معلومات جديدة: بريمر قلب خطة اعتمدت قبل الحرب وحل الجيش العراقي

الخطة الأصلية: نزع سلاح الحرس الجمهوري وإبقاء بقية وحدات الجيش * باول اعتبر القرار خطأ واتصل برايس مستفسرا فقالت إنها فوجئت

الرئيس الاميركي جورج بوش وبول بريمر أول حاكم مدني أميركي للعراق تحت الاحتلال (أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

عندما عقد الرئيس الأميركي جورج بوش اجتماعا لمجلس الأمن القومي يوم 22 مايو(أيار) 2003، أدلى مبعوثه الخاص الى العراق بتصريح أخذ الكثير من المشاركين على حين غرة. وعبر الفيديو أبلغ بول بريمر الرئيس ومساعديه بأنه على وشك اصدار أمر بحل الجيش العراقي. وصدر المرسوم في اليوم التالي.

والخطوط الرئيسة للقرار معروفة بصورة واسعة في الوقت الحالي، ويدافع عنها المؤيدون باعتبارها ضرورية لضمان عدم عودة نفوذ صدام حسين بعد إبعاده عن السلطة.

ولكن مع قرب الذكرى الخامسة لبدء الحرب، قدم بعض المشاركين في مقابلات معهم تقاريرهم الأولى التفصيلية عن القرار الذي ينظر اليه على نطاق واسع باعتباره واحدا من القرارات الأكثر إثارة للجدل والخلاف، وقد هاجمه نقاد أكدوا ان القوات الأميركية ستواجه تمردا متناميا يقوده السنة المتذمرون الذين كانوا يقودون الكثير من الجيش.

والمعلومات المذكورة في تلك المقابلات، ومن الاطلاع على وثائق غير منشورة سابقا، توضح ان قرار بريمر قلب اتجاه خطة سابقة، كانت تعتمد على الجيش العراقي للمساعدة في ضمان الأمن وإعادة بناء البلاد، وكانت قد أقرت في اجتماع للبيت الأبيض عقده بوش قبل عشرة أسابيع من ذلك. وتظهر المقابلات أنه بينما صادق بوش على خطة بريمر في اجتماع 22 مايو، فان القرار اتخذ من دون مشاورات عميقة داخل الحكومة ومن دون المستشار القانوني لوزارة الخارجية أو القائد العسكري الأعلى في العراق، وفقا لما قاله الجنرال ديفيد ماكيرنان. وحفز قرار بريمر على صراع مرير داخل الحكومة والجيش، مع استمرار تبادل الاتهامات حتى اليوم.

وقال كولن باول، وزير الخارجية ورئيس الأركان المشتركة السابق، انه لم يطلب منه المشورة وكان في باريس عندما عقد اجتماع 22 مايو.

وفي وقت لاحق طلب باول، الذي ينظر الى القرار باعتباره خطأ فادحا، تفسيرا من كوندوليزا رايس، التي كانت مستشارة للأمن القومي. وقال «تحدثت الى رايس وقلت: كوندي، ما الذي حدث؟ وكان ردها: أنا تفاجأت أيضا ولكنه قرار اتخذ والرئيس يقف وراءه. وبريمر هو الشخص الموجود في الميدان. ولم يكن هناك مزيد من النقاش حول الموضوع». وعندما عقد بوش اجتماعا لكبار مساعدي الأمن القومي قبل غزو مارس 2003، قدمت له خطة أميركية واضحة حول ما يتعين عمله مع القوات المسلحة العراقية. وخطط القادة العسكريون الأميركيون وجاي غارنر، الجنرال المتقاعد الذي عمل كأول حاكم اداري أميركي في العراق، لاستخدام الجيش العراقي في المساعدة على حماية البلاد وكقوة اعادة اعمار وطنية.

