أوباما.. بين الانتقادات لتلاعبه بمشاعر السود والبيض والترحيب بواحد من أهم خطاباته

الإعلام الأميركي ينشغل بتحليل خطابه حول الأعراق.. وهيلاري قالت إنها لم تقرأه

TT

أثار الخطاب الذي ألقاه المرشح الديمقراطي باراك اوباما في فيلادلفيا، والذي تعرض فيه لموضوع الانقسامات العرقية داخل المجتمع الاميركي، جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة. واعتبرته بعض شبكات التلفزيون، انه أهم خطاب سياسي في تاريخ اميركا الحديث، يماثل في أهميته الخطاب الذي القاه الرئيس السابق جون كنيدي في بداية الستينات، وتحدث فيها عن مذهبه الكاثوليكي المخالف لمذهب الأغلبية الساحقة من الاميركيين. وواصلت الشبكات الرئيسية «سي.ان.ان» و«ان.بي.سي» و«سي.بي.أس» امس، بث فقرات من الخطاب، وركزت على صور بعض الحاضرين الذين أجشهوا بالبكاء، وهم يستمعون لخطاب استغرق 37 دقيقة، كتبه اوباما بنفسه، وارتجله بطريقة أثرت على مشاعر الكثيرين، خاصة عندما تحدث عن نفسه وقال: «أنا ابن رجل أسود من كينيا، وامرأة بيضاء من كنساس.. تزوجت من أميركية سوداء تجري في عروقها دماء العبودية، وايضاً أسياد العبيد، ونقلنا هذه الدماء الى بنتين عزيزتين.. لدي أخوة وأخوات وبنات عم، وابناء عم واعمام واخوال وعمات من مختلف الاعراق، يعيشون في ثلاث قارات، وطيلة حياتي لن أنسى على الاطلاق أن قصتي لا يمكن ان تحدث في اي بلد آخر في العالم»، في إشارة الى أهله في كينيا وأخته من أب اندونيسي تزوج أمه، بعد ان هجرها والده الكيني.

وبعد هذه الفقرة، شوهدت الدموع في مآقي زوجته ميشيل، التي كانت تجلس في القاعة تصفق لزوجها بحرارة.

وجاء أداء اوباما وطريقته في الالقاء مختلفة كلياً عن اسلوبه الخطابي المعتاد، وكان خطابه شجيا ومؤثراً، وكأنه يرسل رسالة مودة تضمد جراح الاميركيين السود، وتعمل على تهدئة مشاعر القلق الآخذة في التزايد لدى البيض المحافظين من رؤية رئيس اسود في البيت الأبيض. واعتبر محللون ان خطاب اوباما يعد أهم ثالث خطاب له، لكنه الاكثر عمقاً، وذلك بعد الخطاب الذي أدى الى بروزه في مؤتمر الحزب الديمقراطي في عام 2004 عندما قدم المرشح الرئاسي آنذاك جون كيري، وجعل منه أكثر النجوم لمعاناً في صفوف قادة الحزب الشباب. وهو الخطاب الذي قال فيه: «لا يوجد شيء اسمه بيض اميركيون او افارقة اميركيون او هسبانك أو آسيويون اميركيون، بل هناك فقط الولايات المتحدة الأميركية». وكان الخطاب الثاني الذي القاه في بداية الحملة الانتخابية، عندما فاز في ولاية ايوا، واستعمل فيه لأول مرة لازمته الشهيرة «نعم يمكننا ذلك». وطبقاً لاستطلاع للرأي نظم امس تبين ان 61 في المائة من الاميركيين، يعتقدون ان اوباما ترك خلفه المسألة العرقية، بعد الضجة التي اثارتها ملاحظات القس جيريمياه رايت، الذي تولى تلقين اوباما مبادئ المسيحية، في حين يرى 31 في المائة أن عليه ان يشرح اكثر.

وقال محلل في شبكة «سي.ان.ان»: «قبل الخطاب كان هناك اختبار له، وبعد الخطاب اصبح هناك اختبار لنا، لقد تحدى اوباما بهذا الخطاب نفسه كما تحدى اميركا».

