مسؤولون عسكريون أميركيون: إيرادات النفط تغذي التمرد في العراق

أحدهم وصف مصفاة بيجي بـ«البقرة الحلوب» بالنسبة للمسلحين

جندي أميركي يخبز فيما تراقبه نساء في قرية جنوب بغداد أمس (أ.ب)
TT

قد تكون مصفاة بيجي، بأبراج التقطير التي تنتصب مقابل جبال حمرين، الموقع الصناعي الأكثر أهمية في المناطق التي يهيمن عليها السنة في العراق. وفي يوم اعتيادي تغادر 500 من شاحنات نقل النفط المصفاة مليئة بالوقود الذي تبلغ قيمته 10 ملايين دولار.

ومن المفترض أن يعيد بحر النفط الذي يقوم عليه العراق بناء البلد، ثم يحقق له الرخاء. ولكن الثلثين، على الأقل، وربما أكثر، من الوقود من أكبر مصفاة في العراق هنا يحول الى السوق السوداء وفقا لمسؤولين عسكريين اميركيين. ويجري الاستيلاء على الشاحنات ورشوة السواق وتزوير الأوراق واستغلال المقاييس، وتذهب بعض الايرادات الى متمردين ما زالوا يقتلون أكثر من 100 عراقي أسبوعيا. وقال الكابتن جو دا سيلفا الذي يقود عددا من الوحدات في المصفاة «انها مصدر أموال التمرد».

والحقيقة ان المال يعتبر، أكثر بكثير من الآيديولوجية الجهادية، دافعا حاسما لأغلبية المتمردين. لكن التركيز على المال هو نقطة ضعف التمرد مثلما هو نقطة قوته، وأحد الأسباب التي يمكن من خلالها تغيير الولاءات. وفي الوقت الحالي هناك ما لا يقل عن 91 ألف عراقي، كان كثير منهم من الأعداء السابقين للقوات الأميركية، يتلقون رواتب اميركية شهرية مقابل عملهم في ميليشيات الأحياء. والفساد الذي يوفر الأموال للتمرد يصعب حصره في مصفاة بيجي؛ ففي الموصل، على سبيل المثال، حصل المتمردون على أرباح من مصانع الصودا والاسمنت، وفقا لما قاله ضباط أميركيون. كما أن المتمردين في الموصل يحصلون على الأموال من عمليات الاختطاف والفدية وبأخذ نسبة تتراوح بين خمسة الى 20 في المائة من قيمة العقود التي يحصل عليها رجال الأعمال المحليون من الحكومة، وفقا لما قاله خسرو كوران نائب محافظ نينوى.

كما قدر مسؤول عسكري مطلع على دراسات حول التمرد، أن نصف الأموال التي تصل الى التمرد تأتي من خارج العراق؛ وهو تدفق لا يبدو أنه تقلص في السنوات الأخيرة.

وقبل غزو العراق كانت هناك ثماني محطات لتعبئة البنزين في المنطقة المحيطة بالشرقاط، التي تبعد ساعة الى الشمال من المصفاة، وتقع شمال محافظة صلاح الدين. أما الآن فهناك ما يزيد على 50 محطة. هل هذا نمو اقتصادي ؟ ليس على وجه التحديد. انها واحدة من الوسائل التي تغذي عناصر السوق السوداء بالمال. وقال طه محمد أحمد، المسؤول عن توزيع الوقود في صلاح الدين، ان «الوقود لا يذهب الى المحطات وانما الى السوق السوداء». وغالبا ما تقام محطات الغاز للحصول على حقوق شحن الوقود، بأسعار مدعومة حكوميا، يمكن أن يعاد بيعها في السوق السوداء بأسعار أعلى. وقال العقيد محسن عواد حبيب مدير الشرطة في السنية قرب بيجي، ان هناك مسؤولين مرتشين في المحافظة وفي بغداد. وقال ان اصحاب محطات الغاز أبلغوه بأنهم يدفعون رشاوى قيمتها 20 ألف دولار الى مسؤول في وزارة النفط ببغداد من أجل المصادقة على أوراقهم. ثم يحصل المسؤولون المحليون على حصتهم. وقال انه «في كل محطة تجد مسؤولين عراقيين كبارا لديهم حصصهم».

