أعضاء مجلس الحكم السابق يكشفون لـ«الشرق الأوسط» خفايا مناقشاتهم الساخنة مع الأميركيين

علاوي لغارنر: لن أتلقى أوامر من ضابط أميركي * الجلبي: أردنا حكومة ذات سيادة * عثمان: أرادوه مجلسا استشاريا في البداية

أياد علاوي واحمد الجلبي
TT

يقول أياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق، ان اجتماعات ونقاشات مع الحاكم الاميركي العسكري الجنرال جي غارنر الذي كان قد التقى بالاحزاب العراقية الرئيسة السبعة، الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني)، والاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني)، وحركة الوفاق الوطني العراقي (بزعامة اياد علاوي)، والمؤتمر الوطني العراقي (بزعامة احمد الجلبي)، وحزب الدعوة الاسلامي (بزعامة ابراهيم الجعفري)، والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية (تحول فيما بعد الى المجلس الاسلامي الاعلى في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم)، والحزب الشيوعي العراقي (بزعامة حميد مجيد موسى)، بدأت في أواخر شهر ابريل (نيسان) وأوائل (مايو) أيار عام 2003.

واضاف علاوي «عندما التقى بنا، كان من جملة الحاضرين زلماي خليلزاد السفير الاميركي السابق لدى العراق، وكان وقتذاك يعمل في الأمن القومي مع مستشارة الأمن القومي الاميركية في حينها كوندوليزا رايس. ومن جانب الوفاق، حضرت انا وابراهيم الجنابي وعماد شبيب (اعضاء المكتب السياسي للوفاق الوطني العراقي)». وأوضح قائلا «في لقائه مع الوفاق الوطني السياسي طلب غارنر الاستماع لرؤيتنا بتشكيل حكومة عراقية. فسألته ان كان جاداً في سؤاله أم لا، فأجاب: أنا جاد في هذا الموضوع، فقلت له عندنا سؤالان حتى نستطيع الاجابة على طلبك: الأول ما هي صلاحيات وقوة هذه الحكومة التي تريدون تشكيلها، وما هي قوتها على أرض الواقع، فهل تستطيع ان تفرض بعض الصلاحيات وتدير شؤون الدولة بعد ان حلت من قبلكم ودمرتم مؤسساتها؟ والسؤال الثاني كان: ما هو ارتباط هذه الحكومة بكم وما هو دوركم فيها؟ وواصلت كلامي قائلا له: إذا كنت تعتقد ان سياسيا عراقيا مثلي سيتلقى أوامره من ضابط أميركي فانس الأمر. فسألني قائلا: كيف ستمشي الأمور اذا لم نشكل حكومة؟ فأجبته: نحن مع تشكيل الحكومة ولسنا ضدها، ولكن من الضروري تحديد ما هي قوة هذه الحكومة على الارض وكيف ستمارس سلطاتها وصلاحياتها».

يستطرد علاوي قائلا «بعد نقاشات وسجالات مطولة مع غارنر، وصلنا تقريباً الى طريق مسدود، حيث لم يكن لديه اي جواب او خطة، وعندها سألني: ما هو الحل برأيك ؟ فقلت له هناك حل واحد لا غير، وهو ان تصير سلطة عراقية وان تكون هناك صلاحيات تدريجية لهذه السلطة ثم تنتقل السيادة لها، غير هذا (ماكو اي حل) (لا يوجد حل). اما اذا كنتم تعتقدون ان بامكانكم تشكيل حكومة صورية وتأخذ أوامرها منكم، فهذا لن يتحقق».

يقول علاوي «بعد أسبوع، اتصل بي خليلزاد من واشنطن على هاتف الثريا الخاص بي، وقال بالنص ان الحكومة الاميركية ترى ان رأيك هو الصحيح والواقعي، ونحن بعد حل الدولة ليس لنا سوى هذا الخيار. وأضاف ان الحكومة الاميركية عينت شخصا جديدا اسمه بول بريمر لادارة شؤون العراق وسيصل بغداد قريباً وسيتصل بك بعد 3 ايام». ويضيف «اتصل بي السفير الاميركي رايان كروكر، وزارني في مكتبي وصار يبحث عن تصورنا حول السلطة. وشرح السفير ان بريمر يريد ان يكون هذا التصور واضحاً عندما يأتي، فقلت له بكل وضوح: نحن نريد تشكيل هيئة تنفيذية وسلطة إدارية وسلطة تشريعية وتشكيل دستوري. وأكدت له ان هذه هي الطريقة للتحرك الى أمام. وكنت ارسم له هنا في هذا المكتب (مكتب علاوي في بيته ببغداد) تصورنا لهذه المؤسسات، ولم يكن هناك مجلس حكم بل كنت أخطط له بقلمي على الورق تشكيلات الإدارة والمجلس التشريعي ومجلس دستوري هو عبارة عن مجلس خبراء. واذكر ان كروكر، (قبل ان يكون سفير الولايات المتحدة في باكستان ومن ثم العراق)، قال: هل استطيع ان آخذ هذه الاوراق، التي خططت وكتبت فيها تصوري عن المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية الدستورية، فلم أر مانعا بذلك وأعطيته إياها».

ويسرد علاوي بداية تجربة إقامة سلطة عراقية جديدة، قائلا، «في اليوم التالي، جاءني جون سوس، ممثل المملكة المتحدة الى المكتب، وأيضاً دار الحديث بذات الاتجاه ولكن بتفاصيل وتعمق أكثر. وناقشنا نقاطا مثل ما هو عدد أعضاء كل مجلس، وماذا يعني كل مجلس، وكان في رأيي ان يكون عدد اعضاء المجلس التنفيذي 11 وألا يتجاوز الـ15 في أحسن الاحوال». ويقول «وفي ذلك الوقت، كان الاخوة في القوى السياسية العراقية يعملون باتجاه تشكيل حكومة، بينما كنت اقول لهم ان مسألة تشكيل الحكومة مسألة صعبة. فكنت أكرر انه من الواجب التذكر بأن ليس عندنا شيء نبني عليه والحكومة تحتاج الى اجهزة وقضاء وأموال وشرطة وأجهزة أمنية وكل هذا غير متوفر لدينا».

