القمة الإسلامية: سعود الفيصل يدعو سورية إلى دور فاعل في حل أزمة لبنان

مشروع البيان الختامي دعا لانتخاب رئيس للبنان وطالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967

الرئيس السنغالي عبد الله واد في صورة جماعية مع قادة الدول الإسلامية قبل بدء قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار أمس(أ.ف.ب)
TT

شدَّد مشروع البيان الختامي لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي الحادية عشرة التي بدأت أعمالها في العاصمة السنغالية دكار أمس وتختتم أعمالها اليوم، على اللبنانيين إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن، داعيا في الوقت ذاته إلى استكمال الإجراءات اللازمة لقيام المحكمة الدولية بعملها لكشف الحقيقة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

وأعرب مشروع البيان، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، مطالباً الرباعية الدولية والمجتمع الدولي لمعالجة هذه الأزمة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، و«الوصول للحل المبني على دولتين». وقال مشروع البيان إن استمرار الخلافات بين الفصائل الفلسطينية يثير القلق، مجدداً طلبه إعادة الوضع الميداني في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل اندلاع أحداث يونيو 2007. وأدان المؤتمر بقوة «الأعمال الإرهابية والإجرامية التي تقترفها كل من طالبان والقاعدة وغيرهما من الجماعات المتطرفة» وحثَّ الدول الإسلامية على فتح سفارات لها في العراق. وأعرب مشروع البيان الختامي عن تضامنه مع شعب كوسوفو، وذلك «في إطار ما توليه منظمة المؤتمر الإسلامي من اهتمام للمسلمين في البلقان».

وأكد حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ودعا إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، وفيما أكد تضامنه مع السودان، أدان مشروع البيان فرض واشنطن عقوبات على سورية.

على صعيد متصل، أكد مشروع ميثاق جديد لمنظمة المؤتمر الإسلامي إدارة العديد من القضايا الإقليمية والدولية التي لم تكن موجودة به بقوة منذ وضع ميثاق المنظمة عام 1972، منها «التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بجميع مشاكله ومظاهره»، ومكافحة «الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في المخدرات وغسل الأموال والاتجار في البشر». كما تضمن مشروع الميثاق الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه اهتماما ظاهرا بالتقنية الحديثة ودعوة الدول الأعضاء بالمنظمة الارتقاء بالعلوم والتكنولوجيا، وكذلك إلى «التصدي لمن يعملون على تشويه صورة الإسلام». وفي كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة، دعا وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل سورية الى المساعدة على التوصل الى حل للازمة الرئاسية في لبنان.

وقال الامير سعود الفيصل «نتطلع الى دور سوري فاعل لتحقيق وفاق وطني في لبنان استنادا الى المبادرة العربية» التي تدعو الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

وقال وزير الخارجية السعودي، الذي ترأس وفد بلاده الى القمة، «إن منهج العقلانية واسلوب الاعتدال وروح التسامح والانفتاح على الآخر يجب أن تشكل أداة نتسلح بها في مواجهة التحديات الراهنة وستظل قضايانا المصيرية على حالها ما لم يتغير أسلوبنا في التعامل معها. كما ان المجتمع الدولي لا يمكن ان يتعامل معنا بالجدية المطلوبة ما لم يلمس مصداقيتنا وتضامننا في الدفاع عن هذه القضايا والتزامنا بالوفاء بمتطلبات السعي لنيل حقوقنا المسلوبة».

واضاف «في سياق مراجعتنا للمبادئ التي احتوى عليها البرنامج العشري لا بد من الإشارة الى أن الدعوة الى الاعتدال والتسامح والانفتاح نحو الحضارات والثقافات الاخرى ليس المقصود منها تجاهل الاساءات الموجهة ضد الاسلام والمسلمين وتجاوز موجات الحقد والكراهية الصادرة عن قوى التطرف والتعصب الاعمى المنتشرة في بعض الاوساط الغربية، والتي جرى التعبير عنها أخيرا بمختلف الوسائل المرئية والمسموعة. إن دعوتنا للتسامح بين الحضارات والثقافات لن تتحقق إلا من خلال تأسيس الاحترام فيما بينها لضمان التكافؤ في الحوار. وفي هذا الصدد، فاننا نطالب المجتمع الدولي وكل مؤسساته الرسمية والمدنية ووسائل اعلامية الى احترام الاسلام بالشكل الذي يليق بمكانته كأحد الأديان السماوية وأوسعها انتشاراً.

