الجنرال بترايوس: لا أحد في الحكومتين الأميركية والعراقية يشعر بتحقيق تقدم كاف

اتهم القادة في بغداد بأنهم لم يستغلوا تراجع العنف لحل خلافاتهم السياسية

عناصر من الشرطة العراقية في حفل تخرجهم في البصرة أمس (إ.ب.أ)
TT

قال الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق، إن القادة العراقيين فشلوا في الاستفادة من تقلص العنف لتحقيق تقدم كاف باتجاه حل خلافاتهم السياسية. وقال بترايوس الذي يتهيأ حاليا لتقديم شهادته أمام الكونغرس الشهر المقبل بما يخص الحرب في العراق في مقابلة جرت معه إنه «لا يوجد شخص» في الحكومتين الأميركية والعراقية «يشعر بتحقق تقدم كاف بأي شكل من الأشكال ضمن مجال المصالحة الوطنية» أو في توفير الخدمات العامة الأولية للمواطنين.

وتبدو تعليقات الجنرال التي جاءت في مقابلة اول من امس، الأقسى حتى الآن بما يخص فشل العراق في تحقيق مصالحة سياسية؛ ففي فبراير (شباط) وبعد صدور قوانين الميزانية والانتخابات الإقليمية والعفو عن محتجزين محددين، كان بترايوس أكثر تفاؤلا. وقال آنذاك: «المصادقة على القوانين الثلاثة أظهرت أن القادة العراقيين يستفيدون الآن من الفرصة التي حاربت من أجلها بضراوة القوات العراقية والاميركية».

وكان بترايوس قد عاد إلى العراق قبل عام لتطبيق استراتيجية مضادة للتمرد مدعومة بصعود مؤقت في عدد القوات الأميركية بـ 30 ألف جندي من أجل تخفيض العنف، بحيث يتمكن القادة العراقيون من المصادقة على قوانين واتخاذ إجراءات أخرى لتخفيف الخلافات الطائفية والسياسية التي تهدد بتفتيت الوطن.

وتمكنت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي من الحصول على مصادقة مجلس النواب العراقي على قوانين اعتبرها مساعدوه أساسية لتحقيق المصالحة، وكسبت هذه المبادرة ثناء الرئيس الاميركي جورج بوش وأنصاره. لكن الحكومة العراقية أجلت أيضا اتخاذ إجراء بخصوص بعض من أهدافها بما فيها تأجيل قوانين تتحكم باستثمار مصادر نفط العراق، سبق لإدارة الرئيس جورج بوش أن شخصتها باعتبارها معايير ضرورية يقاس بواسطتها التقدم صوب المصالحة الوطنية.

ويعرف الكثير من البرلمانيين العراقيين ومسؤولين آخرين بأن النظام السياسي للبلد هو في حالة شلل في غالب الأحيان بفضل الانقسامات الطائفية، لكنهم قالوا أيضا إن التوقعات الأميركية محكومة بالاعتبارات القائمة في واشنطن ولا تعكس المشاكل المعقدة القائمة في العراق. من جانبه، أصر بترايوس على أن القادة العراقيين ما زالوا يمتلكون الفرصة للقيام بعمل ما. وأضاف: «نحن سنحارب بضراوة» للحفاظ على المكتسبات التي تحققت في مجال الأمن «وحيثما نتمكن من المحاولة والبناء فوق ما تحقق». وإذا كان العنف قد تقلص بشكل كبير منذ أواخر عام 2006 حينما كان يقتل الآلاف كل شهر، فإن بيانات الجيش الأميركي أظهرت أن الهجمات على الوحدات الأميركية والمدنيين العراقيين قد بدأت ترتفع قليلا منذ بداية عام 2008. وقال بترايوس: «لا أستطيع أن أرى زيادة في عددها، لكن ما تراه هو هجمات مثيرة للانتباه، هذا أمر لا شك فيه».

وقال بترايوس إن هناك عدة عوامل وراء زيادة العنف في الفترة الأخيرة بما فيها زيادة العمليات التي تقوم بها الوحدات الأميركية والعراقية ضد المتمردين في مدينة الموصل الشمالية التي أصبحت أكثر المدن العراقية خطورة مع مساعي المتمردين لإعادة إقامة بعض من مخابئهم في بغداد. ولم يستبعد بترايوس والقادة العسكريون الأميركيون ان يكون للتصعيد الأخير علاقة بشهادته المرتقبة أمام الكونغرس.

وامتدح بترايوس دوريات المناطق ذات الأغلبية السنية التي ينظمها ما عرف عنها باسم قوات الصحوة ووقف إطلاق النار من قبل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، حيث ساعد هذان العاملان على خفض نسبة العنف. وهناك ضمن مجموعات المقاتلين في قوات الصحوة عدد من المتمردين السابقين الذين قالوا إنهم انقلبوا ضد تنظيم القاعدة في العراق. وتدفع الولايات المتحدة الآن رواتب لـ 88 ألف عضو من قوات الصحوة مبلغ 300 دينار في الشهر للمشاركة في دوريات الأحياء السكنية.

وسبق للصدر أن أعلن عن وقف إطلاق النار في أغسطس (آب) 2007 ثم بادر إلى تجديده سعيا وراء زيادة سيطرته على ميليشيا جيش المهدي وطرد المقاتلين المارقين. وأصبح القادة العسكريون الأميركيون الذين كانوا يعتبرون الصدر وقواته باعتبارهم أعداء يتكلمون الآن بشكل مختلف عن رجل الدين الذي ظل مصرا على ضرورة انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق.

واعترف بترايوس أن هناك عناصر من حركة الصحوة وميليشيا جيش المهدي ينسحبون الآن من أجل الاستعداد لليوم الذي يتضاءل فيه الوجود الأميركي في العراق. وقال بترايوس عن أعضاء جيش المهدي: «قد يبقي بعضهم على أسلحته، ومن الواضح أنك يجب أن تتوقع حدوث شيء كهذا».

لكن بترايوس أكد على أن المقاتلين السنة في غرب محافظة الأنبار والذين انضموا إلى حركة الصحوة «ينتظرون الفرصة القادمة» لا الحرب القادمة. وأضاف: «ما يريدونه هو أن يكونوا مرتبطين بشكل أقوى ببغداد كي يستمروا في الاستفادة من عوائد النفط الكبيرة التي تصب في هذا البلد». وقال بترايوس إنه والسفير الأميركي في العراق رايان كروكر ظلا يكرران القول إن «على العراقيين أن يستفيدوا من الفرص التي قاتلنا نحن ونظراؤنا العراقيون بضراوة من أجل توفيرها».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)