وفي بيجي يستفيد العشرات من جماعات المتمردين النشطة من الفساد في المصفاة، وفقا لما قاله الملازم علي شاكر، آمر وحدة الشرطة العراقية شبه العسكرية هنا. وقال ان جماعات المتمردين الأكثر تشددا آيديولوجيا لديها الكثير من المال لدفع مخصصات المقاتلين الآخرين.

وقال إن الخطة الأخرى ترتبط بشركة نقل يملكها رجل ذو صلة بالتمرد وهو قريب لمسؤول بلدي. وتأخذ الشاحنات الوقود من المصفاة ولكنها تفرغ جنوب تكريت. وقال ان الاعتقالات ستكون إضاعة للوقت لأن المسؤولين المحليين سيساعدون مرتكبي العمليات على الهرب.

ويواجه المسؤولون الاميركيون والعراقيون معضلة في تحديد الارقام الحقيقية لأرباح المتمردين من نشاطات التمويل الداخلية؛ ففي الماضي قدر المسؤولون العراقيون ان المتمردين يحصلون على ما يصل الى نصف كل الارباح الناجمة من تهريب النفط. وقبل زيادة عدد القوات الاميركية قبل عام، اشار تقرير اميركي الى ان المتمردين يحصلون على 200 مليون دولار سنويا.

كما ان عمليات السرقة ليست وقفا على المتمردين بل ان الارباح غير المشروعة من مصفاة بيجي تصل الى العصابات الاجرامية والقبائل والشرطة العراقية وأعضاء المجالس المحلية والمسؤولين الاقليميين الذين يهربون النفط. وقال برهم صالح نائب رئيس الوزراء، انه يعتقد أن الاموال المتوفرة للمتمردين عبر العراق قد انخفضت في العام الماضي، إلا انه رفض تحديد الارقام بنفسه. وقال ان محللي قطاع الامن العراقي يقدرون ان «القاعدة في بلاد الرافدين» يحصلون على ما يتراوح بين 50 ألفا ومائة الف دولار يوميا من العمليات المتعلقة بمصفاة بيجي. وذكر «هذه مشكلة خطيرة». ويبدو ان المتمردين يفهمون قيمة مصفاة بيجي بالنسبة لعملياتهم. وأوضح اللفتنانت ترنت تيغ الذي يقود الفصيل الثالث في وحدة الكابتن دا سيلفا، وهي مقر الكتيبة الاولى مشاة، «ان المتمردين لم يهاجموا المصفاة على الاطلاق، لأنهم لا يريدون إلحاق الضرر بالبقرة الحلوب».

وبدلا من ذلك عندما يريد المتمردون ارسال رسالة غاضبة الى شخص في المصفاة، يهاجمون الاحياء التي يعيش فيها عمال النفط. كما ان لديهم عملاء في الداخل، وهم نفس الاشخاص الذين من المفروض أن يحدوا من نفوذ المتمردين. ففي شهر فبراير (شباط) اعتقلت القوات الاميركية غالب علي حامد، رئيس الاستخبارات والشؤون الداخلية في قوات حماية المنشآت في المصفاة، للشك في حصوله على حصة من ارباح النفط وعلاقته بالمتمردين.

كما انه أصدر تحذيرا الى واحد من رؤسائه في المصفاة «اذا ما كنت ستعمل هنا، فيجب ان تكون على علاقة صداقة ودية مع الدولة الاسلامية في العراق»؛ في اشارة الى جماعة مرتبطة بـ«القاعدة في بلاد الرافدين».

