية».

وابدى ازعور، في حديث لـ«الشرق الاوسط»، ثقته بتجاوز الاستحقاقات المالية على خزينة الدولة هذا العام والبالغة نحو 11 مليار دولار من خلال آليات مرنة ومناسبة بالتعاون مع القطاع المصرفي المحلي وبدعم من تنفيذ أجزاء جديدة من التزامات المجتمعين العربي والدولي في مؤتمر «باريس ـ 3» والتي يبلغ مجموعها 7.4 مليارات دولار.

وحول تداعيات تحذيرات السعودية لمواطنيها بالتزام الحذر في لبنان على العلاقات المشتركة وحركة الاستثمار يقول ازعور: «بحسب استطلاعاتنا الخاصة ومشاوراتنا مع الهيئات الاقتصادية نستطيع التأكيد اننا لم نسجل اي انسحاب لتوظيفات او استثمارات سعودية من لبنان، وخصوصا بعدما اوضحت قيادات المملكة، مشكورة، ان توجيهاتها لرعاياها لا تخرج مطلقا عن الاطار العام بوجوب توخي الحيطة والحذر وتجنب الاماكن التي حصلت فيها اشكالات. وهذا التوجيه صدر عن عدد كبير من السفارات العربية الاجنبية ولا ينبغي تحميله اكثر مما يحتمل. فاللبنانيون ايضا يستشعرون دقة الظروف. وهم يحتاطون عند كل تصعيد سياسي او إرباكات ذات طابع امني».

ويضيف: «من خلال التطور المستمر للعلاقات التاريخية، على المستويات السياسية والشعبية والاقتصادية والاستثمارية وسواها، تتصدر المملكة لائحة علاقات لبنان الخارجية، وذلك تبعا لعوامل موضوعية بمنأى عن العامل المعنوي والنفسي المتمثل بما يكنه السعوديون، قيادة وشعبا، للشعب اللبناني. وهناك الكثير من الدلائل التي تبرهن اهمية هذا العامل، لاسيما في السنوات الثلاث الماضية التي شهدت محنا متتالية عصفت بلبنان ومواطنيه توجها العدوان الاسرائيلي التدميري خلال صيف العام 2006».

ويتابع ازعور: «موضوعيا الاقتصاد السعودي اكبر اقتصادات المنطقة على الاطلاق. وسوقه المالية والاستهلاكية هي الاكبر ايضا بكل المعايير. وبالتالي فان المملكة شريك اقتصادي اساسي ومتميز لكل دول المنطقة. فهي تضم الشريحة الاوسع للمستثمرين العرب والسوق الاقوى والاكثر جاذبية لاستقطاب الكفاءات والاعمال والصادرات. وقد شكلت دائما، ولا تزال، المقصد المثالي للعمل وجمع الثروة بما توفره من فرص وتسهيلات. وليس ادل على ذلك ان معظم رجال الاعمال والمال اللبنانيين يدينون للمملكة إما بتكوين ثرواتهم او استثمارها في مشاريعها الضخمة. وهذا امر ينسحب بصورة او باخرى على الكثير من رجال الاعمال العرب الذين استفادوا من قوة الاقتصاد السعودي وديناميته وما يحققه من نسب نمو عالية ويزخر به من فرص هائلة في جميع قطاعات العمل والانتاج».

وفي المقابل، يقول ازعور: «شكل لبنان في مراحل النمو والازدهار واحة استثمارية لرجال الاعمال السعوديين الذين وظفوا مئات ملايين الدولارات في اغلب القطاعات الانتاجية، كالعقارات والسياحة والمصارف والصناعة، فضلاً عن تملك المساكن والبيوت لتمضية الجزء الاكبر من عطلهم. اما في مراحل المحن فكانت المملكة الداعم الاول والاكثر سخاء للبنان وشعبه. ويكفي ان نلفت الى محطات الدعم المباشر خلال السنوات الثلاث الماضية التي تجاوزت 3 مليارات دولار، مع التأكيد على اولوية الدعم السياسي والتضامن الشعبي اللذين يتوقان باستمرار لحل الازمات ومعالجة المشكلات من دون اي تحيز ومن خلال الالحاح على الحوار واعتماد لغة الاعتدال والتفاهم».