واذا ما كفلت المواثيق الدولية حق الانسان في حرية التعبير، فانها ايضا لم تعفِهِ من مسؤولياته والتزاماته، في مقابل التمتع بهذا الحق، وذلك وفق ما قضى به ميثاق الامم المتحدة والصكوك الدولية لحقوق الانسان التي نصت على تشجيع الحوار والتفاهم والتعاون بين الاديان والثقافات من اجل السلام ومنع حالات التعصب والتمييز والتحريض على كراهية افراد أيٍّ من الطوائف او اتباع الديانات والمعتقدات. كما طالبت المواثيق وسائل الاعلام بتهيئة بيئة تفضي الى تفاهم أفضل بين جميع الاديان والمعتقدات والثقافات والشعوب، ولذلك فلا يمكن بأي حال من الاحوال قبول ان تأخذ حرية الرأي المدى الذي يجعلها تتعدى على حقوق وحريات المعتقدات الدينية للافراد».

وتابع «نعلم جميعاً ان نشوء منظمة المؤتمر الاسلامي انما جاء استجابة لتحدٍّ سافرٍ جوبهت به امتنا حيث تعرض المسجد الاقصى في القدس الشريف الى اعتداءٍ اجراميٍّ من قبل متطرف حاقد ساعده في ذلك وقوع القدس تحت الاحتلال الاسرائيلي. ان القدس الشريف يشكل جوهر ومحور هذه القضية، لذلك فان موضوع القدس يجب ان يحتل اولوية في أي محادثات او مفاوضات لحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي. وتأسيساً على هذا المبدأ وبناءً على الاجتماع العربي جاءت مشاركة المملكة في مؤتمر انابوليس للسلام وذلك في ضوء التأكيدات بأن المؤتمر سيدشن مرحلة جديدة يتم بموجبها التعامل مع عملية السلام من منطلق تناول القضايا الاساسية للنزاع، بما في ذلك قضية القدس وضمن إطار زمني محدد. وكان يحدونا أملٌ بان توضع الالتزامات التي جرى التعبير عنها في انابوليس موضع التنفيذ غير ان الوقت يداهمنا. ولم نشهد حتى الآن سوى استمرار الحكومة الاسرائيلية في ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني في غزة وباقي الاراضي الفلسطينية ضد الاطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل وانتهاجها لسياسة الحصار والعقوبات الجماعية المناهضة لكل القوانين الدولية والانسانية واتفاقيات جنيف الخاصة بمعاملة السكان المدنيين تحت الاحتلال».

وأكد ان المجتمع الدولي مطالبٌ بالقيام بمسؤولياته تجاه هذه الممارسات الاسرائيلية اللا إنسانية. وفي هذا الصدد، طالب المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الاخير بتوفير الحماية الدولية المطلوبة للفلسطينيين في مواجهة هذه الهجمة الاسرائيلية الشرسة. كما ربط الالتزام العربي بالسلام كخيار استراتيجي بمدى وفاء اسرائيل بالتزاماتها تجاه العملية السلمية واحترامها للمواثيق وسائر مرجعيات السلام المعتمدة، بما في ذلك المبادرة العربية للسلام. ان المتوقع من المجتمع الدولي، وبالذات الاطراف الفاعلة فيه، ليس فقط رعاية عملية السلام بل السعي الحثيث للسير بهذه العملية وفق أسسها ومرجعياتها». وفي الشأن العراقي، قال الفيصل «على الرغم من التحسن النسبي على الصعيد الأمني في العراق، إلا أن ذلك التحسن لم يواكبه حتى الآن التقدم المنشود على صعيد الترتيبات السياسية والدستورية التي من شأنها أن تحقق الدفعة المطلوبة لعملية المصالحة..».

وعن الازمة اللبنانية، قال «إن الجامعة العربية مستمرة في جهودها الحثيثة لحل أزمة الفراغ في رئاسة الجمهورية. وقد كلف مجلس الجامعة أخيرا الأمين العام عمرو موسى مواصلة اتصالاته مع الأطراف اللبنانية في إطار هذه المبادرة مع إيلاء موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية اهتماما خاصا بالنظر لعلاقة هذا الأمر الوثيقة بالمشكلة اللبنانية. ونتطلع إلى دور سوري فاعل لتحقيق وفاق وطني لبناني استناداً إلى المبادرة العربية، وذلك في إطار الالتزام العربي الشامل ببذل الجهود الحثيثة لحل الأزمة اللبنانية».

