رايس لعبت دور وسيط غير رسمي بين حماس وإسرائيل

الأطراف المعنية أصبحت تعترف بها كواقع وتبحث مدى ما يمكن أن تحصل عليه

TT

خلال جولة في الشرق الأوسط هذا الشهر أدت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس دور وسيط غير رسمي بين حركة حماس وعدوها حكومة اسرائيل وساعدت على ترتيب هدنة أولية وفقا لمسؤولين أميركيين واسرائيليين وعرب.

وتعتبر الولايات المتحدة منذ زمن بعيد حماس، التي استولت على قطاع غزة العام الماضي جماعة ارهابية وتبقى ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش معارضة بثبات لادارة محادثات ما لم تعلن حماس ادانتها للعنف وتعترف باسرائيل. وقد انتقد الرئيس بوش بقوة ما اعتبره «تكريس حماس طاقاتها للارهاب والقتل»، وقال انه لا يمكن أن يكون هناك سلام ما لم يجر تفكيك الجماعة.

وخلال جولتها لم تتطرق رايس علنا الى تعبير «وقف اطلاق النار». ولكن بطلب من مصر طلبت رايس سرا من رئيس الوزراء الاسرائيلي يهود أولمرت أن يصدر تصريحا يقول فيه ان اسرائيل ستوقف الهجمات اذا ما توقفت حماس عن اطلاق الصواريخ البدائية على المدن الاسرائيلية. وبعد يوم من ذلك أمكن لمسؤولين مصريين أن يشيروا الى التصريح في محادثات مع حماس وسرعان ما توقفت النيران اليومية.

وتؤكد أفعال رايس سلسلة الاشارات التي تعتبر نموذجية في الدبلوماسية المتعلقة بالشرق الأوسط، ولكنها تلقي الضوء ايضا على الدور المركزي لحماس اليوم في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. ويتساءل بعض الخبراء الآن عما اذا كان عزل حماس سيظل مبررا.

وأصدرت مجموعة من الشخصيات البارزة من الحزبين الاميركيين الرئيسيين، بينهم مستشارا الأمن القومي السابقان زبيغني بريجنسكي وبرنت سكوكروفت، بيانا قبل محادثات أنابوليس في نوفمبر( تشرين الثاني) الماضي جاء فيه انه «بالنسبة لحماس نعتقد أن حوارا حقيقيا مع المنظمة أفضل الى حد بعيد من عزلها». وأشارت المجموعة الى أن طريقة المعالجة الأولية يمكن أن يقوم بها مبعوثون للأمم المتحدة أو المجموعة الرباعية. وقال البيان ان «تعزيز وقف اطلاق النار بين اسرائيل وغزة سيكون نقطة انطلاق جيدة».

وكان كولن باول، سلف رايس، قد قال العام الماضي انه لا بد من ايجاد سبيل ما للتحدث الى حماس، مجادلا بالقول «لا أعتقد أنه يمكنكم ابعادهم الى منطقة خارجية مظلمة وتحاولون ايجاد حل لمشكلات المنطقة بدون أن تأخذوا بالحسبان الوضع الذي تتمتع به حماس بين الشعب الفلسطيني». وقال مساعد الأسبوع الماضي انه ما يزال محتفظا بوجهة النظر تلك.

وحتى وزارة الخارجية اعترفت ان المسألة مطروحة عندما طرحت المدونة الرسمية للوزارة الشهر الحالي سؤالها الأسبوعي: «هل يتعين على الولايات المتحدة اشراك حماس في عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين؟» وقد أثار السؤال الكثير من الاجابات الطويلة والعاطفية، وأرغم المتحدث باسم الوزارة على نفي ان ذلك اشار الى أن هناك تغييرا في السياسة يدرس حاليا.

وفي اسرائيل جادل المدير السابق للموساد أفرايم هاليفي لصالح المحادثات قائلا انه من المستحيل الحاق هزيمة بحماس سياسيا. وكان موقفه وحيدا في اسرائيل في السابق، ولكن استطلاعا للرأي أجري الشهر الماضي من جانب صحيفة «هاآرتس» الاسرائيلية كشف عن أن 64 في المائة من الاسرائيليين يفضلون المحادثات المباشرة مع حماس. ولكن كثيرا من الخبراء في الولايات المتحدة يجادلون بأنه لا ينبغي مكافأة حماس على سلوكها السيء. وقال دينيس روس المفاوض السابق في ادارة كلينتون ان ذلك «سيعطي الاحساس بأن على العالم أن يتكيف معهم، ويقلص في الحال الثقة بالفلسطينيين الذين تريدون العمل معهم».

وفي القاهرة سئلت رايس عما اذا كانت السياسة الحالية تعطي نتائج مضادة. فأجابت «هذا ليس سؤالا حول تعامل الولايات المتحدة مع حماس. انه سؤال حول ما تعتزم حماس القيم به والاستعداد له في اطار المعايير الدولية الواضحة التي لم تلبها». واعترف ديفيد وولش رجل رايس في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني امام الكونغرس في الاسبوع الماضي ان سيطرة حماس على قطاع غزة قد عقدت الخيارات المطروحة امام الولايات المتحدة، «مما قدم لنا سياسة واختيارات في غاية الصعوبة، كما قدم لإسرائيل مجموعة من البدائل السيئة ايضا».

وقال مسؤول كبير في الادارة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لكي يتمكن من الحديث بصراحة ان «اسرائيل تتحدث مباشرة لحماس طوال الوقت»، اساسا في اطار المفاوضات لتحرير الجندي الأسير جلعاد شليط غيلاد وقال المسؤول «ان اسرائيل وجدت توازنا بين الموقف الرسمي ـ وهو عدم شرعية حماس ـ ولكن في الوقت ذاته وجدت طريقة للتعامل مع الواقع الذي تمثله».

الا ان المسؤول الاميركي قال ان الموضوع اكثر تعقيدا بالنسبة للولايات المتحدة، لأن حماس لا تحتجز مواطنين اميركيين، وعلى اية حال، ترفض الولايات المتحدة اجراء مفاوضات حول السجناء. كما اكد ايضا عدم وجود اهتمامات لدى المجموعة الرباعية: الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والولايات المتحدة، لبداية حوار مع حماس، لأسباب عديدة من بينها انه تبين لروسيا ان جهودها المحدودة لإجراء محادثات لم تكن مثمرة. ووصف تدخل رايس بأنه ضروري لتهدئة الموقف الذي يهدد بإضعاف محادثات انابوليس للسلام.

غير ان اللاعبين ـ بما في ذلك جيران اسرائيل العرب ـ لا يريدون حلا يسمح لحماس بتحقيق اية انتصارات، طبقا لما ذكره الدبلوماسيون. غير ان دبلوماسيا عربيا قال، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب وضعه الدبلوماسي «لا يمكن لأحد تجاهل حماس. اصبحوا واقعا. السؤال هو مدى ما يحصلون عليه». وذكر مسؤولون عرب واميركيون ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعترض على اتفاقية بخصوص شاليط لأنه يخشى حصول حماس على مصداقية في الافراج عن السجناء الفلسطينيين.

وقد ذكر عدد من الخبراء من بينهم روبرت مالي من جماعة الازمات الدولية، ان الحل هو توصل عباس الى اتفاقية لوقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل. وقد رفض مسؤولون في ادارة بوش الفكرة، وقالوا انها يمكن ان تجعل عباس يبدو مثل مندوب حماس.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»