رئيس اللوبي الإسرائيلي للسلام مع سورية لـ«الشرق الاوسط»: بعد 10 أشهر من مغادرة بوش سنوقعُ اتفاقَ سلامٍ مع دمشق

ألون لئيل يؤكد أن 85% من قضايا الجولان أقرتها الحكومات التي سبقت شارون وأولمرت

الون لئيل
TT

صرح رئيس اللوبي الاسرائيلي للسلام مع سورية والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الاسرائيلية، الدكتور ألون لئيل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ان احتمالات السلام بين اسرائيل وسورية أكبر بكثير مما يرى في ظروف اليوم. وان هناك استعدادا واسعا في اسرائيل لمثل هذا السلام. وأكد ان العائق أمام سلام كهذا هو الرئيس الأميركي، جورج بوش. فعندما يغادر بوش البيت الأبيض، ستبدأ مسيرة مفاوضات في غضون أربعة شهور بين الجانبين وهو، أي لئيل، يتوقع أن تنتهي هذه المفاوضات في غضون ستة أشهر باتفاق سلام دائم وشامل بين البلدين.

ولئيل، 60 عاما، هو أحد الشخصيات الدبلوماسية المعروفة في اسرائيل. وعمل في وزارة الخارجية الاسرائيلية طيلة 30 عاما، 1971ـ2001، وكان شاهدا عن قرب على مراحل تقدم المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية، منذ حكم اسحق رابين الذي سلم وزير الخارجية الأميركي، وارن كريستوفر، وديعة يتعهد فيها بالموافقة على الانسحاب الى حدود 4 يونيو (حزيران) 1967 مقابل سلام كامل وشامل مع سورية وضمانات أمنية مناسبة، وكذلك في فترة حكم بنيامين نتنياهو (الذي بدأ مفاوضات مع سورية، ووافق على الانسحاب لكنه تراجع في آخر لحظة، وحتى حكم ايهود باراك، الذي شغل لديه منصب المدير العام لوزارة الخارجية في الفترة ما بين 2000 و2001. منذ أربع سنين تقريبا، ينشط لئيل في محادثات مع شخصيات سورية، بواسطة طرف ثالث في البداية (الحكومة السويسرية)، ثم بمحادثات مباشرة، بهدف وضع صيغة اتفاق للسلام بين البلدين. والشخصية السورية التي تولت ادارة هذه المفاوضات، هو ابراهيم سليمان، وهو باحث أميركي من أصل سوري. لكن اسم سليمان «احترق» في سورية لدى زيارته لإسرائيل في السنة الماضية. واضطر السوريون الى استبدال آخر به، مع انه ما زال يشارك في اللقاءات، بشخصيات أخرى تبدو أرفعَ وأهمَّ في أروقة السياسة بدمشق. وفي الأسابيع الأخيرة حصل تقدم كبير في ذلك، حيث التقى لئيل مع السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، مباشرة (سورية نفت). ومع ان لئيل لم يؤكد ولم ينف أمر هذا اللقاء، واشترط ألا يسأل عن الموضوع، فقد تأكد من عدة مصادر أمر هذا اللقاء. وعلمت «الشرق الاوسط» ان الطرفين اتفقا على انه طالما تشكل الادارة الأميركية الحالية عقبة أمام استئناف المفاوضات على المسار السوري، فينبغي العمل في الولايات المتحدة لإزالة هذه العقبة بواسطة تجنيد لوبي خاص لهذه الغاية. وفهمت «الشرق الاوسط» ان امكانات نجاح هذا اللوبي لدرجة التأثير على السياسة الأميركية في الادارة القادمة كبيرة جدا.

وفي ما يلي نص الحديث:

* ما الذي حققتموه منذ أعلنتم عن اقامة حركة السلام اسرائيل ـ سورية؟

ـ عقدنا 12 لقاء حتى الآن، تقدمنا فيها كثيرا في التفاهمات حول أسس هذا السلام بين اسرائيل وسورية.

