باريس: ساركوزي يبعد الناطق باسمه واليسار ينقض على معاقل اليمين في الانتخابات

TT

ينتظر أن يعلن قصر الأليزيه قريبا انتهاء مهمة دافيد مارتينون، الناطق باسم الرئاسة الذي كان يعد، الى أمد قريب، أحد الرموز الشابة والصاعدة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي.

ومنذ مايو (أيار) الماضي، أصبح مارتينون وجها أليفا بالنسبة للفرنسيين في وظيفته الجديدة. ومن أجل إبراز توجهات الرئاسة الجديدة في حقل الإعلام و«حجمها المتعاظم»، تقرر أن يعقد الناطق باسم الأليزيه مؤتمرا صحافيا أسبوعيا، ظهر كل يوم خميس، يكون فرصة لشرح سياسة ساركوزي الداخلية والخارجية. وكانت إحدى شبكات التلفزة تؤمن نقلا ماشرا له. وقتها، فهم الكثيرون أن الأليزيه قرر أن «يمسك» بالإعلام الحكومي بحيث تكون له اليد الطولى في هذا الحقل ما يتناسب مع «الصيغة» الجديدة للعهد حيث الرئاسة تطغى على ما عداها بما في ذلك على رئاسة الحكومة.

ومنذ الأيام والأسابيع الأولى بدأت الانتقادات توجه للأسلوب الجديد للأليزيه في الحقل الإعلامي خصوصا أن مارتينون وأيضا سكرتير الرئاسة كلود غيان والمستشار الخاص هنري غينو لم يوفروا لا الحكومة ولا رئيسها من انتقاداتهم ما أوجد حالة من التوتر الدائم بين القصر الرئاسي والحكومي وبين المستشارين والوزراء و رئيسهم. و بالإضافة الى أن مارتينون البالغ من العمر 36 عاما كان يمثل «الجيل الصاعد» من مساعدي الرئيس، إلا أنه كان أيضا مقربا من سيسيليا ساركوزي، زوجة الرئيس السابقة التي كانت وراء تعيينه ناطقا باسم الرئاسة كما كانت وراء تعيينه مرشحا عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (الحزب الرئاسي) لرئاسة بلدية نويي سور سين، مدينة ساركوزي والمنصة التي انطلق منها سياسيا. غير أن طلاق الرئيس من سيسيليا، زوجته الثانية، ثم زواجه من عارضة الأزياء الإيطالية كارلا بروني، أوجدا وضعا جديدا في الأليزيه على حساب المقربين من سيسيليا وبينهم مارتينون. لكن ما أصاب من مارتينون مقتلا هو كيفية انسحابه من السباق الانتخابي في نويي حيث فرضه ساركوزي شخصيا على محاربي اليمين ومناصريه رغم افتقاره لأية تجربة سياسية وانتخابية ولعدم معرفته بالمدينة المذكورة التي لا يقيم فيها. وسريعا ما تبين ل مارتينون أنه «ليس جاهزا» لهذه المهمة رغم الدعم الذي لقيه بداية من جان ساركوزي، النجل الثاني لرئيس الجمهورية. لكن جان ساركوزي لم يلبث أن تخلى عن مارتينون في ما يشبه انقلابا في التحالفات ما حفز الناطق باسم الأليزيه على الانسحاب من السباق لأنه اعتبر أن رئيس الجمهورية قد تخلى عنه. لكن انسحابه لم يضع حدا للتنافس بين لائحتين يمينيتين ما يشكل إرباكا لساركوزي من جهة وفشلا للحزب الرئاسي في التوفيق بين لائحتين متنافستين من المعسكر نفسه.

وخلال الأشهر العشرة التي قضاها مارتينون في الأليزيه عانى الكثير من مزاج ساركوزي الذي لم يكن يتردد في انتقاده علنا وأحيانا أمام كاميرات التلفزة مثلما حصل قبل اشهر عند تسجيل مقابلة مع تلفزيون أميركي. لكن مارتينون لا يذهب خالي الوفاض. فالمعلومات الصحافية المتداولة في باريس تفيد أنه سيعين قنصلا عاما لفرنسا في نيويورك وهو منصب ممتاز قياسا لعمره. وكان مارتينون وهو دبلوماسي قد عمل في الخارجية قبل أن يلتحق بساركوزي في العام 2002 في وزارة الداخلية ويتبعه الى وزارة الاقتصاد فالداخلية مجددا ثم الى رئاسة الجمهورية. وخلال الحملة الإنتخابية شغل منصب مدير مكتبه ما يعكس قربه من المرشح الرئاسي وقتها.

ويندرج إبعاد مارتينون في إطار التدابير التي سيعتمدها الرئيس الفرنسي عقب النتائج السليبة التي حققها اليمين في الانتخابات البلدية التي جرت دورتها الثانية أمس الأحد. كانت الدورة الأولى قد أظهرت تفوقا لليسار والإشتراكيين على وجه الخصوص على لوائح اليمين. وعلى المستوى الوطني، حصل اليسار على 47 بالمائة من الأصوات مقابل 45 بالمائة لليمين. لكن الأهم من الأرقام أن اليسار اثبت أنه «موجود» بعد عشرة أشهر فقط على الهزيمة التي ألحقها ساركوزي بمرشحته الرئاسية سيغولين رويال. وسعى اليمين الى تحويل الإنتخابات البلدية (المحلية) الى استفتاء حول كيفية ممارسة ساركوزي السلطة وحول سياسته والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي قام بها ناهيك عن عرض حياته الخاصة على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد. وبالمقابل، حرص اليمين على التركيز على المسائل المحلية وإدارة البلديات وخلاف ذلك. غير أن ساركوزي قال إنه «سيستخلص العبر» من نتائج الإستفتاء من غير التخلي عن برنامجه الإصلاحي.