وتجدر الاشارة الى ان أسعار النفط في السوق السوداء وهامش الربح قد انخفض في الآونة الاخيرة، فيمكن ان ترتفع مرة أخرى، ولا سيما اذا ما انخفض انتاج المصفاة. ويشعر الكابتن ستفن رايت الذي يعمل في المصفاة مع الكابتين دا سيلفا بالقلق من احتمال وجود مشاكل غير مرئية مثل المشاكل التي تعرضت اليها وحدة غاز البروبان في شهر يونيو (حزيران) الماضي. وأوضح «اذا ما حدث أي شيء لهذه المصفاة بسبب الاهمال، فلن يوجد نفط في 8 محافظات. وسيصبح لدينا 6 آلاف سني بلا عمل». ويشير عدد من المسؤولين الاميركيين والسياسيين الى ان المتمردين السنة لديهم علاقات قوية مع شبكات «القاعدة» الموالية لأسامة بن لادن في دول اخرى. ولا تزال «القاعدة في بلاد الرافدين» وعضويتها من العراقيين ولكن قيادتها أجنبية، ممولة تمويلا جيدا وقواتها منظمة تنفذ عمليات على نطاق واسع. إلا ان هناك مجموعات من الضباط الاميركيين يتساءلون عن مدى حجم «الدور الجهادي» في عقول معظم الاشخاص الذين ينفذون الهجمات. ويقول هؤلاء الضباط انه مع استمرار معدلات البطالة العالية، فإن الدافع الأكبر للمتمردين هو الحصول على دخل. كما لا يعتقدون ان هجمات المتمردين ذات تنظيم مركزي. وقال مسؤول عسكري على دراية بالدراسات المتعلقة بالمتمردين «فيما يتعلق بتنسيق الهجمات، لم نر ذلك»، وأضاف ان معارضة الاحتلال والخوف من سيطرة الحكومة وقوات الامن ذات السيطرة الشيعية والكردية «هي من العوامل الهامة في التمرد. ولكن ينافسها العامل الاقتصادي والحرمان».

ويقدر الميجور كيلي كندريك مدير العمليات في اللواء الاول المقاتل للفرقة 101 المحمولة جوا في صلاح الدين، انه لا يوجد اكثر من 50 مقاتلا متمسكا بأيديولوجية «القاعدة» في صلاح الدين؛ وهي محافظـة يعيش فيها 1.3 مليون شخص. وقال ان معظم المقاتلين لم يقعوا تحت إغراء متابعة حياة بن لادن، ولكن لسبب بسيط «هذه مائة دولار اذهب وضع تلك المتفجرات». وقال قائد اللواء الكولونيل سكوت مابرايد «لم أسمع على الاطلاق بشخص يقول انه يؤمن بالخلافة». كما يقدر ابو عزام وهو زعيم معروف للميليشيات السنية المدعومة من الاميركيين في منطقة النصر والسلام بين بغداد والفلوجة «ان 10 في المائة فقط من أعضاء القاعدة في بلاد الرافدين يلتزمون بالنظريات الجهادية المتشددة».

وتجدر الاشارة الى ان التركيز على «القاعدة في بلاد الرافدين» يغطي على نشاطات جماعات اخرى مثل جيش محمد التي تضم البعثيين السابقين وضباط الجيش العراقي السابقين، المستمر في محاربة القوات الاميركية. ويعتقد بعض الضباط الاميركيين ان «دولة العراق الاسلامية» هي مجرد واجهة لـ«القاعدة في بلاد الرافدين». إلا ان بعض اعضاء الجماعات الاخرى مثل كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي قد وافقوا على دعم الميليشيات السنية الممولة من الاميركيين.

وقد لعبت فكرة دفع اموال للمتمردين السابقين للتوقف عن مهاجمة القوات الاميركية، دورا حيويا في تحسين الاوضاع الامنية في مناطق سنية عديدة في العراق.

* ساهم في إعداد هذا التقرير مايكل غوردون وسولومون مور وأنور علي من بغداد وعدد من الموظفين العراقيين في مكتب «نيويورك تايمز» في صلاح الدين والفلوجة وديالى

* خدمة «نيويورك تايمز»