إيران.. طبق «شوربة عدس»

الممتنعون عن التصويت يلومون الإصلاحيين والمحافظين معا.. ويقولون: الانتخابات ليست «سيزده به در»

TT

* «إيران مثل طبق شوربة عدس»، قال أحمد، وهو سائق تاكسي إيراني ،60 عاما، موضحا أسباب عدم تصويته في الانتخابات البرلمانية. أحمد الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بالكامل لا يهتم بالإيدولوجيات، وفي المرات السابقة التي صوت فيها في أي انتخابات، سواء الرئاسية أو البرلمان أو المجالس البلدية، كان يصوت بناء على اعتقاده أن هذا الحزب أو ذاك قادر على تقديم خدمات أفضل وعلى تحسين مستويات المعيشة. المشكلة في هذه الانتخابات، كما يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط» هي أنه لا يعرف أي الأحزاب أو التجمعات السياسية لديه أفضل البرامج والأفكار لحل مشاكل الاقتصاد الإيراني. ولأنه لا يصوت على أساس الانتماء السياسي، فإنه لن يصوت في هذه الانتخابات. ويشرح أحمد، وهو جد، انه مازال مضطرا بعد بلوغه سن المعاش للعمل للانفاق على أسرته، وسبب حيرته: «حكومة أحمدي نجاد والبرلمان فعلا بعض الأشياء، وهما مازالا في منتصف الطريق. الآن في إيران تضخم ومشاكل اقتصادية، لكن لأن هذه الحكومة مازالت في منتصف برنامجها الاقتصادي، فربما يكون من الأفضل أن تواصل برنامجها كاملا ثم نحكم عليها في النهاية. خاتمي استمر ثماني سنوات، وأحمدي نجاد في منتصف الطريق. لكن من ناحية أخرى ليس هناك ضمان بأن استمرار أحمدي نجاد في تطبيق برنامجه الاقتصادي سيؤدي في النهاية إلى الحد من التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار. بمعني آخر: هل المشاكل الاقتصادية التي نعاني منها اليوم هي مجرد رد فعل مؤقت على التغييرات الاقتصادية التي ادخلها احمدي نجاد، وانه فقط يحتاج إلى وقت لكي تظهر النتائج الايجابية لخططه، وبالتالي التصويت للاصلاحيين قد يعني البدء من الصفر، وربما متاعب اقتصادية أكبر؟ وهل إذا صوت للاصلاحيين ستتحسن أحوال الاقتصاد.. حقيقة لا أعرف». أحمد لا يريد أن يكون قاسيا في حكمه على حكومة أحمدي نجاد، موضحا أن ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية وأن خطط الرئيس الإيراني الاقتصادية تختلف كثيرا عن سلفه محمد خاتمي، خصوصا أن حكومته تميل إلى التدخل أكثر في إدارة الاقتصاد بل وحتى ادارة البنوك، كما انها تتبع سياسات شعبوية تمثلت في زيادة المرتبات وتقليل الفوائد على القروض للمواطنين مما جعل الميزانية تعاني من العجز. ويشبه أحمد حكومة نجاد بشخص يبدأ من الصفر، موضحا أن حكومته كانت أمام خيارين إما أن يجمل المبني القديم من الخارج، واما أن يهدمه ويبنيه من جديد، مشيرا إلى أن الحكومة اختارت الخيار الثاني وانها بالتالي تفعل كل شيء من الصفر. لكن هذه الخلطة الاقتصادية للحكومة والتي افرزت مشاكل لم يكن يتصورها أي من الذين صوتوا للمحافظين في انتخابات الرئاسة والبرلمان الماضيين، أدت إلى متاعب كبيرة لأحمد خلال العام الماضي. فهو يقول إن معاشه الشهري يبلغ 300 ألف تومان (نحو 300 دولار)، فيما ايجار منزله وحده 500 ألف تومان (500 دولار)، مشيرا إلى أن عمله كسائق الآن لا يساعده كثيرا في تحسين مستوى معيشته. فمن أجرته كسائق تاكسي عليه أن يدفع قسط السيارة التي اشتراها بقرض يبلغ 5 ملايين تومان (5 آلاف دولار) من أحد البنوك بنسبة فائدة تبلغ 18%، وعليه أن يدفع غرامات الطرق وتصليح ما يعطل في السيارة وشراء البنزين. لكن أحمد ليس يائسا ويميل إلى الصبر لقطف ثمار التغييرات الاقتصادية، ويوضح: «إيران مثل طبق شوربة العدس. إذا ذقت الشوربة قبل نضج كل حبات العدس، لن تستطعم بما تأكل، يجب أن تنتظر حتى تنضج كل الحبات. أنا لا أنتقد الوضع.. لكنني لست راضيا». البعض الآخر ممن لن يصوتوا في الانتخابات لن يصوتوا ليس لأنهم «متحيرون» مثل أحمد، بل لأنهم «غاضبون» من الاصلاحيين والمحافظين معا، ولا يريدون أن يقدموا أي دعم لأي منهما بسبب الاحباط. روح الله، وهو شاب في العشرينات من عمره، واحد من هؤلاء، فهو متعلم ولديه وجهة نظر ويعرف المرشحين لكنه لا يريد انتخاب أي منهم، ويوضح ضاحكا لـ«الشرق الأوسط»: «يواصلون حثنا على الخروج للتصويت. هل نحن في يوم سيزده به در؟». وسيزده به در (تعني حرفيا: لابد أن يمضي اليوم الـ13) هو أحد الأعياد الهامة في إيران، وهو يأتي في اليوم الثالث عشر بعد يوم النوروز، ففي هذا اليوم يجب على الجميع بلا استثناء مغادرة منازلهم والبقاء اليوم كله في الخارج لأن البقاء في المنزل في اليوم الـ13 بعد النوروز يجلب الشؤم كما يعتقد الإيرانيون. ويشاركه احباطه شاب آخر في مطلع الثلاثينات، لا يريد الكشف عن هويته موضحا «الاصلاحيون والمحافظون يريدون صوتي ليقولوا للعالم: أنظر إلى نسبة المشاركة. لكن هل يهتم أحد بما أريده فعلا؟ لهذا لن أصوت. لن أعطي صوتي لأحد ليتباهى به». في كل شوارع طهران انتشرت لافتات تحض على التصويت وأكثرها شيوعا لافتة عليها صورة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي مكتوب عليها «انتخابات تجلي مردم سالاري أست» أي الانتخابات دليل الديمقراطية. لكن البعض لا يتفق مع هذا، ويرى ان عملية تصفية المرشحين التي بها قام مجلس صيانة الدستور لا تتفق مع مبادئ الديمقراطية. وفي هذا الصدد قال مهندس معماري إيراني في العقد الثالث من عمره لـ«الشرق الأوسط»: «لن أصوت في الانتخابات. المرشحون الذين ينافسون مروا بعملية تصفية، وليس بينهم مرشح واحد أفضله».

