فاطمة كروبي لـ«الشرق الأوسط»: خلاف حول تمثيل النساء في قوائم الإصلاحيين دفعني للمشاركة بحزبي الخاص

الخريطة السياسية للأحزاب الإصلاحية متداخلة.. والخلافات بينها أقل من الخلافات بين المحافظين

فاطمة كروبي
TT

أشياء كثيرة يمكن أن تلفت النظر في الحملة الانتخابية للأحزاب الاصلاحية في إيران، لكن لا شئ يجذب الانتباه أكثر من ان يكون هناك حزب اصلاحي رئيسي مشارك في الانتخابات تتزعمه إمرأة، تنافس بطريقة أو بأخري، حزب زوجها المشارك بدوره في الانتخابات. هذا الحزب هو "ائتلاف مردمي إصلاح طلبان" أو "الائتلاف الشعبي للإصلاحيين" والذي تتزعمه السيدة فاطمة كروبي، زوجة مهدي كروبي رئيس حزب "اعتماد ملى" الاصلاحي الذي يشارك أيضا في الانتخابات. ومع أن السيدة كروبي تقول إن الخلافات بين حزبها وحزب مهدي كروبي "قليلة" وإن هناك مرشحين مشتركين بين قائمتها وقائمة حزب "اعتماد ملي"، موضحة لـ"الشرق الأوسط" انهما يتفقان في القضايا الرئيسية، الا أنها تشير الى ان سبب الخلاف بين حزبها وحزب "اعتماد ملى" هو أنها طلبت أن تكون هناك 10 سيدات بين الـ30 مرشحا اصلاحيا عن طهران، ولما لم يتم الاتفاق على هذا الرقم، قدمت فاطمة كروبي قائمة مستقلة بحزبها، غير انها تشدد ضاحكة على انها لا تنافس مهدي كروبي. حزب "الائتلاف الشعبي للاصلاحيين" أسسته فاطمة كروبي قبل 11 عاما، وأنتخبت رئيسة له 3 مرات، وهو كما تقول ليس حكرا على النساء، واليوم عدد أعضاء الناشطين فيه 10 آلاف عضو. الهدف الرئيسي لحزب الائتلاف الشعبي، كما تقول السيدة كروبي، هو فهم دستور الثورة الايرانية الذي وضعه آية الله الخميني "بطريقة تقدمية"، وهذا يعني في نظرها مثلا أن تزيد مشاركة النساء السياسية في إيران ليس من وجهة نظر "نسوية" ولكن من وجهة نظر فهم احتياجات المجتمعات المعاصرة. وهذا كان أحد أهم اسباب دخول حزبها بقائمة مستقلة عن قائمة حزب مهدي كروبي في الانتخابات. وتقول فاطمة كروبي في حديث خصت به "الشرق الأوسط": "وجهة نظري الشخصية كانت أن تكون هناك 10 سيدات في قائمة المرشحين الاصلاحيين لطهران والمكونة من 30 مرشحا، لكن لم يتم الاتفاق على هذه النقطة، ومن ثم شاركت بقائمة خاصة بحزبي. ففي رأيي ان المهم هو مؤهلات الناس وخبراتهم، والنساء في إيران لديهن نفس القدرات التي لدى الرجال. انا أسمي هذا تفكير ما بعد حزبي أو عابر للأحزاب. نتفق مع حزب اعتماد ملي في الخطوط الاستراتيجية، لكننا لا نسير على نهجهم 100%، وبالتالي 80% من مرشحي الاصلاحيين لطهران موجودون على قائمتي حزبي اعتماد ملي والائتلاف الشعبي للاصلاحيين، لكن هناك اختلافات في 20% من المرشحين، انا وضعت عددا أكبر من المرشحات". بعد التعديلات التي وضعتها السيدة كروبي على قائمتها بات عدد النساء في حزبها أكبر من عدد النساء في أي حزب آخر، فمثلا في قائمة جبهة المشاركة والتي تضم 30 مرشحا يتنافسون على الثلاثين مقعدا لطهران توجد 6 سيدات فقط.

