الحكومة مفتاح أزمات الكويت السياسية

TT

شهدت الكويت منذ بداية عهدها الدستوري في العام 1963 عدة أزمات سياسية بين القطبين الرئيسيين، البرلمان والحكومة.

وكانت كفة المخارج من هذه الأزمات غالبا ما تميل ناحية الحكومة التي ترى في خصمها البرلمان ندا قويا، يعيقها عن العمل والإنجاز ويعطل خططها التنموية التي تكتفي بالتصريح بها دون أن تقدمها بشكل فعلي، وهو الأمر الذي يأخذه عليها النواب باختلاف توجهاتهم.

حل البرلمان منذ العام 1963 خمس مرات، ثلاث منها بشكل دستوري استلزمت الدعوة لانتخابات مبكرة في أعوام 1999 و2006 و2008، فيما عُلق العمل بالدستور وألغي البرلمان بشكل غير دستوري عامي 1976 و1986.

وتقوم الكويت على أساس صيغة الحكم المشترك بين الشعب ممثلا بالبرلمان وبين الأسرة الحاكمة التي يمثلها أمير البلاد.

ويحتوي الدستور الكويتي على 183 مادة تغطي أساسيات ومقومات الدولة ونظام الحكم، والمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، والحقوق والواجبات العامة، وآلية عمل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وتعطي المادة 107 من الدستور الحق لأمير البلاد بحل البرلمان بموجب مرسوم تبين فيه أسباب حله، كما لا يجوز حل البرلمان لذات الأسباب مرة أخرى، ومتى ما حل البرلمان وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز الشهرين من تاريخ الحل، وإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن ويواصل أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد.

ومرت الكويت منذ وضع دستورها عام 1962 بأربع أزمات حقيقية على الصعيد الديمقراطي أدت إلى تعطيل العمل بالدستور، الأولى عام 1967 حينما زُورت الانتخابات، فيما حل البرلمان مع تعطيل العمل بالدستور خلال الفترة 1976 – 1980، و1986 – 1992، وتخللت هذه الفترة مواجهات أمنية بين قوى الأمن والمعارضة، وخرجت تجمعات شعبية للمطالبة بإعادة العمل بالدستور، كما تعرضت الحريات العامة خلال فترات الحل غير الدستوري للتقييد من قبل السلطات الأمنية، وفرضت رقابة مسبقة على الصحف.

ومنذ عودة الحياة النيابية عام 1992 بعد الغزو العراقي على الكويت، انتخب الكويتيون خمسة مجالس نيابية، انتهت ثلاثة منها بالحل الدستوري، أعوام 1999 و2006 و2008، نتيجة لتعاظم دورها الرقابي على حساب التشريع، إذ زادت الاستجوابات المقدمة من النواب بحق الوزراء، وارتفعت معها معدلات استقالة الوزراء الذين يتهمهم النواب بالضعف والفشل بتسويق برامجهم.

ودائما ما كان الوضع الإقليمي حاضرا في السياسة الداخلية الكويتية، فقد كانت الحكومة ترفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أثناء مواجهتها لنظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، وتحولت الآن إلى ما تشهده المنطقة من تصعيدات على مستوى المواجهة الأميركية الإيرانية من جهة، وما يحدث في العراق من عمليات إرهابية من جهة أخرى.

كما شهدت الكويت مواجهات بين الحكومة وقوى المعارضة عام 2006 على خلفية مقترح يقضي بتعديل تقسيم الدوائر الانتخابية، والذي قاد إلى حل البرلمان ونزول نواب المعارضة للشارع الذي أنصفهم، وأعاد معظمهم للبرلمان في دورته الحالية.

ومنذ بداية البرلمان الأخير عمله قبل عامين تأزمت علاقته مع الحكومة على أكثر من ملف، من بينها مطالبة نواب بإسقاط القروض عن المواطنين، وتجاوزات الحكومة خلال الانتخابات الأخيرة، إلى جانب معالجة التدهور الرياضي، وقدمت خلاله سبعة استجوابات أدت إلى استقالة ستة وزراء.

وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الكويتية فقد جاءت استجوابات النواب خلال الدورة الأخير للبرلمان بحق وزير الإعلام محمد السنعوسي في ديسمبر 2006 من قبل النائب فيصل المسلم بداعي التعدي على الحريات وإخلاله بمبدأ التعاون بين السلطتين وأدائه لمسؤوليات وزارته، وأدى الاستجواب إلى استقالة الوزير في 17 ديسمبر قبل يوم واحد من موعد جلسة المناقشة.

وفي 17 يناير 2007 قدم النواب جمعان الحربش ووليد الطبطبائي وأحمد الشحومي استجوابا لوزير الصحة الشيخ أحمد العبد الله الصباح، حول تجاوزات إدارية وهجرة الأطباء وتدهور الخدمات الصحية، استقالت إثره الحكومة قبل جلسة طرح الثقة.