* ما هي هذه الأسس؟

ـ انسحاب من الأراضي التي احتلتها اسرائيل سنة 1967 مقابل ضمانات أمنية للطرفين واقامة السلام الشامل، وبسبب المعارضة الواسعة في اسرائيل للانسحاب من الجولان، توصلنا الى اقتراح بإقامة حديقة قومية في الثلث الغربي من هضبة الجولان يتاح فيها للمواطنين الاسرائيليين دخولها من دون تأشيرة دخول (مثلما يتاح مثل هذا الأمر للاسرائيليين في شرم الشيخ وطابا المصريتين) والإبقاء على المشاريع الاقتصادية الاسرائيلية الحالية في الجولان (مصانع النبيذ الفاخر والمزارع وغيرها) كاستثمارات أجنبية يواصل أصحابها ادارتها كمشاريع سورية ولمدة 5 ـ 15 سنة منذ توقيع اتفاق السلام لا يعود المواطنون السوريون للسكنى في هذا الثلث من الجولان، ولكن هذا الثلث يكون تحت السيادة السورية الكاملة.

* أين هو موقف الحكومات من هذه المحادثات. فكيف تقتنع أنت بأن الحكومة السورية تقف وراء هذه المحادثات وكيف تقنعنا بأن الحكومة الاسرائيلية تقف وراءك أنت في هذه المحادثات؟

ـ لا يمكننا القول انها محادثات بين حكومتين، ولكن من الواضح أنني اتحدث مع شخصيات لها وزنها الكبير في مؤسسات الحكم في سورية. أما في اسرائيل فقد بدأت هذه المحادثات في زمن حكومة أرييل شارون، بالتنسيق مع وزارة الخارجية. وكل ما أفعله يتم بمعرفتهم.

* هل كان شارون شخصيا يعرف؟

ـ بالتأكيد كان يعرف. أنا شخصياً لم أتحدث معه في الموضوع، ولكنني عندما كنت أبلغ الخارجية كانوا يطلعونه على ما يجري. فأنا كنت ذات مرة مديرا عاما في وزارة الخارجية، وأعرف كيف تنقل مثل هذه الأمور. كما انني اعرف ان شارون كان يعرف.

* ورئيس الوزراء الحالي أولمرت، هل كان يعرف؟ وهل يعرف اليوم؟

ـ في حينه لم يكن يعرف لأنه كان وزيراً للتجارة والصناعة في حكومة شارون. ولكنه اليوم يعرف بالتأكيد. وهو يدرك ان الأمور جدية، ولم يعد يستطع تجاهلها، ولذلك رأيناه يصرح قبل أيام بأنه لا يرى غضاضة في استئناف المفاوضات مع سورية. ولمح إلى أن هناك اتصالات مع دمشق.

* كيف تدار هذه المحادثات؟ أين؟ وعلى أي أسس؟

ـ في البداية جرت في أوروبا ثم الولايات المتحدة. وهي لقاءات بين شخصيات يهمها أن يقوم السلام بين دولتيها وشعبيها، تتم في اطار حوار ثنائي أو في اطار حوار أوسع بحضور آخرين. وهناك لقاءات على مستوى آخر، مثل الندوة التي جرت اخيرا في واشنطن وشاركت فيها مع السفير السوري لدى الولايات المتحدة؛ عماد مصطفى.

* فهمنا منك ان هدف زيارتك للولايات المتحدة هو بالأساس اقامة لوبي أميركي يضغط من أجل استئناف المفاوضات بين اسرائيل وسورية، فهل هذا يعني انكم توصلتم الى القناعة بأن واشنطن هي التي تمنع الحكومة الاسرائيلية من استئناف هذه المفاوضات؟

ـ ليس كل واشنطن، بل ادارة الرئيس بوش هي التي تمنع اسرائيل من استئناف المفاوضات.

