بعد 5 أعوام: واشنطن متمسكة بصواب قرار الحرب رغم الشكوك في مبرراتها

محاسبة النظام العراقي لانتهاكاته ضد الشعب كانت أقل أهمية في بدء الحرب وأكثرها إثباتا

جندي اميركي خلال عمليات قتالية في العراق (ارشيف «الشرق الأوسط»)
TT

5 سنوات مرت على الحرب التي هزت المنطقة والعالم واثارت جدلا لم يتوقف حتى الان ولايزال العراق الجديد يتحسس خطواته في مسيرته السياسية والاقتصادية المتعلقة باعادة البناء بعد ان دفع تكلفة بشرية عالية في اعمال العنف التي عصفت به باشكال غير مسبوقة.

واذا كانت الحياة لدى الشعوب لا تتوقف والتطورات اليومية تقلب الموازين والاوضاع، فانه من المهم عند محطات زمنية فاصلة معينة التوقف للتأمل ومراجعة المسيرة ومحاولة قياس كفتي الميزان اي الايجابيات والسلبيات.

وسيبقى يوم 20 مارس علامة فارقة بين عهد وآخر في تاريخ العراق وسينشغل به المؤرخون لسنوات طويلة، لكن لا احد يستطيع من الان معرفة حكم التاريخ لان «العراق الجديد» الذي تم الحديث كثيرا عنه في الحرب وبعدها لايزال في علم المجهول، والمسيرة لم تستقر بعد او تنتهي خضاتها التي تؤثر على الحياة اليومية للعراقيين، ولايزال هناك ملايين العراقيين اما نازحون في الداخل او الخارج.

السنة الخامسة قد تكون فارقة اذا استمرت عملية الانخفاض النسبية في وتيرة اعمال العنف، وهو اختبار مهم للساسة العراقيين لانجاز الملفات العالقة المتعثرة التي تهدد وحدة البلاد سواء على صعيد الدستور او اجراءات المصالحة وشكاوى التهميش والفساد.

المواطن العراقي نفسه اثبت ان ارادة الشعب قوية فقد خاطر الناس بحياتهم متحدين التفجيرات والتفخيخات وتوجهوا ثلاث مرات خلال عام 2005 الى صناديق الاقتراع: في الاولى في يناير (كانون الثاني) لانتخاب اعضاء برلمان مؤقت والثانية في أكتوبر (تشرين الأول) للاستفتاء على الدستور والثالثة في ديسمبر (كانون الأول) لانتخاب برلمان دائم.. «الشرق الأوسط» كانت أول صحيفة عربية تدخل «العراق الجديد» وتعايش تجربته عن قرب، وها هي تستعيد ابتداء من اليوم وعلى مدى الأيام مخاضات السنوات الخمس الأولى من عمره راصدة «أخطاءه» و«انجازاته» ومستعرضة حاضره ومستشرفة آفاقه المستقبلية.

بعد خمس سنوات من الحرب على العراق، مازالت اسباب خوض تلك الحرب مصدر جدال واثارة حول العالم، خاصة بين المعارضين للحرب في الولايات المتحدة، التي قادت الحرب، والمملكة المتحدة التي ساندتها. وعلى الرغم من التغيير الشاسع على واقع الارض في العراق والاولويات التي تشغل المواطن العادي، الا ان اسباب الحرب تحلق ابداً في الافق ضمن محاولة لفهم اسباب الفشل في تأمين الأمن في البلاد والسيطرة على الوضع، بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وكان المسؤولون الاميركيون والبريطانيون يعدون ثلاثة اسباب لشن الحرب، اولها التي سلطت الاضواء عليها، والتي استخدمتها واشنطن في حججها امام مجلس الأمن، كانت ترتكز على الاعتقاد بأن نظام صدام حسين يمتلك اسلحة دمار شامل.

