إيرانيون متعبون من الاقتصاد يختارون مرشحين مختلطين

محافظون يصوتون لقائمة أحمدي نجاد «للرد على أميركا»

TT

* في «حسينية ارشاد» وهي مسجد قديم يقع وسط طهران، ويعد المركز الآيديولوجي للثورة الإيرانية، إذ منه عرف الإيرانيون أفكار الثورة من منظرها علي شريعتي حتى قبل اطاحة الشاه، اصطفت عشرات النساء في انتظار التصويت في انتخابات البرلمان، بعضهن بالمناطو (أو البالطو) لكن أغلبهن بالتشادور. هؤلاء اللواتي بالتشادور أتين بشكل جماعي. سيدة جاءت مع ابنتها وحفيدتها، وأخرى جاءت مع جارتها وزميلاتها في العمل. حميدة مروج، وهي في العقد السابع من عمرها وتتكئ على كتف ابنتها قالت لـ«الشرق الأوسط» وهي تلملم التشادور حول وجهها «جئت بناء على أوامر الإمام، فهو رمز الإسلام والشهداء والذين اصيبوا في الحرب (العراقية ـ الإيرانية).. أنا أم شهيد، وابني الآخر كان في الحرس الثوري وجرح في الحرب. جئت مع النساء اللواتي تتبعن خط الإمام الخميني».

حميدة مروج تصوت في الانتخابات بشكل منتظم، والمحافظون هم التيار السياسي الذي ترى انه يستحق الفوز، والذي صوتت له أمس وتصوت له دائما. وتوضح مروج لماذا: «لأنهم يخدمون الإسلام. لأنهم يخدموننا. يقفون أمام أميركا ولا يكترثون بها. أريد ان تعرف أميركا اننا في إيران لن نخدع بالدعاية السلبية». ولا تبدي مروج اهتماما كبيرا بما يقال حول الأداء الاقتصادي لحكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، ولم ترد الحديث حول الوضع الاقتصادي، موضحة: «انظروا إلى ما حققه لإيران في البرنامج النووي». وإذا كان الاقتصاد هو أحد القضايا الأساسية التي سيصوت الإيرانيون على أساسها، إلا أنه ليس القضية الوحيدة. فالبرنامج النووي الإيراني وطريقة إدارة العلاقة مع أميركا من ضمن القضايا المؤثرة. فبعض الإيرانيين، خاصة من التيار المحافظ، يؤيدون اللهجة المتحدية التي يستخدمها الرئيس الإيراني في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني والعلاقة مع الغرب عموما وأميركا خصوصا. وعزز من موقع أحمدي نجاد أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أثنى على أدائه، فيما انتقدت صحيفة «كيهان» المحافظة بعنف الإصلاحيين الذين يدعون للتفاهم مع الغرب. هذا كله لعب في صالح الرئيس الإيراني. لكن رغم كل شيء لا يمكن التنبؤ باتجاه التصويت. فالايرانيون (44 مليونا لهم حق التصويت في 50 ألف مركز اقتراع حول البلاد) لا يصوتون بالضرورة على أساس حزبي، والكثير منهم قد يصوت لمرشحين محافظين وإصلاحيين في نفس القائمة. وتوضح سهيلا رستمي وهي معلمة إيرانية كانت تملأ بطاقتها في الجانب المخصص للنساء بحسينية ارشاد لـ«الشرق الأوسط»: «سأصوت للمرشحين المؤهلين الذين يعرفون احتياجات الناس. أغلب الإيرانيين لا يصوتون لأحزاب، بل لأشخاص يعرفونهم ويعرفون خلفيتهم وبرامجهم. أنا مثلا أدعم جماعة معينة، لكنني لن أصوت لكل المرشحين في قائمتها. فهناك مرشحون على قائمة الأصوليين سأصوت لهم، وهناك إصلاحيون سأصوت لهم (في قائمة نواب طهران التي تضم 30 نائبا). نتائج الانتخابات تظهر ان الإيرانيين لا يصوتون للقوائم الحزبية، بل للبرامج والشخصيات».

