قادة أوروبا يتجاوزون انقساماتهم حول «الاتحاد من أجل المتوسط» ويقرونه بعد تقليص دوره

الإطلاق الرسمي في يوليو بحضور كافة الأعضاء.. وألمانيا تعبّر عن ارتياحها لتجاوز خطر تقسيم أوروبا

TT

اقر قادة الاتحاد الاوروبي مشروع «الاتحاد من اجل المتوسط» الذي قدمته فرنسا ويهدف الى تعزيز التعاون بين الاتحاد الاوروبي خصوصا مع دول المغرب العربي، وذلك في ختام قمتهم في العاصمة البلجيكية بروكسل أمس. وأعلن يانيش يانسا رئيس وزراء سلوفينيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الاوروبي خلال المؤتمر الصحافي الختامي للقمة، ان القادة ناقشوا المقترح على مدى يومين وجرى تكليف المفوضية الاوروبية بالقيام بدراسة الملف وتقديم مقترحات وتصورات مستقبلية حول هذا المشروع. واكد ان الاتحاد الجديد لن يكون بديلا لمسار برشلونة وانما سيكون مكملا لهذا المسار الذي يجمع دول الاتحاد الاوروبي والشركاء في جنوب المتوسط منذ 1995.

ومن جانبه، قال رئيس المفوضية الاوروبية مانويل باروسو ان المفوضية ستقدم التصورات والمقترحات التي طلبها القادة حول تفعيل هذا المشروع في فترة اقصاها منتصف شهر يوليو (تموز) المقبل حيث تستضيف باريس اجتماعا لقادة الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي ودول جنوب المتوسط.

وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الاوسط» أمس على هامش القمة، ان القادة اكدوا على ضرورة ان يضم «الاتحاد من أجل المتوسط» جميع الدول الاعضاء في المجموعة الاوروبية الموحدة وليس فقط الدول المطلة على المتوسط ولمح الى ان الباب مفتوح للانضمام الى هذا الاتحاد الجديد لكافة الدول المتوسطية والقريبة من الاتحاد الاوروبي ومنها تركيا.  وأشار الى ان انضمام انقره الى الاتحاد الاورومتوسطي لا يمكن ان يكون بديلا لانضمامها الى الاتحاد الاوروبي وهي الان في مفاوضات مع الجانب الاوروبي حول هذا الصدد. وبالرغم من تصريحات رئيس وزراء سلوفينيا «المقللة» من شأن هذا الاتحاد» وإصراره على كونه «لا يتعدى دفعة جديدة في إطار عملية برشلونة»، فان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، صاحب المبادرة، رأى بأن الأمر يعد انتصاراً إضافياً لبلاده كونه يتضمن «تحويل عملية برشلونة إلى اتحاد من أجل المتوسط»، بحسب كلامه في مؤتمر صحافي ببروكسل.وكان يانيسا قد قال ان «الاتحاد من اجل المتوسط» سيحاول اعطاء دفع لعملية برشلونة، موضحا انه لا يهدف الى «دفن العملية بل الى تحديثها». لكنه قلل من مستوى الطموحات السياسية للاتحاد وقال ان «الافكار الجدية المطروحة في المشروع لا تهدف الى ايجاد حل للمشاكل في الشرق الاوسط او للمشاكل بين الاسرائيليين والفلسطينيين اذ ان هناك ادوات اخرى لذلك».

وأصرّ زعماء الاتحاد الاوروبي خلال اليوم الثاني لقمتهم في بروكسل أمس على أن يكون الاسم الرسمي للمشروع هو: «عملية برشلونة: اتحاد من أجل المتوسط». وقالت مصادر دبلوماسية لوكالة الانباء الالمانية إن «هذه الخطوة تهدف الى توضيح أن الاتحاد المتوسطي جزء من عملية برشلونة التي تم توقيعها عام 1995 لتنظيم الحوار المنتظم مع دول البحر المتوسط».