عملية تصفية المرشحين أضرت بالاصلاحيين الذين يعولون اليوم على نسبة مشاركة عالية للعودة بقوة إلى البرلمان ومزاحمة المحافظين عليه وعلى الرئاسة بعد عام. لكن المشكلة أن القاعدة الشعبية للاصلاحيين أكثر احباطا من القاعدة الشعبية للمحافظين، مما يعني أنهم قد لا يتوجهون بالكثافة اللازمة لمساعدة الاصلاحيين. ففي إيران مازال لدى البعض فكرة «للانتخابات نفسها». ويوضح ضاجيك، وهو إيراني في العقد الرابع من العمر لـ«الشرق الأوسط»: «إذا لم يكن لك مصلحة معينة لا تذهب للانتخابات. هؤلاء الذين ينتخبون إما موظفون حكوميون أو متطوعون في الباسيج. فالموظفون الحكوميون والباسيج لا تتم ترقيتهم في مناصبهم إلا إذا كانوا مواظبين على المشاركة في الانتخابات. إن لم تكن واحدا من هؤلاء قد لا تصوت إذا لم تكن لك مصلحة. أنا لم اصوت لأحمدي نجاد، لكن الأغلبية صوتت له. أنا أحب خاتمي، لكن ماذا سيفعل صوتي أو صوت عشرات أو مئات مثلي؟».

في منطقة «هفت تير» بوسط طهران، وهي منطقة تجارية، كانت مقرات الاقتراع مزدحمة، لكن الشوارع كانت مزدحمة أكثر، فالأسبوع المقبل يحتفل الإيرانيون بالنوروز. العشرات من الشباب صغيري السن اصطفوا ببضائعهم على الرصيف، يحاولون بيع ما لديهم. وفيما اكد بائعان، قالا إن اسميهما محمد ودميد، انهما سيصوتان للمحافظين لأنهما معجبان بطريقة تفكيرهم وسياساتهم، قال بائع آخر وهو مشغول بإقناع احدى السيدات بشراء ايشارب للشعر: «لن أصوت.. هل هناك شيء سيتغير؟».