واشنطن تكافح الإرهاب العالمي بأسلوب الحرب الباردة

ردع الإرهابيين أكثر صعوبة من ردع هجوم سوفياتي

TT

أعلنت حكومة بوش للحرب غداة هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 ان من المستحيل ردع العناصر الارهابية الاكثر تشددا من تنفيذ المزيد من العمليات الارهابية المدمرة مستخدمين اسلحة بيولوجية وكيماوية ونووية. إلا ان مسؤولين عسكريين واستخباراتيين يعملون في مجال مكافحة الارهاب بدأوا العدول عن وجهة نظرهم السابقة إزاء هذه المسألة. إذ عقب تجميع معلومات وتفاصيل حول كيفية عمل المنظمات الارهابية توصلوا الى انه من الممكن التوصل الى موقف راجع من خلال تنسيق عدد من الجهود، وهي الاستراتيجية التي ساعدت على حماية الولايات المتحدة من أي هجوم نووي سوفياتي خلال فترة الحرب الباردة. وجرى التركيز بصورة رئيسية على شبكة الانترنت، التي تعتبر ملاذا آمنا للشبكات الارهابية. وكانت السلطات الاميركية قد شنت عملية سرية لدس رسائل بريد الكتروني مزيفة ورسائل على بعض المواقع بغرض مواجهة جهود الارهابيين الرامية الى التخطيط لشن هجمات وجمع تبرعات وتجنيد اعضاء جدد عبر الشبكة. ففي مدينة نيويورك يلتقي ما يزيد على 100 من أفراد الشرطة مرتين يوميا من مختلف مناطق المدينة في أوقات ونقاط يتم اختيارها عشوائيا مثل «تايمز سكوايار» او حي المال، وذلك بغرض التدريب على الرد على هجوم ارهابي. ويقول مسؤولو شرطة المدينة ان العمليات ستكون بمثابة تكتيك حاسم لدفع المتطرفين الى التخمينات بشأن زمان ومكان الوجود المكثف للشرطة. وقال مسؤول في الشرطة انهم بدأوا في دراسة أفكار أكثر تطورا بشأن الردع والنظر الى كل فكرة على حده. وأقر مسؤولون حكوميون بأن هذه الجهود تشكل ثاني افضل حل. ويظل أفضل سبيل لمكافحة الإرهاب هو إلقاء القبض على المتطرفين أو قتلهم، وتبدو عملية التركيز على الردع في بعض الجوانب اشبه بعملية إطلاق تسمية جديدة على أدوات قديمة. وتنص استراتيجية الأمن القومي لعام 2002، التي وقع عليها الرئيس بوش بعد عام من هجمات 11 سبتمبر، على ان «المفاهيم التقليدية للردع لن تنجح ضد عدو ارهابي مصمم على إلحاق أكبر قدر من الدمار واستهداف الأبرياء». وبعد مرور اربع سنوات خلصت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب الى أن حسابات جديدة لردع الارهابيين ومؤيديهم والحيلولة دون شنهم لهجوم باستخدام اسلحة دمار شمال ومنعهم من شن هجوم، ولأسباب واضحة، ردع الارهابيين اكثر صعوبة من ردع هجوم سوفياتي. ولكن على مدى ست سنوات ونصف السنة منذ هجمات 11 سبتمبر نجح قادة ارهابيون، بمن فيهم اسامة بن لادن ونائبه ايمن الظواهري في الفرار من محاولات اعتقالهما، وقال مسؤولون اميركيون انهم ادركوا الآن ان التهديد باغتيال قادة ارهابيين ليس كافيا لإبقاء أميركا آمنة. لذا فإن مسؤولين اميركيين قضوا السنوات السابقة في تحديد «المناطق» التي يعتبرها المتطرفون مهمة للغاية، وأشاروا الى انهم يعتقدون ان سمعة الارهابيين ومصداقيتهم مع المسلمين من أهم الجوانب. وطبقا للتحليل الجديد، تحت ظل هذه النظرية اذا زرعت بذور الشك في ذهن القيادة الاستراتيجية لتنظيم «القاعدة» بأن أي هجوم سيعتبر في نظر الآخرين عملية قتل مخزية للأبرياء، فإن أمر التنفيذ ربما لا يصدر. وأقر مسؤولون بارزون بأن من الصعوبة إثبات الدور الذي لعبته هذه التكتيكات والاستراتيجيات الجديدة في إفشال مخططات او ردع «القاعدة» منعا لشن أي هجوم. وقال مسؤولون كبار ان هناك عدة نجاحات حققتها الطرق الجديدة في مكافحة الإرهاب، إلا ان معظمها يتضمن برامج فنية سرية، بما في ذلك العمليات على الانترنت. ورفض المسؤولون الدخول في تفاصيل حول هذه القضية. الارهابيون ليست لديهم أهداف واضحة تستهدفها الولايات المتحدة عند الرد مثل المدن والمصانع والقواعد العسكرية السوفياتية والصوامع طبقا لسياسة الردع خلال الحرب الباردة. كما ان تحديد موقع زعيم جماعة ارهابية اكثر صعوبة من تحديد موقع مكاتب أعضاء المكتب السياسي بالكرملين خلال فترة الحقبة السوفياتية. وقد أشاروا بالفعل الى بعض الأمثلة القديمة والمعلنة الآن والتي تكشف عن ان جهودهم تسير في الاتجاه الصحيح.