كما قدم النواب مسلم البراك وعبد الله الرومي وعادل الصرعاوي في 10 يونيو 2007 استجوابا لوزير النفط الشيخ على الجراح الصباح وكان موضوعه إخلال الوزير بواجباته واستعانته باستشارات مما يعتبر انحرافا بالسلطة ومحاولة للتأثير على الرأي العام وتقصير الوزير وإخلاله بواجباته الدستورية في اتخاذ الإجراءات القانونية وأهمها الإحالة للنيابة في حق مسؤولين في قطاع التسويق العالمي بمؤسسة البترول الكويتية يتهمون بارتكاب مخالفات مالية وإدارية، وتمت مناقشة الاستجواب وتقديم طلب بطرح الثقة عن الوزير الذي قدم استقالته قبل موعد جلسة طرح الثقة.

وفي 25 أغسطس 2007 قدم النائبان وليد الطبطبائي وفيصل المسلم استجوابا لوزير الصحة معصومة المبارك على خلفية حريق اندلع في مستشفى الجهراء (شمال العاصمة الكويت) واتهموها بالإهمال، فاستقالت الوزيرة يوم تقديم الاستجواب.

وكان الاستجواب الخامس من نصيب وزير المالية بدر الحميضي في 22 أكتوبر 2007 من النائب ضيف الله بورمية، وموضوعه مخالفات مالية وتجاوزات إدارية في الهيئات التابعة لوزارة المالية، وقد تم تدوير الوزير وتولى وزارة النفط ثم استقال بعد ثمانية أيام من تدويره.

وفي ذات اليوم قدم النائبان وليد الطبطبائي وعلي العمير استجوابا لوزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الله المعتوق، موضوعه فساد في وزارة الأوقاف ومخالفة الأسس التي تم بموجبها تخصيص قطعة ارض للأمانة العامة للأوقاف، ومصاريف المساجد والهدر في المال العام وتنفيع بعض الشركات من المال العام، والتكسب من بيع أسهم الأمانة العامة للأوقاف، إلا أن مرسوما صدر بإعفاء الوزير إثر تعديل وزاري جرى بعد ستة أيام من تقديم الاستجواب.

وكان الاستجواب الأخير بحق وزيرة التربية نورية الصبيح التي اتهمها في 24 ديسمبر الماضي النائب سعد الشريع بالتهكم على المؤسسة التشريعية وتضليل النواب وإهدار مبدأ التعاون بين السلطتين، إضافة إلى وجود تجاوزات ومخالفات إدارية وقانونية وتراجع مستوى التعليم في البلاد والاعتداء على ثوابت وقيم المجتمع.

وانتهت جلسة الاستجواب بطلب طرح الثقة إلا إن البرلمان منح ثقته بالوزيرة في 22 يناير الماضي، بتأييد 27 نائبا مقابل معارضة 19 نائبا.

يذكر أن الحياة النيابية في الكويت بدأت في يناير من عام 1963، وحل البرلمان خلالها خمس مرات الأولى كانت بشكل غير دستوري في الفصل التشريعي الرابع والذي جرت انتخاباته في 27 يناير 1975 وكان برئاسة خالد صالح الغنيم، وصدر مرسوم الحل في 29 أغسطس 1976 حينما وجه أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم كلمة إلى الشعب بعد تأزم الموقف بين الحكومة والبرلمان أعلن فيها حل الأخير، وشكلت بعده لجنة للنظر في تنقيح الدستور، وتوقفت بعدها الحياة البرلمانية في الكويت أربع سنوات.

وكان الحل الثاني في الفصل التشريعي السادس والذي جرت انتخاباته في 20 فبراير 1985 وكان برئاسة احمد عبد العزيز السعدون، وتم في الثالث من يوليو 1986 حينما وجه أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمة للشعب الكويتي أعلن فيها حل البرلمان وتعطيل بعض مواد الدستور، والأسباب التي دعته لاتخاذ هذا القرار.

وجاء الحل الثالث للبرلمان في فصله التشريعي الثامن في الرابع من مايو 1999 حينما أصدر أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد مرسوما بالحل دستوريا، بداعي تعسف بعض الممارسات النيابية باستعمال الأدوات الدستورية.

أما الحل قبل الأخير فجاء في الفصل التشريعي العاشر في 21 مايو 2006 حينما أصدر سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مرسوما بالحل والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، بداعي تشتت الرأي وانقسامه داخل البرلمان وتقاذف الاتهامات بين أعضائه وتطرق المناقشات إلى أمور غير مجدية أدت إلى تعطل أعماله وإثارة الفتن بين أطياف المجتمع وتشويه الحوار الوطني والإضرار بالمصالح العليا للبلاد. أما الفصل التشريعي الحادي عشر الذي حل أمس فقد كان أول برلمان يشهد مشاركة المرأة بالانتخابات، وجرت انتخاباته في 29 يونيو 2006 حيث تنافس على مقاعده الخمسين 249 مرشحا ومرشحة.

ويحمّل النواب في المجلس المنحل الحكومة مسؤولية الأزمة الأخيرة، كونها لم تتعامل بشكل واضح في ملفات زيادة رواتب الكويتيين وإزالة التعديات على أملاك الدولة، وتطبيق قوانين الإصلاح الرياضي.

وشدد النواب بموجب تصريحاتهم في الفترة الأخيرة على أن هناك ضعفا في القرار الحكومي، وهو ما دعاهم لتفعيل أداوتهم الدستورية والتصعيد في المخالفات التي ارتكبها الوزراء، مشددين بالمقابل على أنهم كانوا دائما ما يمدون يد التعاون ويعملون على إنجاز القوانين المهمة، والقضايا التنموية.