ما تضع عليه فاطمة كروبي عينها هو اعادة الديناميكية للمشاركة السياسية للنساء في إيران وهي مشاركة قلت خلال السنوات الماضية. وتتابع فاطمة كروبي:"كنت نائبة عن طهران في البرلمان الإيراني الخامس، وكان الإصلاحيون في هذا البرلمان أقلية، لكنه كان البرلمان الوحيد الذي به 14 نائبة. بعد ذلك قل عدد النساء في البرلمان. عندما أنتخب خاتمي رئيسا توقعنا ان يتم التخلص من العقبات أمام مشاركة النساء، إلا ان هذا لم يحدث بالرغم من ان الظروف كانت جيدة، وكان المناخ ملائما لأن يتم تعيين سيدة وزيرة لأول مرة. خلال حكم خاتمي تم تعيين 6 نساء نائبات وزير، لكن لم يكسر قيد تعيين وزيرة خلال ولايته. والآن وأحمدي نجاد في السلطة بات هذا أصعب. لقد فقدنا الفرصة وعلينا أن نعمل بجهد من جديد". الأجندة التي تحملها معها فاطمة كروبي للانتخابات البرلمانية أجندة اجتماعية بالاساس. فهى تقول إن أحد المشاكل التي تواجه إيران هي أن 70% من سكانها تحت سن الثلاثين، وهذا يعني حتمية توفير فرص عمل جديدة وإلا تزايدت معدلات البطالة بشكل يصعب السيطرة عليه، مشددة أيضا على ضرورة بناء المزيد من المشروعات السكنية باسعار ملائمة، وتحسين مستويات المعيشة اجمالا. تحقيق الاصلاحيين نتائج جيدة في انتخابات البرلمان يعني امكانيات المواجهة داخل البرلمان الجديد بين الاصلاحيين والمحافظين، بل وامكانيات المواجهة بين البرلمان وأحمدي نجاد، غير ان فاطمة كروبي تقول إن العلاقة مع المحافظين في البرلمان لا يجب ان تكون علاقة خلاف دائم، فهناك قضايا يمكن ان يتفق عليها الطرفان. وتتابع "لا يمكن التنبؤ إذا كان المحافظون سيسيطرون على البرلمان الجديد، يجب ان ننتظر النتيجة. خلال البرلمان الخامس كنت بين المستائين من المواجهات المستمرة بين الاصلاحيين والمحافظين، فهذا غير صحي". وتؤكد ان حزبها في حالة فوزه في الانتخابات سينسق مع باقي الأحزاب الاصلاحية، مستبعدة أي تنسيق مع المحافظين. وتتابع: "في هذه الانتخابات فعلنا كل ما باستطاعتنا لتقديم افكار الاصلاحيين، ليس لدينا الآن أي وسيلة أخرى. لقد تحركنا في ظروف صعبة مؤخرا بعد خسارة الاصلاحيين كل مراكز القوى التي كانوا يتمتعون بها مثل الرئاسة والبرلمان والمجالس البلدية. فقدنا الكثير بسبب بعض الشخصيات داخل الاصلاحيين. فمثلا خلال انتخابات البرلمان الماضي، الكثير من الاصلاحيين الذين رفضت اوراق ترشحهم قرروا مقاطعة الانتخابات نهائيا، وكانت النتيجة انتخاب برلمان محافظ. خلال الانتخابات البلدية الماضية قررنا تشكيل 15 قائمة على أساس ان يكون تمثيل الاحزاب الاصلاحية فيها متساويا لكن حزب جبهة المشاركة طلب أن يكون له 5 مرشحين، واختلفنا وخسرنا الانتخابات". اليوم يدخل الاصلاحيون الانتخابات بثلاث أحزاب كبيرة أساسية، يقع تحت ظلها الكثير من التجمعات السياسية الأصغر. لكن دخول الاصلاحيين الانتخابات بثلاثة أحزاب لم يكن مطلب البعض من داخل الحركة الاصلاحية الذين رأوا أن الوضع الحالي يستلزم اتحاد كل الأحزاب الاصلاحية في قائمة واحدة للانتخابات البرلمانية المقررة غدا. لكن الاصلاحيين مثلهم مثل المحافظين يختلفون في التوجهات والافكار، وان اتفقوا على الخطوط الاستراتيجية. وهم لا يشعرون ان تفرق مرشيحهم على 3 قوائم يعني بالضرورة تقليص فرص حظوظهم، فعلى الاقل الاختلافات بين الاحزاب الاصلاحية، في هذه الانتخابات، أقل من الاختلافات داخل التيار المحافظ، فهناك هوة واسعة بين الطريقة التي يفكر بها احمدي نجاد من ناحية، وبين الطريقة التي يفكر بها مثلا على لاريجاني مسؤول الملف النووي الإيراني الذي يدخل الانتخابات في قائمة مستقلة عن حزب احمدي نجاد. خريطة الاحزاب الاصلاحية معقدة ومتداخلة. ويسمي التيار الاصلاحي في إيران عموما "اصلاح طلبان" وتحت هذا العنوان الواسع تقع العديد من الاحزاب والتجمعات الاصلاحية، من بينها الاحزاب الثلاثة الاساسية وهي وحزب "اعتماد ملى" او "الثقة الوطنية" بزعامة مهدي كروبي وحزب "ائتلاف مردمي اصلاح طلبان" او "الائتلاف الشعبي للاصلاحيين" بزعامة فاطمة كروبي، وحزب "مشاركت" او "جبهة المشاركة" ومن قيادته محمد رضا خاتمي ومحسن ميردامادي. ومن التجمعات السياسية التي تعمل في اطار هذا العنوان أيضا "مجاهدين المشاركات" ومن قياداته بهزاد نبوي ومحسن ارمين، كما كان من بين قياداته محسن رضائي. وليس بين الأحزاب الثلاثة اختلافات جوهرية، لكن هناك اختلافات بعضها يتعلق بطريقة ادارة العلاقة مع المرشد الاعلى علي خامنئي والمحافظين عموما، وبعضها الآخر يتعلق بالتكتيك السياسي للاصلاحيين عموما، وللتيار الراديكالي وسط الاصلاحيين خصوصا. اللافت في هذه الانتخابات ان الخريطة السياسية في إيران والتي تقسم عادة إلى ثلاثة اجنحة هم الاصلاحيون، والمحافظون، والبراغماتيون ممثلون في حزب "كوادر البناء" بزعامة هاشمي رفسنجاني، باتت جناحين فقط، على الأقل شكليا. فبعد عدم موافقة مجلس صيانة الدستور على السماح للكثير من مرشحي حزب كوادر البناء بالترشح للانتخابات، لم يدخل حزب كوادر البناء الانتخابات بقائمة تحمل اسمه، وفضل هاشمي رفسنجاني العمل مع الاحزاب الاصلاحية الموجودة، لكنه يشكل في الحقيقة أحد اللاعبين الكبار المؤثرين في هذه الانتخابات سواء فيما يتعلق بالبرامج السياسية او الدعم المعنوي والمادي.