* ألم تعد اسرائيل دولة مستقلة؟

ـ في العلاقات الدولية، توجد آليات ومصالح تجعل إحداها تبدو تابعة للأخرى في بعض المواقف. أولمرت ليس معنياً بإغضاب الرئيس بوش. لكن هناك قوى عديدة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري تؤيدنا في موقفنا حول ضرورة استئناف المفاوضات، وتنتقد بشدة سياسة بوش في هذا الموضوع. وأنا واثق من انه بعد غياب بوش في 20 يناير (كانون الثاني) عام 2009، سيزاح هذا الحظر ويشعل الضوء الأخضر في واشنطن وستستأنف المفاوضات بين اسرائيل وسورية في غضون أربعة أشهر من تسلم الرئيس الأميركي الجديد مهام منصبه.

* وهل ستسفر هذه المفاوضات عن اتفاق، حسب رأيك؟

ـ بالتأكيد، فأنا أعرف ان 85% من القضايا اتفق عليها بين كل الحكومات الاسرائيلية التي سبقت حكومتي شارون وأولمرت وبين سورية. وبقية القضايا لا تحتاج الى أكثر من ستة أشهر. فإذا استؤنفت المفاوضات فعلا حسب تقديراتي هذه، فإنها ستنتهي باتفاق سلام شامل ودائم بين البلدين، حتى نهاية 2009.

* هل زيارتك للولايات المتحدة استهدفت التحضير لتلك الفترة؟ وهل التقيت مع المرشحين للرئاسة الأميركية؟

ـ أجل، التقينا مع مسؤولين في الطواقم الانتخابية للمرشحين الثلاثة للرئاسة ووجدنا تجاوبا ايجابيا. ولكي نضمن ألا يخربوا علينا هذه الجهود، نتصل من الآن بكبار الموظفين المهنيين في الادارة الأميركية، فهؤلاء سيبقون في وظائفهم عندما يتغير الرئيس. وتوجد حاجة للشرح لهم حتى لا يشكلوا لنا عقبة في المستقبل. نحن نريد الوصول الى مرحلة انتهاء دورة الرئيس بوش، بوجود لوبي واسع في الولايات المتحدة يؤيد المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية، لا أن نبدأ العمل في ذلك الوقت.

* ألا يشترطون شيئاً على سورية مثل «الخروج من محور الشر» و«رفع اليد عن لبنان» وغيرهما..؟

ـ واضح ان الأميركيين يناقشون العديد من جوانب السياسة السورية، ولكن نحن أيضا نناقشهم حولها. فالأمور التي يضعونها عقبة، هي في نظرنا ناجمة عن الصراع. فإذا توصلت اسرائيل وسورية الى اتفاق سلام، ستزول تلك العقبات.

* أعطِنَا مثلا على ذلك، فالأميركيون يهاجمون سورية على موقفها من الموضوع اللبناني، فهل أنتم تدافعون عن موقف سورية أمامهم؟

ـ كلا. نحن نقول لهم اننا ندرك أهمية موقفهم من الموضوع اللبناني. ففي الولايات المتحدة يوجد لوبي لبناني قوي ومؤثر. وفي الوقت نفسه، نقول لهم ان السلام الاسرائيلي ـ السوري سيفرض بحد ذاته قواعد جديدة في المنطقة. فإذا وقعت سورية اتفاق سلام مع اسرائيل، لا يعقل أن تتحالف مع مَنْ يعلن ليل نهار أنه يريد ابادة اسرائيل مثل ايران أو حزب الله أو حماس. وليس من المعقول أن تمد أياً من هذه التنظيمات بالسلاح. سورية دولة مستقلة ولها مصالح ولا يربطها مع ايران رباط آيديولوجي. لذا، فإن الأمور ستتغير بالمنطقة مع هذا السلام. وهذا لمصلحة الغرب ولمصلحة كل شعوب المنطقة، والأهم لمصلحة الشعبين الاسرائيلي والسوري.

* ألا تشترطون على سورية أن تقطع علاقاتها بإيران؟

ـ ليس من المنطق أن تطلب من دولة مستقلة أن تقطع علاقاتها مع دولة صديقة. فهناك علاقات متينة بين سورية وايران، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. ما يمكن أن نطلبه، وهذا شرعي ومتبع في جميع الاتفاقات السلمية الدولية، هو الا تكون تلك العلاقات مؤثرة سلبيا أو متناقضة مع أهداف اتفاق السلام. وهذا أمر مفروغ منه.

