جثمان محمد شحادة يلتف بعلم حزب الله خلال جنازته في بيت لحم

تأثر بـ«مدرسة آل البيت» خلال وجوده بمرج الزهور عام 1992 وأبقى على تشيعه سرا

محمد شحادة خلال اعتصام لأهالي الأسرى في ساحة المهد في بيت لحم («الشرق الاوسط»)
TT

وحده كان جثمان محمد شحادة، الذي ابتهج وزير الدفاع الاسرائيلي باغتياله، من بين 4 قادة عسكريين في المقاومة قتلهم الاسرائيليون اول من امس في بيت لحم، ملفوفا بعلم حزب الله اللبناني. فالرجل تشيع منذ سنوات طويلة، وتربطه علاقات متقدمة مع الحزب. وكان غير مرة، قد اكد لـ«الشرق الاوسط» قبل ان يقضي، انه تشيع عن قناعة كاملة. وفي وصيته أكد انه ينتمي لأمة «حزب الله» وليس لأي فصيل فلسطيني.

محمد شحادة، 48 عاما كان مثقفا. وفكرة تشيعه بدأت حسب ما قال احد اصدقائه المقربين لـ«الشرق الاوسط» مع إبعاده الى مرج الزهور عام 1992. ويقول صديقه، الذي طلب عدم ذكر اسمه، انه التقى هناك بعناصر حزب الله، وبدأ يتأثر بمدرسة «آل البيت». وكان شحادة ينظر الى تجربة حزب الله بكثير من الاعجاب والتقدير. وكثيرا ما كان يشير الى نجاحات الحزب في معرض انتقاداته للفصائل الفلسطينية. وربما فان هذا اكثر ما كان يجمعه برفيق دربه احمد البلبول احد ابرز قادة كتائب الاقصى في الضفة الغربية الذي قتل معه. فكلاهما كان متأثرا «بنجاحات» حزب الله و«إخفاقات» الفصائل الفلسطينية. وتحدث الرجلان قبل ان توافيهما المنية كثيرا الى «الشرق الاوسط»، ولم يكونا راضيين عن أداء السلطة، ولا الفصائل. ولم يكونا راضيين عن صفقة العفو الاخيرة، التي قيل إن اسرائيل ستوقف ملاحقة مطلوبين بموجبها ضمن اتفاق مع السلطة. لم تدرج اسرائيل اسميهما أبدا في قوائم المعفي عنهم، وكانا على قناعة بانها تريدهما أمواتا لا احياء.

وكان البلبول قد قال لـ«الشرق الاوسط» قبل اغتياله بيوم «لا يريدون التوقف عن ملاحقتنا، أشعر بأني مراقب، لكن بعد تجربتي هذه وعمري هذا (48 عاما ايضا) فلن استسلم ابدا، لن اخرج رافع اليدين». وهو ما كان يؤكده شحادة مرارا.

ترك شحادة حركة فتح في أواخر الثمانينات لأسباب قال انها عقائدية، بينما ظل البلبول ملتزما. وانضم لحركة الجهاد الاسلامي، وقال صديقه إن شحادة ظل يقرأ ويتصل بحزب الله ويستفسر عن قضايا عقائدية، حتى تبنى مذهب «الاثني عشر». وأضاف الصديق «شاهدته يصلي صلاة الشيعة لاول مرة عام 1998». وهي صلاة لا توضع فيها اليدان على الصدر اثناء قراءة الفاتحة، ولا تقرأ فيها التحيات، وانما التشهد فقط، ولا يسلم فيها المصلي يمينا ويسارا في النهاية».

والصديق هو شيعي مثله وأكد ان شحادة كان على علاقات متقدمة مع حزب الله، ويحظى في الحزب باحترام كبير. لكنه نفى ان يكون الحزب قد شكل اي تنظيمات داخل فلسطين. ولم تلق فكرة تشيع شحادة قبولا عند الجهاد الاسلامي التي كان ينتمي اليها، فهاجمته، وغادرها هو كما قال صديقه.

وظل الناس يعتقدون انه يقود سرايا القدس التابعه للجهاد. وعندما تلا مرة بيانا وسط بيت لحم يطالب فيه السلطة (حكومة الوحدة الوطنية انذاك) بالعمل على حماية المطلوبين. سألته: باسم من تتلو البيان، فقال باسم المطاردين، ورفض ان نشير الى أي من الفصائل التي اعتبر انها «لا تحترم ابناءها وتجوعهم وتأكلهم احيانا كثيرة». ومثله كان البلبول يشكو من «الكذب» المتكرر لمسؤولين، قائلا «انهم ينتظرون موتنا». ولم يعلن تشيع شحادة على الملأ. فهو من اسرة سنية، وكذلك من اصدقائه ورفاقه ومجتمعه. وكان يسعى لتجنب اي صدامات مع «متشددين» سنة. لذلك طلب مرة تأجيل كتابة قصة حول تشيعه. وقال «لا أريد مزيدا من النار الآن». وشكا شحادة آنذاك من ان الفصائل الاسلامية الفلسطينية «تحاربه» منذ علمت بتشيعه. لكن صديقه قال انه يحمل الآن أمانة نشر فكرة «آل البيت».

وظهر الصراع جليا بين شحادة وبعض الفصائل الاسلامية اثناء معركة الانتخابات التشريعية الاخيرة، اذ ترشح كمستقل، فشنوا عليه حملة اتهموه فيها بالتشيع، ومهاجمة المذهب السني، وهو ما نفاه لاحقا. مؤكدا انه يختلف مع المذهب السني، لكنه لا يكفره، وهو مذهب اسلامي.

ولم يتشيع شحادة وحده، لكن عددا من رفاقه المطاردين تشيعوا معه، وغيرهم ايضا من الناس العاديين الذين تأثروا بتجربة حزب الله، وتحديدا بعد الحرب الاخيرة على لبنان في صيف 2006. وكان قد اعلن في فلسطين عن مجلس شيعي أعلى، لكنه لم يكتب له الاستمرار. كما ان كثيرا من المتشيعيين عادوا وعدلوا عن ذلك. وأوضح صديق شحادة، ان محبي آل البيت هم كثر، لكن المتشيعين في فلسطين ليسوا كذلك. وكان شحادة يؤمن تماما بالمذهب الشيعي الى حد انه كان يحاول نشر الفكرة.

يقول الصديق إن دموعهما كانت جاهزة دائما للإمام الحسين، كما انهما مع اخرين كانا يصليان، صلاة الحسين (ادعية خاصة بالإمام الحسين). وينظر الفلسطينيون الى حزب الله بكثير من الاحترام اذ يشعرون انه يستطيع تحقيق ما تعجز عنه فصائلهم في مواجهة اسرائيل، لكنهم ايضا ينظرون الى قضية التشيع بكثير من الريبة والشك وعدم القبول. شحادة والبلبول، عاشا صديقين حتى الموت، ولم يتورط سلاحهما ابدا في الفلتان، بل اعطيا المقاومة شكلا آخر. ووحدهما من بين عشرات المطاردين، كانا يشاركان الناس همومهم، واهالي الضحايا مصابهم، واهالي الاسرى مسيراتهم، والصحافيين اعتصاماتهم، ورفعا صورا للصحافي البريطاني الذي كان مختطفا في غزة العام الماضي، ألان جونستون، ويشهد لهم اهالي المدينة بانهم كثيرا ما رفعوا عنهم الظلم.