الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ترفض تنفيذ حكم قضائي نهائي يبيح الزواج الثاني للأقباط

TT

أثار رفض المحكمة الإدارية العليا بمصر للطعن الذي تقدمت به الكنيسة الأرثوذكسية ضد حكم محكمة القضاء الإداري بإلزامها بإصدار تصريح بالزواج الثاني للأقباط، أزمة جديدة بين الكنيسة والحكومة المصرية، حيث رفضت الكنيسة الحكم الجديد شكلا ومضمونا، مؤكدة أنه لا توجد جهة تستطيع إجبَارَهَا على اتخاذ خطوة مخالفة لتعاليمها، فيما شددت المحكمة الإدارية العليا على ضرورة التزام الكنيسة بحكمها وإصدار تصريح بالزواج الثاني للقبطي المطلق.

وقال الأنبا مرقص، رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة، «أريد أن أسأل القاضي الذي أصدر الحكم هل نخالف تعاليم الله من أجل أحكام القضاء، من نطيع.. الكتاب المقدس أم القضاء؟».

وأضاف مرقص لـ«الشرق الأوسط»، «كنا نرجو بدلا من هذا الخلاف حول حكم قضائي يخالف تعاليم الكنيسة، أن يصدر قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي وافقت عليه الطوائف المسيحية في مصر كلها، ووقع عليه رؤساؤها منذ عام 1998، ولم يصدر حتى الآن».

وأشار مرقص إلى أن هذا الخلاف حول تنفيذ الحكم القضائي لن يؤدي إلى صدام مع الحكومة المصرية، قائلا «لا يوجد صدام، لأن الزواج المدني مفتوح أمام الجميع، ولكن لن يمكن إجبار الكنيسة على مخالفة تعاليمها، وإصدار تصريح بالزواج الثاني، إلا بالشروط الموجودة في العقيدة المسيحية».

من جانبه، اعتبر المستشار نجيب جبرائيل، محامي الكنيسة الأرثوذكسية، «أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وانتهك الدستور رغم أن محكمة النقض منذ زمن طويل حرصت على ألا تكون للقضاء رقابة على أعمال السلطة الدينية».

وقال جبرائيل لـ«الشرق الأوسط» «الزواج في المسيحية تنفيذ لوصية كتابية وأوامر إلهية وله طابع ديني ولا يحق لأحد أن يطعن فيه»، مضيفا «أن المحكمة الإدارية العليا تجاوزت اختصاصاتها حيث أن الزواج المسيحي عقد ديني وليس مدنيا، ولذلك يصعب تنفيذ الحكم أو محاسبة البابا شنودة لأنه حسب المادة 123 من قانون العقوبات، فإنه يحكم بحبس الموظف العام وعزله من وظيفته في حالة الامتناع عن تنفيذ حكم القضاء.. ولكن البابا ليس موظفا عاما». وكشف جبرائيل عن أن الكنيسة ستقدم استشكالا في الحكم من أجل وقف تنفيذه لأنه يخالف المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

وقال جبرائيل «تناسى الحكم الآية القرآنية التي تقول «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة 47)، معتبراَ «أن الحكم أضر بحياة ملايين الأقباط في مصر، ولذلك نسعى لوقف تنفيذه». وكشف مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، رفض ذكر اسمه عن السيناريو الذي ترسمه الكنيسة الآن للخروج من أزمة الصدام مع الحكومة، هو أنها ستقوم بحل المشكلة ودياً مع مقيم الدعوى المواطن عاطف كيرلس من أجل موافقته على وقف تنفيذ الحكم، وعدم إلزامها بتنفيذه لتتفرغ للطعن فيه «حتى لا تتكرر هذه الواقعة غير المسبوقة في تاريخ القضاء مرة أخرى».

وكانت المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت أول من أمس حيثيات رفضها طعن الكنيسة في حكم القضاء الإداري، مؤكدة أن حصول المسيحي على تصريح من الكنيسة بالزواج الثاني يخضع لطقوس معينة؛ أبرزها الحصول على ترخيص الرئيس الديني المختص (بابا الأقباط)، معتبرة أنه عند امتناع الكنيسة عن منحه هذا الترخيص، فإن هذا لا يعد شأناً دينياً خالصاً بل يخضع في ممارسته لسلطة القضاء، لبيان ما إذا كان الرئيس الديني محقا في امتناعه عن منح الترخيص أم أنه تجاوز قواعد الشريعة الأرثوذكسية.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها «الرئيس الديني (بابا الأقباط) لا يمارس اختصاصه في شريعة الأقباط الأرثوذكس بعيدا عن أية قواعد، وعليه أن يتبع القواعد المنصوص عليها في هذه الشريعة. كما انه يخضع لرقابة القضاء لمدى التزامه بهذه القواعد لبيان ما إذا كان محقا في الامتناع عن منح الترخيص بالزواج الثاني أم انه خرج بذلك على قواعد الشريعة الأرثوذكسية».

واعتبرت المحكمة أن حكمها «لا يعد تدخلاً من القضاء في الشأن الديني، وإنما هو إعلاء لهذا الشأن لتحقيق مقاصد وأهداف الشريعة الأرثوذكسية وإيجاد التوازن بين حقوق القائمين على هذا الشأن وبين حقوق المواطنين الدستورية وفى إطار قواعد الشريعة دون الخروج عليها أو تجاوزها».

تجدر الإشارة إلى أن أحكام المحكمة الإدارية العليا تعد قواعد قانونية وأحكاما نهائية واجبة النفاذ، ولا يجوز الطعن فيها أمام أيِّ درجة قضائية أخرى.