وتحدث اوباما في اقوى لحظات خطابه عن المشاعر التي تختلج في دواخل البيض، وتمنعهم كوابح عديدة من الحديث عنها علناً، واختار ان يتحدث على لسان جدته البيضاء عن هذه المشاعر، منتقداً في الوقت نفسه تعليقات القس رايت التي كانت تهدف الى الحط من سلوك بعض البيض تجاه السود، وقال: «لا يمكنني التبرؤ منه، كما لا يمكنني التنكر لمجتمع السود أو اتنكر لجدتي البيضاء، التي تولت تربيتي، والتي ضحت من أجلي، لكنها اقرت في يوم من الايام، انها  تخشى الرجال السود الذين يمرون بالقرب منها في الشارع، والذين في أكثر من مناسبة ينطقون كلمات عرقية بطريقة نمطية، تجعلني أشعر بالخزي. هؤلاء الأشخاص يشكلون جزءا مني، ومن اميركا البلد الذي أحب». وقال اوباما إن الغضب الذي يشعر به السود، يشعر به ايضاً البيض: «معظم افراد الطبقة الوسطى من البيض، لا يشعرون ان أصولهم العرقية تشكل لهم امتيازاً.. عندما يعلمون ان وظيفة ما او مقعداً في كلية، قد قدمت الى افريقي اميركي مكافأة له، وتعويضه عن سنوات التمييز العنصري».

وقال متعاطفون مع اوباما، إنه وجه أعنف توبيخ للتاريخ الاميركي، الذي كان يساوي بين بعض البشر والدواب، بيد ان وسائل الاعلام ركزت على تعليق اثنين من بين كثيرن تحدثوا عن خطاب اوباما، وهما هيلاري كلينتون والمرشح الديمقراطي المنسحب جوزيف بيدن. وقالت هيلاري انها لم تقرأ الخطاب، لكنها مسرورة جداً ان اوباما تحدث عن موضوع الاعراق. واضافت «علينا ان نتذكر ان هذه لحظة مهمة في تاريخ الحزب الديمقراطي، الذي سيرشح اول افريقي اميركي أو امرأة لمنصب رئيس الولايات المتحدة».

أما بيدن فقال: «لقد تحدث اوباما عن تاريخ اميركا، تحدث عن الأشياء الجيدة والأشياء السيئة، واعتقد ان حديثه يشكل خطوة متقدمة في مجال العلاقات العرقية في بلادنا».

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» التي كتبت ثلاث افتتاحيات حول الخطاب: «كان مثل خياط معه ابرة وخيط، ويحاول بمهارة خياطة صورة عميقة لشخصيته مع صورة شعب في حالة انفصام عرقي».

الا ان الخطاب لاقى اعتراضات من البعض، واعتبر ميغيل البرتو وهو كاتب افتتاحيات ومعلق تلفزيوني، ان خطاب اوباما لم يعالج القضية الاساسية، وهي الاعلان صراحة عن «فك ارتباطه مع القس جيريمياه رايت كما انه لم يحدد كيفية ان تعالج اميركا نفسها من الجراحات والحساسيات العرقية». واضاف: «قال لنا إن الحل هو النسيان، لكن هو نفسه لم ينس مشاعرعرقية كانت تتحدث عنها جدته». وقال إن اوباما اراد ان يرضي السود والبيض على حد سواء، لكن اختار ان يتلاعب بالمشاعر ليصل الى ذلك.

وفي السياق نفسه قال مايكل البرتو سبرانو، وهو من نشطاء حملة هيلاري كيلنتون في نيويورك: «اراد اوباما ان يمنح انطباعاً بأنه لا يكترث للانقسامات العرقية، لكنه في نهاية المطاف حاول كذلك ان يوظفها لصالحه، عندما شدد على انه مرشح توافقي لأنه نصف ابيض ونصف أسود». وقال إن اوباما لم يكن مقنعاً، مشيراً الى ان بث شرائط جديدة للقس رايت تعبر عن افكاره المتطرفة، ستضع اوباما في مأزق حقيقي. ونسب الى انثيا باتلر استاذة الديانات الاميركية السوداء في جامعة روشستر (نيويورك) قولها، ان عبارة «ما  بعد العنصرية» لا تعني شيئا في ما يتعلق بباراك اوباما، «فهو لم ينس (من خلال خطابه) انه اسود، وانه خلاسي، وان نقطة دم سوداء واحدة في هذا البلد، تكفي ليكون المرء اسود». وقالت باتلر «الحديث عما بعد العنصرية، يعني نسيانها وتخطيها وليس هذا ما يقوله اوباما».