وعرضت الخطوط العامة للخطة في عرض قدمه دوغلاس فيث، كبير مساعدي وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، في اجتماع لمجلس الأمن القومي عقده بوش يوم 12 مارس، أي قبل ثمانية ايام من بدء الغزو. وكان مقررا نزع اسلحة وحدات الحرس الجمهوري، التي اعتبرت الاكثر موالاة لصدام حسين، وان يجري تفكيكها واعتقال أفرادها.ولكن سيجري الابقاء على بقية وحدات الجيش. وحسب الخطة ستستخدم ثلاث من أصل خمس فرق لتشكيل «نواة» الجيش العراقي الجديد وفقا لنسخة من العرض المقدم حصلت عليها «نيويورك تايمز». أما القوات العراقية الأخرى فكانت ستستخدم كقوة اعادة إعمار تقوم بإعادة بناء البلاد.

كما حمل العرض تحذيرا من مخاطر إبعاد الجيش في الأشهر الأولى من الاحتلال الأميركي في بلد يتميز بنسبة عالية من البطالة. وجاء في التحذير انه «من غير الممكن تجميد ما يتراوح بين 250 الى 350 ألف فرد في الحال ودفعهم الى الشوارع».

وقال الكولونيل جون أغوغليا، الذي عمل كمخطط حرب لدى الجنرال تومي فرانكس في القيادة الوسطى للولايات المتحدة، ان فكرة استخدام الجيش العراقي كانت منذ زمن بعيد عنصرا من عناصر استراتيجية الغزو. وقال الكولونيل أغوغليا الذي يعمل مديرا لمدير عمليات حفظ السلام والاستقرار التابع للجيش، انه «ابتداء من يونيو(حزيران) 2002 قمنا بعمليات سايكولوجية ذات أهداف مستخدمين القاء المناشير والكراسات، والبث الاذاعي، ومختلف انواع الوسائل لإيصال الرسالة الى قوات الجيش النظامي بأن عليها أن تستسلم أو أن تترك الميدان، وانهم اذا ما فعلوا ذلك فاننا سنعيدهم كجزء من العراق الجديد بدون صدام».

وما أن بدأت الحرب وبدأ كثير من أفراد الجيش العراقي بالفرار من مواقعهم، بدأت رؤية جديدة حول كيفية التقدم بالظهور في وزارة الدفاع. وبعد اختيار بريمر في أوائل مايو 3003 ليحل محل الجنرال غارنز باعتباره الحاكم المدني في العراق، بدأ وكبير مساعديه، والتر سلوكومبي، التشاور في واشنطن مع كبار المسؤولين في وزارة الدفاع حول كيفية بناء عراق جديد. وكان المسؤولون يعملون على اصدار مرسوم لتخليص الحكومة من آلاف من أعضاء حزب البعث، كان بريمر يعتزم اصداره بعد وصوله الى العراق. وقال فيث: فكرة اصدار قرار يحل الجيش رسميا جاءت من بريمر. وقال فيث ان «فكرة بريمر الأصلية كانت جيشا محترفا صغير الحجم. ولم يكن له أن يكلف بمهمة أمنية أو يكون عاملا رئيسا في الوضع السياسي الداخلي. وكان بريمر وزملاؤه يفكرون في كيفية تشكيل جيش يكون مناسبا لبلد حر وآمن. ولم يكونوا يفكرون باستخدام أعداد كبيرة من العراقيين في الحال للعب دور مباشر في التعامل مع التمرد الذي لم يكن قد بدأ بصورة كاملة».

وقال بريمر إنه لا يتذكر من كان أول من اقترح قرار حل الجيش العراقي. ولكنه اعترف بأنه وسلوكومبي فضلا تلك الخطوة. وأرسلت مسودة اعلان عن حل مؤسسات عهد صدام، وبينها وزارة الدفاع وكل المؤسسات المرتبطة بها، الى رامسفيلد يوم التاسع من مايو وفقا لما قاله بريمر، الذي اضاف ان رامسفيلد صادق لاحقا على القرار في محادثة هاتفية (رفض رامسفيلد اجراء مقابلة معه). وعندما توجه بريمر الى العراق في اليوم التالي أرسلت مذكرة منفصلة الى كبار مسؤولي وزارة الدفاع وكذلك الجنرالين فرانكس وغارنر، مع مذكرة مرفقة.