ومثل سهيلا رستمي سيصوت سعيد، 19 عاما، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «سأصوت لمن يخدم البلد والناس. شخصيا اخترت مرشحين صغار السن ومتعلمين بشكل جيد. أغلب من سأصوت لهم من المحافظين. لكنني سأصوت لبعض الإصلاحيين أيضا. نظرت إلى كل القوائم الموجودة وقمت ببحث حول كل مرشح واخترت قائمة من الطرفين للعمل من أجل البلد. فنحن لدينا أفضل بلد والبرنامج النووي حقنا الشرعي». التركيز على الاقتصاد كان سببا في فوز الرئيس الإيراني والمحافظين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية، فهم رفعوا شعارات شعبية من بينها «جلب أموال النفط الى مائدة كل إيراني». وهذا عينه ما يتقدم به المحافظون في هذه الانتخابات أيضا. وهذا ما أدى إلى انضمام مؤيدين جدد لهم. مريم محمدي، 19 عاما، طالبة في احدى الجامعات الإيرانية أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، لماذا تصوت لأحمدي نجاد اليوم، بينما صوتت لمرشح آخر خلال انتخابات الرئاسة عام 2005، «أصوت لاظهر تأييدي لبلدي وللرئيس. وجودي هنا رد على القوى الأجنبية التي تعتقد أننا سنترك بلادنا خلال المواجهة. هذا لن يحدث. لم أختر أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة لأنني لم أكن أعرفه، واخترت مرشحا آخر. لكنني اليوم أعرفه وأصوت له». الرسالة التي حرص المحافظون على تكرارها طوال الأيام الماضية هي أن التصويت في الانتخابات «واجب ديني لتوجيه رسالة إلى الغرب حول التماسك الداخلي» في ايران. ولعب رجال الدين في قم دورا بارزا في هذا، ومن بينهم آية الله مكارم شيرازي وآية الله أردبيلي وآية الله كلبياكاني الذين ظهروا كلهم في التلفزيون الإيراني يحضون الناخبين على التصويت. كما أذاع التلفزيون لقطات تلفزيونية قديمة لقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني يتحدث فيها عن الديمقراطية في الدستور الإيراني وضرورة حماية هذا عبر «التصدي لمؤمرات الأعداء» بالتصويت. أما المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فقال عند ادلائه بصوته أمس «انها لحظة حساسة بالنسبة إلى وطننا وأمتنا. الانتخابات هي لحظة تحدد مصير الأمة». ونقلت عنه الصحف الإيرانية قوله إن الناخبين يجب أن يعطوا أصواتهم «لمن يمهد الطريق أمام الحكومة الحالية وهي حكومة نشيطة ومستعدة لخدمة الشعب». هذه الكلمات نقلت أمس في رسائل نصية على هواتف الجوال في إيران، لتشجيع الناس على التصويت للحكومة إذا كانوا مترددين بسبب المشاكل الاقتصادية. المؤشرات الأولى لا تظهر أن هذه المشاكل الاقتصادية سيكون لها تأثير كبير على حظوظ المحافظين في مواصلة سيطرتهم على البرلمان، لكن بالمقابل الكثير من الذين قالوا إنهم سيصوتون للمحافظين أو لقائمة أحمدي نجاد قالوا أيضا إنهم يريدون أن تتخذ الحكومة اجراءات حقيقية لخفض الأسعار والتضخم والبطالة. وإذا لم يحدث هذا خلال عام، فإن أحمدي نجاد قد يواجه صعوبات خلال حملته لاعادة انتخابه. حسين جانبخش، في العقد الخامس من العمر، قال إنه أتى من أميركا للتصويت للمحافظين، موضحا لـ«الشرق الأوسط» ما الذي يريده من المحافظين إذا ما فازوا في الانتخابات: «هناك الكثير من التغييرات الايجابية التي حدثت. بالطبع هناك تضخم ومشاكل اقتصادية، وعلى حكومة أحمدي نجاد أن تواصل تركيزها لحل المشاكل الاقتصادية، وتحسين علاقة إيران بالخارج». وفي مسجد الجواد بوسط طهران اصطف العشرات للتصويت، بينهم عدد كبير من كبار السن، حيث جرت عملية الاقتراع في مكتبة تابعة للمسجد. كان هناك رجل ربما في العقد الثامن من العمر، بالكاد يستطيع الكلام، يتكئ على يد زوجته كلجهره اقاي عليزاده. قالت عليزاده إنها صوتت للمحافظين «لأنني أعرفهم وأحبهم. إنهم يحاولون بشدة مساعدة الناس، وقد تحسنت أحوالنا في كل المجالات». عملية التصويت طويلة وليست سهلة، خاصة على كبار السن، إذ يستهلك الناخبون وقتا للقيام بواجبهم الانتخابي، لأن عليهم اختيار ثلاثين اسما واعادة كتابتها على ورقة يسقطونها في صندوق الاقتراع، من بين أكثر من ثمانمائة مرشح. وكانت السلطات الإيرانية قد دعتهم لأن يكتبوا مسبقا لائحة مرشحيهم. والتزم البعض بالنصيحة، فكتبوا الأسماء قبل الحضور إلى مركز الاقتراع ليتمكنوا من نقلها سريعا، واستعان بعضهم برسائل قصيرة ارسلتها الاحزاب الرئيسية عبر الهواتف الجوالة، إذ على الناخب أن يختار مرشحيه، ثم يملأ ورقة الاقتراع بأسمائهم، وعليه أيضا أن يضع قرب كل اسم الرمز الخاص به. فاطمة زاهدي من هؤلاء الذين استغرقوا وقتا طويلا، لكنها قالت إنها أدت واجبها وصوتت لرجال الدين فقط في القوائم المتنافسة، موضحة لـ«الشرق الأوسط»: «أثق في رجال الدين وأصوت لهم فقط».