وكتب جورج تينيت، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، في سيرته الذاتية ان السلطات كانت تشعر بالقلق من ان عناصر «القاعدة» أعدت خططا عام 2003 لمهاجمة قطارات الأنفاق في نيويورك سيتي باستخدام السيانيد.

وذكرت تقارير ان الظواهري ألغى الخطة لأنه كان يخشى من أنها «ليست ملهمة على نحو كاف لخدمة طموحات القاعدة» ويمكن أن تصور باعتبارها شاحبة بل ومذلة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وفي عام 2002 بدأ ايمن فارس، وهو مواطن أميركي من كشمير استطلاع جسر بروكلين من أجل وضع خطة لهجوم، واتصل بزعماء «القاعدة» في باكستان عبر رسائل مشفرة حول استخدام مشعل من أجل تدمير الكيبلات.

ولكن بحلول اوائل عام 2003 ارسل فارس رسالة الى رؤسائه يقول فيها ان «الطقس حار جدا». وقال مسؤولون أميركيون ان ذلك كان يعني ان فارس كان يخشى احتمال عدم نجاح الخطة، ويعود أحد اسباب ذلك الى الاجراءات الأمنية المتزايدة. وقال بول براون المتحدث باسم رئيس قسم الشرطة في نيويورك سيتي «كان لنا وجود ظاهر تماما هناك وربما اسهم ذلك في الموضوع. فالردع هو سدى ولحمة لجهدنا بأسره».

قال ديل ديلي، رئيس قسم مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية ان «مركز جذب القاعدة والارهابيين الاخرين يكمن في مجال المعلومات، وهناك يتعين علينا ان نوجه جهودنا». وترتبط بعض جهود مكافحة الارهاب الأكثر سرية لدى الحكومة بشل عمليات الارهابيين على الانترنت. وما دام الارهابيون يشعرون بالأمان في استخدام الانترنت لنشر آيديولوجيتهم وكسب مجندين فقد يكونون قادرين على التدخل في بعض ذلك واعاقة بعض آخر. كما أنه بوسعكم توجيه رسائل معاكسة لذلك»، وفقا لما قاله شيسلر.

ومن ضمن النظريات القديمة التي يعرضها كبير خبراء البنتاغون مايكل فيكرز هو توفير المعلومات للقوات الخاصة في ارض المعركة لقتل او اعتقال الارهابيين، ولكن مع كل يوم يمر كانت هناك نظريات افضل لمنع العمليات الارهابية واختراق شبكات الاصوليين على الانترنت. واضاف فيكرز ان إعاقة الارهابيين قد تكون صعبة ولكن اعاقة شبكات التجنيد والتمويل والدول التي توفر المأوى للارهابيين قد تحقق انجازات افضل .

* خدمة «نيويورك تايمز»