وكتب بريمر في المذكرة «انه من المرغوب فيه أن يتسم وصولي الى العراق بخطوات واضحة وحاسمة. ويتعين على هذه الخطوات أن تعزز رسائلنا السياسية الشاملة وتعيد طمأنة العراقيين بأننا عازمون على اجتثاث الصدامية».

آراء متضاربة على الرغم من ان بريمر كان أكبر مسؤول مدني في العراق، فإن الجنرال ماكيرنان، كبير القادة العسكريين الاميركيين في ذلك الوقت، كانت له وجهة نظر مختلفة إزاء كيفية تشكيل الجيش العراقي الجديد. وكان القادة الاميركيون يأملون في ان تبقى الوحدات العراقية في الأماكن التي نشرت فيها وأن تستسلم بصورة جماعية بدلا عن الفرار. وفيما كان رأي بريمر قائما على اساس ان الفرار يعني ان الجيش العراقي قد تفكك، وكان الجنرال ماكيرنان يعتقد انه بالإمكان إعادة تكوين الجيش العراق باستدعاء جنوده بعض جنرالاته وضباطه. يقول ماكيرنان انهم كانوا يدركون ان أفراد الجيش اما ذهبوا الى منازلهم او تخلصوا من زيهم العسكري. وأضاف كيرنان، الذي كان مسؤولا عن قيادة القوات البرية خلال الغزو وجرى اختياره في الآونة الأخيرة لقيادة قوات الناتو في أفغانستان، ان الفكرة الاساسية كانت تتلخص في جمع جنود الجيش العراقي وضباطه وعزل العناصر السيئة. كان للجنرال جون ابي زيد، الذي كان في ذلك الوقت نائبا للقائد العسكري، وجهة نظر مماثلة، وقال لزملائه في القيادة ان الجيوش العربية عادة ما تكون كبيرة بهدف إبعاد الشباب الساخط عن الشارع ووضعهم تحت إشراف الحكومة. وكان الجنرال ابي زيد يرى ان تشكيل جيش عراقي من ثلاث فرق يعتبر نقطة انطلاق ايجابية، لكنه كان يريد زيادة حجمه تدريجيا ليصل الى قرابة 10 فرق. كان المقر الرئيس لبريمر في المنطقة الخضراء وسط بغداد، فيما كانت قاعدة الجنرال ماكيرنان بالقرب من مطار بغداد على بعد عدة أميال من المنطقة الخضراء. وقال الكولونيل غارنر ان ثمة مشاكل في الاتصالات الهاتفية، إلا انه نجح في نهاية الأمر في الوصول الى واحد من أفراد طاقم ماكيرنان ابلغه بأن الجنرال قبل المرسوم. وقال غارنر ان انطباعا تكون لديه بأن الجنرال ماكيرنان لم يكن متحمسا تجاه سير الأحداث، لكنه ابلغ بوضوح بأنه لم يكن متفقا مع المسودة. وأضاف غارنر ايضا انه لا يتذكر اسم الضابط الذي تحدث معه. إلا ان الجنرال ماكيرنان أكد أنه لم يطلع على المرسوم ولم يؤيده. اما الجنرال ج. ثورمان، كبير ضباط العمليات مع ماكيرنان، فقد أورد نفس الرواية وقال: «لم تكن لدينا فرصة للإدلاء بتعليق، ولم نكن متأكدين من انهم يرغبون في الاستماع إلينا».

قبول سريع مع اقتراب موعد إعلان المرسوم تحولت الأنظار باتجاه واشنطن؛ ففي 22 مايو (أيار) ناقش بريمر في مذكرة الى الرئيس بوش انطباعاته حول العراق، وأشار الى الأمر المتعلق بحل الجيش العراقي وقال انه كان يعتزم حل «بنى جيش واستخبارات صدام».

