علماء إيرانيون يشكلون لغزاً لوكالة الطاقة الذرية .. وطهران ترفض السماح بمقابلتهم

TT

يحاضر المهندس النووي الايراني، محسن فخري زاده، اسبوعيا في الفيزياء في جامعة الامام الحسين بطهران. غير أنه لما يزيد على عقد من الزمن، وفقا لوثائق تجتذب اهتمام الحكومات الغربية، فانه كان يدير ايضا برامج سرية تهدف الى الحصول على تكنولوجيا نووية حساسة لحكومته.

ودعا خبراء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا وتكرارا فخري زاده لتناول الشاي والدردشة حول العمل النووي لايران. ولكن خلال عامين حظرت الحكومة في طهران اية صلات مع العالم، الذي يقول مسؤولون اميركيون انه انتقل أخيراً الى مختبر جديد في مجمع يخضع لحراسة مشددة هو الآخر محظور على مفتشي الأمم المتحدة.

وتبقى الطبيعة المحددة لبحثه، في الماضي والحاضر، لغزا كما هو حال عمل علماء ايرانيين أساسيين آخرين تظهر أسماؤهم في وثائق تحتوي على تفاصيل ما يقول مسؤولو الامم المتحدة انه جهد سري دام سنة لتوسيع قدرة البلاد النووية. والوثائق التي قدمت الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأشهر الأخيرة من جانب بلدين غير الولايات المتحدة تماثل جزئيا المعلومات التي وردت في جهاز كومبيوتر محمول ايراني مسروق وصل واشنطن.

ويقول مسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان هذه الوثائق تحدد فخري زاده وعلماء مدنيين آخرين باعتبارهم شخصيات مركزية في برنامج ابحاث نووية سري يعمل منذ عام 2003. غير أن ايران ترفض حتى الآن إلقاء ضوء على عملهم أو السماح لمسؤولي الأمم المتحدة باستجوابهم. وبعد ان قدمت لها نسخ من بعض الوثائق الجديدة نفت طهران وجود بعض العلماء.

وقال مسؤول دبلوماسي غربي مطلع على تعامل الوكالة مع ايران انه «عندما تطرح المزاعم تنفيها ايران ببساطة. وهي تصر على ان الوثائق مزورة في معظمها».

والنزاع حول طلبات إجراء مقابلات القت بظلالها على جهود الأمم المتحدة التي دامت خمس سنوات من اجل التحري عن الحقيقة بشأن ماضي ايران النووي. وفي ذلك البحث، تشكلت مخاوف غربية عبر رفض طهران الكشف عن تاريخ اهتمامها بالتكنولوجيات التي يمكن أن تستخدم للطاقة النووية أو للأسلحة النووية.

وساعدت طائفة مماثلة من الشكوك على اثارة الحرب الأميركية مع العراق التي بررتها ادارة بوش جزئيا عبر القول إن بغداد كانت تخفي عن قصد أبحاث الأسلحة النووية عن مفتشي الأمم المتحدة. غير أن حصيلة ذلك الغزو تشير الى الحذر طالما أن القوات الأميركية كانت عاجزة عن الكشف عن دليل مقنع بالعمل في اسلحة محظورة. وشهد مسؤولون عراقيون على انها كانت سرية لإخفاء انتهاء مثل هذا العمل عن الخصوم الاقليميين. ويقول مسؤولو الأمم المتحدة انه في حالة ايران فان الدليل الجديد لا يثبت أن العلماء نفذوا خططا لاقامة أجهزة نووية، ولكنه يظهر ان فخري زاده وعلماء آخرين صارعوا من أجل اتقان تكنولوجيات ذات صلة. ويبدو ان عددا من العلماء، بينهم فخري زاده، يتنقلون بحرية بين مواقع الأبحاث العسكرية والمدنية.