وتعتبر احدى النقاط الفاصلة في الجدول الزمني لخوض الحرب في العراق، شهادة وزير الخارجية الاميركي آنذاك كولن باول امام مجلس الامن في 5 فبراير (شباط) 2003، لشرح الموقف الاميركي من العراق وتبريرها شن الحرب. وعدد باول في خطاب مزج بين التصريحات السياسية والمعلومات الاستخباراتية والشهادات من مصادر معروفة وغير معروفة، الاسباب التي تدفع الولايات المتحدة الى مطالبة مجلس الامن بالسماح لتحالف دولي بشن حرب على العراق، ابرزها تطبيق القرار 1441 الذي اقره مجلس الامن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، والذي وجد العراق «خارقاً للتعهدات» بضمان نزع سلاحه النووي والسماح للمفتشين الدوليين بالقيام بمهمتهم. وقال باول حينها: «الغرض من ذلك القرار حول نزع اسلحة الدمار الشامل من العراق، فقد وجد العراق خارقاً لتعهداته بموجب 16 قراراً وخلال 12 عاما». وكان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي قد ابلغ مجلس الأمن بتاريخ 27 يناير (كانون الثاني) 2003، بأنه «لا يبدو ان العراق تقبل حقاً، حتى اليوم، نزع السلاح الذي طلب منه». واستناداً الى هذه العبارة، اكد باول وغيره من المسؤولين الاميركيين على التهديد الذي قال ان اسلحة الدمار الشامل العراقية تشكله، وقال في شهادته امام مجلس الأمن، الذي بث على الهواء مباشرة حول العالم يومها، ان الولايات المتحدة لديها معلومات خاصة تشير الى امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل. وأضاف: «الحقائق وتصرفات العراق تظهر أن صدام حسين ونظامه يخفون جهودهم لتصنيع المزيد من اسلحة الدمار الشامل»، ليتابع ان «الامم المتحدة تقدر انه من الممكن ان يكون صدام حسين قد صنع 25 الف لتر من الانثراكس». ولكن خلال حرب عام 2003 لم يستخدم النظام العراقي السابق اية اسلحة بيولوجية أو نووية، على عكس ما كانت تخشاه بعض الدول المجاورة والمشاركة في الحرب. وعلى الرغم من ان شهادة باول تضمنت خرائط وصورا ملتقطة بالاقمار الصناعية، لم تظهر ايا من المواقع التي قيل انها مقرات لمختبرات نووية بعد الحرب. كما انه خلال السنوات الخمس الماضية لم تعثر القوات المتعددة الجنسية على دليل على وجود هذه الاسلحة، مما جعل الجماعات المعارضة للحرب، وعلى رأسها «تحالف اوقفوا الحرب»، تتهم الحكومتين الاميركية والبريطانية بالكذب على شعبيهما لخوض الحرب.وعند الحديث مع الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مايكل بتليير حول عدم ثبوت وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق، فانه شدد على موقف الادارة الاميركية، الا وهو الحديث عن حاضر العراق ومستقبله، بدلاً من الماضي، على الرغم من تأكيده على «تعلم الدروس مما حدث». وقال بتليير لـ«الشرق الأوسط»: «تجد الولايات المتحدة نفسها تتعامل مع الواقع الحالي والنظر الى المستقبل وكيفية دفع العراق الى الامام، فلسفتنا هي التطلع الى المستقبل». وأضاف في اجابة على مسألة عدم وجود اسلحة دمار شامل في العراق، على الرغم من الوثائق والتسجيلات التي عرضتها الولايات المتحدة قبل الحرب: «يبدو ان الكل ينسى انه لم يكن المسؤولون الاميركيون وحيدين في اعتبار العراق مصدر تهديد للسلم الدولي، فكان هناك اجماع عام على أننا بحاجة الى اخذ هذا التهديد على محمل الجد». وبالاضافة الى الاشتباه في امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل، شددت الولايات المتحدة على علاقة العراق بـ«الارهاب». وحاولت الادارة الاميركية الربط بين نظام صدام حسين وتنظيم «القاعدة» لتصوير الحرب في العراق ضمن اطار الرد على هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 على الولايات المتحدة. وقال باول في شهادته: «العلاقة بين العراق والارهاب تعود الى عقود من الزمن»، معتبراً ان علاقة العراق بـ«جبهة التحرير الفلسطينية» ضمن هذه العلاقة.