الاصلاحيون في هذه الانتخابات لديهم في الواقع أوراق قليلة يمكن اللعب بها، فبعد خسارتهم كل مواقع التأثير والقوة في النظام السياسي الإيراني بدءا من البرلمان وانتهاءا بالرئاسة مرورا بالمجالس البلدية، ليس لديهم إلا الأمل في ان يقرر الايرانيون صباح الانتخابات ان يتغلبوا على كل احباطاتهم ويتوجهوا الى صناديق الاقتراع للتصويت لهم. هذا في الحقيقة الأمل الوحيد لدى الاصلاحيين لتحقيق أغلبية في هذا البرلمان، فالمشاركة الضعيفة ستعني حتما فوز المحافظين. وخلال مؤتمر انتخابي لحزب المشاركة في وسط طهران كرر المرشحون الاصلاحيون الكلام حول ان تجربة الانتخابات البرلمانية الماضية والتي شهدت اقبالا ضعيفا مما أدى إلى سيطرة المحافظين على البرلمان، علمت الايرانيين ان المقاطعة ستعني فوز المحافظين. لكن الاصلاحيين يدخلون الانتخابات بسقف توقعات غير مرتفع، فكما قال مصطفي تاج زادة احد الناشطين الاصلاحيين خلال احد مؤتمراتهم الانتخابية:" نرى الانتخابات بوصفها عملية غير عادلة وغير تنافسية. ففي الواقع 160 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 290 لا ننافس عليه لان مرشحينا على هذه المقاعد لم يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات. هذه المقاعد الـ160 محسومة للمحافظين. الاصلاحيون ينافسون عمليا على 130 مقعد فقط". الوضع الاقتصادي في إيران يحتل مكانة هامة في برامج الاصلاحيين، والهدف الاول هو الحد من التضخم ومن ارتفاع الاسعار وتقليص نسبة البطالة واعادة الانضباط للميزانية العامة وتحرير البنوك من التدخلات الحكومية، والمضي قدما في مشروعات الخصخصة. وقد لعب الاصلاحيون خلال حملاتهم على اخطاء حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فمثلا خلال مؤتمر حزب المشاركة قال أسحاق جهانجيري وزير العمل السابق في عهد حكومة خاتمي وأحد أبزر المرشحين الاصلاحيين لهذه الانتخابات انه بالرغم من ان أسعار النفط وصلت الى أكثر من 100 دولار للبرميل الا ان استغلال حكومة نجاد هذا الارتفاع بطريقة غير صحيحة اسفر عن زيادة التضخم. فيما انتقد سيد محمد صدر احد المرشحين الاصلاحيين الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الملف النووي موضحا التقدم الذي حدث في البرنامج النووي الإيراني حدث خلال حكم خاتمي، وقائلا "كانت مشروعاتنا النووية المدنية تسير قدما، لكننا في الوقت نفسه كنا نتحدث مع وكالة الطاقة الذرية، وطوال 8 سنوات من حكم خاتمي لم تفرض علينا عقوبات. الآن فرضت علينا ثلاث دورات من العقوبات. ما نريد ان نفعله كاصلاحيين اذا فزنا في انتخابات البرلمان ان نعمل في اطار حقوقنا النووية بدون تحدي ومواجهة مع المجتمع الدولي". لكن الاصلاحيين يعرفون أكثر من غيرهم ان الفترة المقبلة ستكون صعبة في كل الحالات. ستكون صعبة اذا لم يحققوا نتائج جيدة في انتخابات البرلمان، وستكون صعبة اذا حققوا نتائج جيدة. ففي هذه الحالة ستكرر إيران سيناريو المواجهة اليومية بين رئيس ينتمي الى تيار سياسي وبرلمان ينتمي الى تيار سياسي آخر، تماما كما حدث خلال الولاية الثانية لخاتمي عندما عجز البرلمان المحافظ عن تحقيق البرامج التي وعد بها، ودخلت إيران ايامها مرحلة من الشلل السياسي.