وأكد أن «تكريس الأمن والاستقرار في منطقة الخليج الحساسة من العالم يتطلب التأكيد على حسن الجوار وتعزيز الثقة بين جمهورية إيران الإسلامية وجيرانها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومما يساعد على ذلك استجابة إيران لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لحل قضية الجزر الثلاث عبر المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

إن أزمة الملف النووي الإيراني تشكل أحد التحديات التي تواجهها منطقتنا ومبعث قلق لنا جميعا. وإن ما نأمله ونرجوه أن يتم حل هذا الملف بالطرق السلمية، وبعيداً عن التوتر والتصعيد، وذلك في إطار التطلع لجعل منطقة الشرق الأوسط والخليج منطقة خالية من الأسلحة النووية مع ضمان حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة النووية وتحت إشرافها وتطبيق هذه المعايير على جميع دول المنطقة بدون استثناء بما فيها إسرائيل».

واعتبر وزير الخارجية السعودي أن «برنامج العمل العشري حرص على معالجة التحديات الاقتصادية التي تواجهها أمتنا الإسلامية ووضع الخطط الكفيلة بتحقيق النماء والازدهار في عالمنا الإسلامي حيث ركز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة البينية والاهتمام بالقضايا المتصلة بالعلوم والتقنية والتخفيف من وطأة الفقر والسعي إلى استئصال الأمراض والأوبئة في الدول الأعضاء بالمنظمة.

وفي هذا الصدد، أعلنت المملكة العربية السعودية عن مساهمتها بمبلغ مليار دولار في صندوق مكافحة الفقر في العالم الإسلامي. كما خصص البنك الإسلامي للتنمية مليار دولار من موارده لدعم الصندوق ليصبح إجمالي التعهدات التي تلقاها الصندوق حتى الآن 2.6 مليار دولار. ونحن نتطلع إلى مبادرة الدول الأعضاء للإسهام في دعم الصندوق لمقابلة رأسماله بعشرة مليارات دولار».

وأكد ان «البترول سلعة استراتيجية للاقتصاد العالمي. ويشكل استقرار سوقه أمرا أساسيا لضمان المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء. ومن هذا المنطلق حرصت المملكة العربية السعودية دوماً على تبني سياسة بترولية تستهدف الحفاظ على توازن هذا السوق. وحرصت المملكة على مد جسور الحوار بين المنتجين والمستهلكين عبر منتدى الطاقة العالمي الذي تستضيف الرياض سكرتاريته العامة، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن التقلبات الراهنة التي تشهدها سوق البترول العالمية والارتفاع في أسعار البترول مردها إلى حد كبير المضاربة التي لا علاقة لها بأسس السوق المستقرة». من جانبه، أدان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الهجمات الاسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين وذلك في كلمته امام القمة، وقال بان ان اسرائيل استخدمت «القوة غير المناسبة والمفرطة» في هجماتها المتجددة على المناطق الفلسطينية، ودعا الى وقف فوري لاطلاق النار بين الجانبين.

وللمرة الاولى ارسلت الحكومة الاميركية مبعوثا الى القمة من اجل «تعزيز التفاهم المتبادل بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي».

كما اعلنت بريطانيا انها اوفدت وزير التنمية الدولية شهيد مالك الى السنغال حيث سيشارك في القمة الاسلامية المنعقدة هناك في ما يعتبر اول تمثيل بريطاني في القمة.

وقال الوزير البريطاني «آمل تشجيع الدول الاسلامية الغنية على العمل مع بريطانيا لتحقيق أهدافنا المشتركة في خفض الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي للدول الاكثر فقرا في العالم»، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية.

من جانبه، دعا الرئيس السنغالي عبد الله واد في افتتاح القمة الى وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين والى تجاهل الاستفزازات ضد المسلمين، والى مزيد من التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.

وأضاف واد الذي يتولى منذ انعقاد القمة رئاسة المنظمة، ان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس «طلب مني التدخل من اجل السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين. انا أدعوهم جميعا لوقف اطلاق النار لتمكيني من القيام بوساطة للغرض».

من جهته اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمة في الجلسة الافتتاحية «ان القدس بمقدساتها الاسلامية والمسيحية في خطر (..) بسبب تواصل عمليات التهويد والحفريات التي يجري اخطرها، تحت اساسات المسجد الاقصى»، مضيفا «أن دعم صمود اهلنا في القدس، يتطلب دعما استثنائيا من دول وشعوب امتنا».

وحول الوضع الداخلي الفلسطيني قال عباس «أؤكد لكم اننا نبذل اقصى جهودنا من اجل استعادة وحدتنا، لأنه بدونها لا نستطيع الحصول على حقوقنا».