واكد باول على علاقة النظام العراقي السابق بأبو مصعب الزرقاوي، الذي وصفه بـ«قائد شبكة ارهابية قاتلة» في العراق. وأضاف ان «الزرقاوي وحوالي 24 من المتطرفين يتحركون ويديرون عمليات بحرية في العاصمة (بغداد) لاكثر من 8 اشهر». وعلى الرغم من ان الدلائل على هذه العلاقة لم تظهر فور انتهاء الحرب، اصبح الزرقاوي قائد «القاعدة في بلاد الرافدين» واعلن مسؤوليته عن مقتل المئات من العراقيين في هجمات انتحارية بعد سقوط النظام السابق. واصبح الزرقاوي احد اشد اعداء الحكومة العراقية الجديدة وقوات التحالف حتى مقتله في يونيو (حزيران) 2006. ولكن كان باول قد قال ان «ارهاب الزرقاوي غير منحصر في الشرق الاوسط، بل انه وشبكته خططوا لاعمال ارهابية ضد دول عدة منها فرنسا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وروسيا»، في سعي لكسب تأييد دولي اوسع للحرب في العراق. وربطت الولايات المتحدة عام 2003 بين احتمال امتلاك العراق اسلحة دمار شامل وعلاقته بـ«القاعدة»، والتهديد المتمثل بتزويد «القاعدة» باسلحة الدمار شامل. ولكن لم تظهر بعد ادلة على هذا الربط، بل صدر الاسبوع الماضي تقرير من معهد فكري مرتبط بوزارة الدفاع الاميركية اكد انه لا توجد ادلة على تعاون مباشر بين العراق و«القاعدة». ورداً على سؤال حول اثبات العلاقة بين العراق وتنظيم «القاعدة»، وتقوية «القاعدة» في العراق بدلاً من دحرها بعد سقوط نظام صدام، قال بتليير: «كانت هناك دائما تقلبات حول طبيعة العلاقة بين الطرفين»، مضيفاً: «علينا التركيز على الفكرة الاكبر وهي ان نظام صدام حسين هدد دول الجوار وهدد شعبه وارتبط بمجموعات مختلفة مرتبطة بالعنف». وتابع: «علينا الا ننسى تهديد صدام حسين للمنطقة». وكان معارضون لنظام صدام يشددون على انتهاكات حقوق الانسان كسبب لقلب النظام العراقي، ولكن لم يركز المسؤولون الاميركيون كثيراً على هذه النقطة. وكان باول قد اشار الى موضوع حقوق الانسان في خطابه في فبراير (شباط) 2003، قائلاً: «يجب ان تكون انتهاكات صدام حسين لحقوق الانسان مبعث قلق عميق ومتواصل لمجلس الأمن». واعتبر ان «اساليب صدام حسين اللئيمة تجاه مواطنيه وجيرانه تدل بوضوع على نوايا صدام الخطيرة والتهديد الذي شكله لنا كلنا». ورداً على سؤال حول الاسباب وراء عدم تركيز واشنطن على انتهاكات صدام حسين لحقوق الانسان كاحد الاسباب الاساسية لاسقاط نظامه، اكتفى بتليير بالقول: «كان هناك اهتمام كبير بانتهاكات حقوق الانسان، ونحن نؤمن باهمية ذلك ليس فقط في العراق بل حول العالم». وبينما لم يعثر على اسلحة الدمار الشامل في العراق، عثر على رفات حوالي 400 الف عراقي في مقابر جماعية حول العراق بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. وربما من ابرز تبعات الحرب في العراق على الساحة الدولية هي فقدان مصداقية الاجهزة الاستخباراتية الاميركية والبريطانية، التي قال المسؤولون انهم استندوا اليها في شن الحرب على العراق. كما ان فقدان هذه المصداقية يؤثر على قابليات الدول التي شاركت في حرب عام 2003 لإقناع شعوبها مجدداً بشن حرب استباقية مبنية على معلومات من اجهزة الاستخبارات. وتعتبر الازمة الحالية بين ايران ومجلس الأمن حول برنامج طهران النووي مثالاً حياً لهذه قضية، اذ تواجه تصريحات من مسؤولين اميركيين حول برنامج ايران النووي بتشكيك كبير من جهات سياسية واعلامية واسعة حول العالم. واعتبر مسؤول اميركي سابق، طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع، ان تقييم الاستخبارات الاميركية لبرنامج ايران النووي، الذي نشر في نوفمبر الماضي، كان محاولة من اجهزة الاستخبارات لتكون «حريصة الى حد المبالغة من اجل التقليل من تأثير تقريرها وعدم تحميلها مسؤولية حرب اخرى». ولكن الادارة الاميركية ترفض هذا الربط. وشدد بتليير من جانبه على ان «ايران ليست العراق. والوضعان مختلفان وكل قضية لها خصوصيتها». ولكنه اردف قائلاً: «بالتأكيد هناك دروس تعلمناها في العراق في النظر الى التحديات الاخرى للسلم العالمي اليوم». وخلص الى القول «يقول الرئيس (الاميركي جورج) بوش دائماً اننا سنترك تقييم العراق الى كتب التاريخ، فمن المبكر حتى الآن تقييم الصورة كلها».