* لنعد الى اسرائيل. هناك لوبي كبير يؤيد السلام مع سورية بين السياسيين والعسكريين، ولكن كما تعرف فإن غالبية الاسرائيليين أعلنوا في عدة استطلاعات رأي أنهم لن يؤيدوا الانسحابَ من الجولان، حتى لو كان ذلك مقابل السلام؟

ـ علمتنا التجربة أنه في اللحظة التي تبدأ فيها القيادة الرسمية مفاوضات، ينخفض عدد المعارضين بنسبة 10ـ15% على الفور. ومع استمرار المفاوضات، تنشأ آلية تأييد متنامية، خصوصا إذا عرفنا كيف نأتي باقتراحات إبداعية خلاقة تطمئن الجمهور على مستقبله وتقنعه بصدق النوايا. فمثلا، اقتراح الحديقة القومية، يعتبر مساعداً جداً لقبول الاسرائيليين الانسحاب، بمن في ذلك مستوطنون بالجولان. ولا تنسى ان الشخصيات السياسية والعسكرية المؤيدة لهذا السلام كثيرة ومحترمة. وان قسماً كبيراً من الوزراء يؤيدون، بينهم وزير الدفاع ايهود باراك. ورئيس اركان الجيش، غابي أشكنازي، والعديد من أعضاء هيئة رئاسة الأركان الحاليين يؤيدون. إضافة إلى رؤساء اركان سابقين، مثل أمنون لفكين شاحاك وموشيه يعلون ورؤساء شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي وأهرون زئيفي فركش وعاموس يدلين، ونائب رئيس الأركان السابق، موشيه كابلينسكي، ورئيس الشاباك (جهاز المخابرات العامة) سابقا وزير الشؤون الاستراتيجية، عامي ايلون، ورؤساء مجلس الأمن القومي، غيورا آيلاند وعوزي ديان ورئيس الموساد (جهاز المخابرات الخارجية الأسبق)، يعقوب بيري، وغيرهم.

* هناك تخوف، خصوصا لدى الفلسطينيين، من ان تفضيل المسار السوري على المسار الفلسطيني جاء ليمس القضية الفلسطينية وليكون على حسابها. فما رأيك في هذا؟

ـ نحن لم نأت لنحل محل المسار الفلسطيني. فإسرائيل بحاجة الى السلام مع الفلسطينيين والسوريين. ولكننا عندما نقول إننا نفضل السلام مع سورية أولا، لأننا نرى ان المفاوضات مع سورية ممكنة ولا تحتاج الى الكثير من الجهد لأن معظمها ناجز، وثانيا لأننا نعتقد ان السلام مع الفلسطينيين اليوم غير واقعي. فهناك الانشقاق بين حماس وفتح، وهناك الانقلاب في غزة الذي زاد المسألة تعقيداً. وهناك قضايا مُحرِقة لا تستطيع الحكومة الحالية البت فيها حالياً، مثل قضية القدس وقضية اللاجئين وقضية الحدود، فهذه قضايا صعبة للغاية. فلا يُعقل أن نظل ننتظر ونضيِّعَ الفرصة السانحة. فالرئيس بشار السد يقترح منذ اربع سنوات اجراء مفاوضات غير مشروطة مع اسرائيل في سبيل تحقيق سلام شامل وعادل، فهل يعقل أن نرفض؟ ثم انني أعتقد أن السلام مع سورية سيسهل أكثر السلام مع الفلسطينيين، لأن حماس ستفقد كثيرا من قوتها وتأثيرها، وقوى التطرف لن تستطيع التخريب بسهولة على الاتفاق.

* قل صراحة، هل تثق بالرئيس بشار الأسد وتؤمن بصدقه في طرح مبادرة للسلام مع إسرائيل؟

ـ نعم أثق به وأصدقه. انه يريد السلام والرخاء لشعبه. وأنا أعرف ان لديه معارضين في سورية، ومع ذلك فهو ماضٍ بقوة في نهجه.