وتقلص المفهوم الاصلي من منتدى دولي يضم فقط دول حوض البحر المتوسط ويتطلب انشاء تسع وكالات جديدة ومصرف، الى مجرد قمة دورية لدول الاتحاد الاوروبي ودول حوض البحر المتوسط مع تشكيل رئاسة مشتركة وأمانة صغيرة.وبعد ادخال التعديلات عليه، أصبح المشروع يتمحور حول سلسلة من المشاريع العملية خصوصا في قطاع البيئة. وتحدث دبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية عن عدة مشاريع مطروحة في اطار «الاتحاد من اجل المتوسط» من بينها معالجة تلوث البحر المتوسط عبر اعادة تأهيل البيئة في حوالي 130 موقعا «ملوثا» تم حصرها في محيط المتوسط، حتى العام 2020.

كما اشار الى مشروع لتحسين وصول المياه الى مجمل منطقة المتوسط عبر سلسلة من المشاريع منها شق اقنية لجر المياه بين البحر الميت والبحر الاحمر او استخدام المياه الجوفية في ليبيا، وتطوير استخدام الطاقة الشمسية في بلاد الجنوب. وصرحت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل بأن الخطة الفرنسية الاصلية كانت ستحدث انقساما وتستهلك أموالا مشتركة لصالح عدد محدود من اعضاء الاتحاد ومستعمراتهم السابقة. ومن جانبه قال الرئيس الفرنسي في بيان صحافي: «لم أفكر قط في استبعاد اي من دول الاتحاد... ولم اعتبره (الاتحاد المتوسطي) قط منافسا للاتحاد الاوروبي». وأقر ساركوزي بأن المفاوضات كانت صعبة لكنه أكد ان العلاقات مع ميركل لم تتأثر بسبب هذه المسألة وانها ما زالت «ممتازة». وأضاف: «نحن نتحادث هاتفيا ونتبادل الرسائل النصية القصيرة».

ورحب جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الاوروبية بالفكرة بعد ان اتضح الان انها ستضم كل دول الاتحاد الاوروبي ولن تقسم أوروبا الى دول الشمال ودول الجنوب. لكن اخرين لم يكونوا على نفس القدر من الحماس.

وقال مستشار النمسا الفريد جوسينباور انه «لا ضرر من الفكرة لكن ما يهمنا هو الا تصبح بمثابة حفل شواء لقلة من الدول الاعضاء». ولمح رئيس وزراء بولندا دونالد تاسك الى انه قد يربط تأييده لتوثيق العلاقات مع دول البحر المتوسط برغبة بلاده في اعطاء جارتها أوكرانيا فرصة للحصول على عضوية الاتحاد في نهاية المطاف. ورأى بعض المراقبين أن «الاتحاد من أجل المتوسط» لن يكون أكثر من مظلة سياسية جديدة للشراكة الاوروبية المتوسطية التي دشنت في مدينة برشلونة الاسبانية عام1995. ولم تسفر عملية التعاون التجاري والثقافي والسياسي هذه سوى عن نتائج مخيبة للامال وأرجع ذلك الى الصراع العربي الاسرائيلي الذي لم يحسم وأيضا الى ان معظم دول البحر المتوسط لديها حكومات شمولية لا تتمتع بشفافية كافية وغير مجهزة لاستيعاب التمويلات الاوروبية.

وستبحث المفوضية الاوروبية ورئاسة الاتحاد في تفاصيل المشروع حتى القمة المقبلة التي ستعقد في 13 يونيو (حزيران) المقبل، وستركز خصوصا على بنى المشروع الذي يهدف الى تعزيز التعاون مع دول حوض المتوسط. ويفترض ان يطلق بحضور كل دول الاتحاد الاوروبي والدول الواقعة جنوب المتوسط، خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي.

وكانت عملية برشلونة تعثرت منذ بداياتها بالخلافات بين الدول العربية واسرائيل. وتشارك فيها حوالي عشر دول من جنوب المتوسط هي الجزائر ومصر واسرائيل والاردن ولبنان والمغرب والاراضي الفلسطينية وسورية وتونس وتركيا. وقد انضمت اليها موريتانيا العام الماضي بينما تتمتع ليبيا بوضع مراقب فيها.