وجاءت بعض الوثائق من داخل ايران، وفقا لما قاله مسؤولون أوروبيون مطلعون عليها. وما من واحدة منها تحتوي بشكل محدد على كلمة «نووي». ويقول مسؤولو الوكالة الدولية للطاقة الذرية انه ليس هناك دليل على أن أياً من الخطط تقدمت الى ما هو ابعد من مرحلة الورق.

ويؤكد المجلس القومي للمقاومة الايرانية، وهو منظمة معارضة تزعم ان لديها مخبرين داخل الحكومة الايرانية، في وثائق قدمت الى «واشنطن بوست»، على أن هناك عملا لتصميم اسلحة نووية وقد نقل الى جامعات ومدارس. ولكن مسؤولين من الأمم المتحدة وأميركيين يقولون انهم لا يمكن أن يدعموا بالدليل مزاعم المنظمة.

وبدلا من ذلك، قال مسؤولون استخباراتيون أميركيون ان ايران عملت على تصميم أسلحة نووية في الماضي، ولكنها اوقفت الأبحاث عام 2003. ولكن مسؤولين حكوميين وخبراء اسلحة يعترفون بالقلق بشأن رفض ايران الاجابة عن اسئلة أو تفسير ما يقوم به علماء أساسيون في الوقت الحالي.

وعلى الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تصف محتويات الوثائق الجديدة علنا، فان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة تبنى فرض عقوبات جديدة على ايران، الأسبوع الماضي، ويعود ذلك جزئياً الى ما وصفه زعماء أوروبيون باعتباره أداء «سيئا» من جانب طهران في الاجابة عن أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الأبحاث النووية السابقة. وقال سايمون سميث، السفير البريطاني، في تصريح له الأسبوع الماضي نيابة عن بريطانيا وألمانيا وفرنسا، التي تقود مسعى إقناع ايران بإيقاف تخصيب اليورانيوم، انه «ما دام خيار ايران يبقى خيار عدم تعاون، فاننا سنبقى، من ناحيتنا، عازمين على اظهار عواقب ذلك الخيار».

ويعتبر فخري زاده شخصية بارزة في عدد من الوثائق، وفقا لمسؤولين اطلعا عليها. فهو يوصف، في وثيقة معينة، باعتباره شخصية كبيرة تشرف على مشاريع الأبحاث. وفي وثيقة اخرى يزعم انها موقعة من فخري زاده، نجد توجيهات حول الإنفاق على برامج الأبحاث، بينما تحدد وثيقة ثالثة قواعد للاتصال بين العلماء، مشيرة، على سبيل المثال، إلى ضرورة تجنب الباحثين وضع اسمائهم في المراسلات التي يمكن أن تصبح علنية في خاتمة المطاف، وفقا لدبلوماسي مقيم في اوروبا اطلع على الوثائق.

وفخري زاده، 47 عاما، الذي اصبح عضوا في فيلق الحرس الثوري بعد الاطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، هو مسؤول سابق لمركز ابحاث الفيزياء، الذي تقول الأمم المتحدة انه متورط الى حد كبير في رسم خطط والحصول على أجزاء من مشروع تخصيب اليورانيوم. وكان من بين ثمانية ايرانيين فرضت عليهم قيود دولية مالية وفي السفر بموجب بنود قرار الأمم المتحدة الذي جرى تبنيه العام الماضي بسبب صلاته المزعومة بأبحاث «الصواريخ النووية أو البالستية». وفقا لما تظهره سجلات الأمم المتحدة. واعتماداً على ما أوردته المنظمة الايرانية المعارضة، فانه فضلا عن منصبه في الجامعة عين فخري زاده أخيراً مديرا لمركز تكنولوجيا الاستعداد والدفاع الذي يوجد في طهران وتحت قيادة عسكرية مباشرة. وأعيد تعيين عدد من مساعديه في أقسام نووية بمعاهد مدنية مثل جامعة الشهيد بهشتي التي تقع في طهران أيضاً.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»