ويضيف: «ربما الاكثر اهمية ودلالة في موقع السعودية الاقتصادي هو المبادرة والتموضع كقاطرة فاعلة لانسياب الدعم السياسي والمالي خلال المحن او الدفق التوظيفي والاستثماري خلال مراحل الازدهار الاقتصادي. وثمة نماذج حية لما قامت به المملكة خلال العدوان الاسرائيلي حيث خصصت لبنان، في ذروة العدوان، بوديعة مالية بلغت مليار دولار لدعم الاستقرار النقدي وبمبلغ 500 مليون دولار لاعادة البناء والاعمار والتزام كلفة التسجيل والكتاب المدرسي لكل طلاب لبنان في المدارس الرسمية، ثم تقديم دعم مالي بقيمة 100 مليون دولار لدعم حاجات الجيش خلال معارك نهر البارد، من دون اغفال المساهمة الاكبر في مؤتمر باريس-3 بمبلغ 1100 مليون دولار ليصل مجموع الدعم المالي الى نحو 3000 مليون دولار خلال سنتين فقط».

وحول قدرة الحكومة على مواجهة الاستحقاقات المالية لهذا العام والتي تتجاوز 11 مليار دولار، يفيد ازعور: «الشيء بالشيء يذكر. فقد طلبنا كحكومة من القيادة السعودية وديعة جديدة بقيمة مليار دولار. ولمسنا تجاوباً نأمل ترجمته قريباً. وهذا ما يعزز احتياطات البنك المركزي والاستقرار النقدي، كما ينتج دعماً لتأمين مستلزمات الصمود المالي». وتابع: «اما بشأن الاستحقاقات، فأستطيع التأكيد اننا على المسار السليم. ولا نتوقع حصول اي مشكلة في مواكبة شرائح الديون والفوائد التي تستحق على الخزينة خلال العام الحالي بأكمله. فالجزء الاكبر من المستحقات محرر بالليرة. ولدينا اقبال مناسب على الاكتتاب بمبالغ موازية بما يرحل هذه الشريحة الى السنوات المقبلة. اما الدين بالدولار فقد عالجنا للتو اول استحقاق بقيمة 860 مليون دولار من خلال اصدار جديد (عملية مبادلة) بقيمة 875 مليون دولار اداره مصرفا كريدي سويس وعودة. وتمت تغطية معظمه من المصارف المحلية بفائدة 9.12 في المائة لمدة 5 سنوات. ويمكن استخدام الوسيلة ذاتها للاستحقاق المقبل البالغ 700 مليون دولار في شهر اغسطس (آب) 2008، مع الاشارة الى توافر فائض اولي في الموازنة يزيد على مليار دولار. فيما يتوافر لدى الجهاز المصرفي المحلي فائض يناهز 20 مليار دولار قابل للتوظيف وتمويل حاجات الحكومة المالية وفق شروط ومواصفات الاسواق».

ويستدرك ازعور قائلاً: «اذا كان الوضع المالي تحت السيطرة ونبرمج تباعاً استحقاقاتنا المالية وفق مبدأ عدم الاخلال بأي التزام مالي وسداد الديون والفوائد في مواعيدها، فهذا لا يعني ان تداعيات الازمة الداخلية الحاضرة ستبقى ضمن قدراتنا على الاستيعاب الى فترة طويلة. ونأمل ان تنتج المبادرات والتدخلات الايجابية حلولاً تخرج لبنان من هذه الازمة».

وختم قائلاً: «الاستقرار مفتاح سحري للاقتصاد اللبناني. فبعدما ابعدت الاوضاع السائدة والعدوان الاسرائيلي والاغتيالات والتفجيرات لبنان عن مستوى النمو القوي الذي حققته معظم دول المنطقة وفي ظل تعاظم الثروات والارتفاعات القياسية في اسعار النفط وما تنتجه من فوائض مالية، فان حل الازمة سيدفع لبنان الى صدارة لائحة الاهتمامات الاستثمارية. ويمكن توقع فورة غير مسبوقة في نسبة النمو الاقتصادي خصوصاً من خلال قطاعات العقارات والسياحة والخدمات والمصارف حيث لا تزال اسعار الموجودات والأوراق المالية عند المستويات نفسها التي كانت عليها مطلع العام 2005، فيما حلقت بنسب قياسية في المنطقة».