وقال بريمر في لقاء اجري معه انه كان يحاول ان يعطي الرئيس بوش ملخصا لانطباعاته حول الوضع كما يراه. لذا، لم يكن الغرض من الخطاب عرض قائمة من المطالب على بوش للمصادقة عليها بقدر ما كان محاولة لإعطائه فكرة ما كانوا يشعرون به تجاه الوضع هناك وطبيعة ردود فعل الناس هناك. شارك بريمر في نفس ذلك اليوم في اجتماع لمجلس الأمن القومي بالفيديو كونفرنس وقال من مكتبه في بغداد، انه يعتزم إصدار مرسوم بحل الجيش العراق. بدا بوش راضيا بذلك ولم يعترض مسؤول على حديث بريمر. وقال بريمر في هذا السياق انه لا يتذكر أي استجابة محددة من ذلك الاجتماع، مؤكدا انه اذا كان هناك اعتراض على ما قاله فإنه كان سيدوّنه. وقال مشاركون في الجلسة انه لم يكن لديهم علم مسبق بالأمر المقترح على الرغم من ان قيادة وزارة الدفاع ربما كانت على علم مسبق به. وقالوا ان تعامل بريمر مع تلك القضية كان يهدف فيما يبدو إلى حجب مسألة تسريح الجيش العراقي عن أقسام واسعة من الحكومة الاميركية حتى آخر لحظة. وفي هذا السياق قال فرانكلين ميللر، كبير المسؤولين في قسم سياسات الدفاع والسيطرة على التسلح، ان كل من له خبرة في أساليب واشنطن يدرك الفارق بين الشفافية والوضوح ومحاولات حجب بعض القضايا عن بعض الجهات. وقال ميللر ان «أكثر القرارات أهمية للاحتلال جرى تنفيذه خفية ومن دون إعطاء مستشاري الرئيس بوش فرصة النظر فيه والإدلاء بآرائهم بشأنه للرئيس». بريمر من جانبه أصر على أنه لا يحاول تجنب التدقيق والمساءلة، وأكد انه كدبلوماسي تدرب على توصيل القضايا بالقنوات المناسبة. وقال انه كانت لديه تعليمات واضحة من الرئيس للإبلاغ عن الأشياء عبر رامسفيلد، مؤكدا انه كان يتبع التسلسل القيادي الذي وضعه الرئيس. وقال ان عمليات التنسيق داخل الوزارات ليست مسؤوليته. ثمة جدل مماثل بشأن دور رؤساء هيئة الاركان المشتركة؛ ففي مذكرة وجهت من مكتب فيث الى مكتب سلوكومبي جاء فيها ان الهيئة المشتركة، التي كانت تعمل كسكرتارية لرؤساء الهيئة ادرجت تعليقاتها حول مسودة مرسوم تسريح الجيش العراق، إلا ان القرار جاء مفاجأة للضباط المطلعين على المسائل ذات الصلة بإعادة إعمار العراق. وقال رتيشارد مايرز، وهو جنرال متقاعد كان يعمل في القوات الجوية وعمل في ذلك الوقت رئيسا لهيئة الاركان المشتركة، ان هذه القضية لم تخضع للنقاش بواسطة رؤساء الهيئة، مؤكدا انه لا يتذكر أي نقاش حول هذه القضية. اتهامات مضادة لم يضع مرسوم 23 مايو نهاية للجدل الذي كان دائرا خلف الكواليس. وبعد عدة اسابيع حدد سلوكومبي خلال اجتماع شارك فيه كل من بريمر والكولونيل أغوغليا عناصر خطة لبناء جيش عراقي جديد يتشكل من ثلاث فرق على مدى عامين ويكون قوامه قرابة 40000 جندي وضابط. إلا ان أغوغليا، الذي عمل في بغداد ممثلا للقيادة الوسطى، قال في لقاء اجري معه في وقت لاحق إنه تفاجأ بالحجم المحدود للقوات كما جاء في المقترح، في وقت كان يواجه فيه الجيش الاميركي عدة مشاكل أمنية في العراق. إلا ان بريمر دافع عن القرار بعد مرور ما يزيد على اربع سنوات على إعلانه، فقد قال في مقال له نشرته «نيويورك تايمز» في 6 سبتمبر (ايلول) من العام الماضي ان «استمرار جيش صدام حسين لا يعني سوى كارثة سياسية لأنه في نظر الأغلبية الساحقة للعراقيين رمز للسطوة السنية بقيادة حزب البعث».

*خدمة «نيويورك تايمز»