لكن، وبعد خمس سنوات على الاحتلال الاميركي للعراق، يتساءل رئيس اول حكومة عراقية بعد نهاية نظام صدام حسين، عما تريده أميركا من العراق، يقول«على الادارة الاميركية ان توضح طريقتها في كيفية التعامل مع القضية العراقية والمنطقة ككل، القضية العراقية ملتهبة وحساسة وعلى اميركا ان تجيب عن كل الاسئلة التي تتعلق بهذه القضية، ان تجيب نفسها أولا عماذا تريد من العراق وماذا تريد من المنطقة؟ وماذا تريد من اصدقائها في العراق وفي المنطقة؟ وهل تريد عراقا موحدا ومسالما وديمقراطيا وقويا، ام انها تريد عراقا مجزأً ؟ هل هي معنية بالشأن العراقي ام بعيدة عنه؟ على اميركا ان تجيب عن نفسها عن هذه الاسئلة لتخرج بقرار سياسي متوازن ليتم اعتماده سواء في القضية العراقية او في القضايا المطروحة في المنطقة».

الدكتور احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، كان اول من عمل، عندما كان في المعارضة، على العمل مع الادارة الاميركية لاصدار قانون تحرير العراق وتنفيذه، ترى كيف يشعر اليوم وبعد مرور خمس سنوات من تغيير النظام. يقول، «قانون تحرير العراق لم يكن يتحدث عن احتلال او تحرك جيوش اميركية وغيرها للدخول الى الاراضي العراقية، بل القانون ينص على ان تقدم الادارة الاميركية المساعدة والدعم للحركات والأحزاب العراقية التي كانت تعمل من اجل تحرير العراق من النظام الدكتاتوري.. أنا القلق بدأ يساورني عندما قررت الادارة الاميركية تبني مشروع القرار 1483 الذي يعتبر العراق دولة محتلة. لقد حاولنا أن نثني الادارة الاميركية عن قرارها بتبني هذا القرار والتراجع عنه والعمل على تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة كاملة منذ سقوط النظام عام 2003، وأنا كنت قد تحدثت طويلا ضد خطوات الادارة الاميركية وقتذاك، والآن يعترف عدد من السياسيين الاميركيين الذين عملوا في العراق منذ بداية دخول قواتهم بالأخطاء التي ارتكبوها وبصحة ما كنا قد ذهبنا اليه وقالوا ان اكبر خطأ ارتكبناه هو قبول قرار الاحتلال. لقد اعتقد الاميركان ان بإمكانهم تشكيل وضع سياسي حسب تصور بعضهم. لقد قلت إن اميركا ستفقد موقعها العالي كدولة محررة للعراق وتهبط الى موقع دولة محتلة للعراق، وهذا امر مرفوض من قبل الشعب العراقي».

اما السياسي الكردي المستقل، الدكتور محمود عثمان، فيقول «لقد تم ترشيحي كعضو في مجلس الحكم من قبل الحزبين الكرديين الرئيسين، باعتباري مستقلا ولا انتمي الى أي حزب، وكان الترشيح لهذا المجلس يتم من قبل القادة السياسيين الخمسة، هم بالاضافة الى طالباني وبارزاني، كم من علاوي، والحكيم والجلبي». ويشير عثمان الى انه لم يلتق أي شخص من الادارة الاميركية قبل ترشيحه لمجلس الحكم، ولكن بعد ترشيحه جمعه لقاءان مع الحاكم المدني الاميركي بول بريمر والسفير البريطاني، آنذاك، جون سوس وقادة الاحزاب السبعة، إضافة الى الاحزاب الخمسة المذكورة آنفا حميد مجيد موسى سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي، وابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة الاسلامي، وبعض المستقلين بحضور ممثل الامين العام للامم المتحدة دي ميلو(الذي قتل فيما بعد بحادث تفجير مبنى الامم المتحدة في بغداد). وأوضح عضو مجلس النواب (البرلمان) العراقي عن الكتلة الكردية، ان غاية الاجتماع كانت كيفية تشكيل مجلس الحكم الذي أرادوه في البداية كمجلس سياسي ثم استشاري فتحول الى مجلس الحكم.

وبعد مرور 5 سنوات على قيام القوات الاميركية باحتلال العراق، يقول عثمان، ان الادارة الاميركية لم تكن تتصور ان الامور في العراق ستصل الى ما هي عليه اليوم، حيث لم يكن الاميركيون يتمتعون بأية فكرة حول كيفية ادارة البلد الذي سلموه الى وزارة الدفاع الاميركية.

ويعترف السياسي الكردي المستقل، بأن السياسيين العراقيين والادارة الاميركية يتحملون ما يجري اليوم في العراق، وان أهم ما يجب انجازه اليوم هو خروج العراق من البند السابع الذي تعتبر الامم المتحدة العراق بموجب هذا البند دولة محتلة.

وتؤكد صنكول جابوك، العضو السابقة لمجلس الحكم وممثلة التركمان في المجلس، ان اختيارها جاء بترشيح من القادة الاكراد وكونها كانت ناشطة نسوية بعد سقوط نظام صدام حسين، قائلة «بعد لقاءات مع القائد العسكري الاميركي في شمال العراق ومن ثم الحاكم المدني الاميركي بول بريمر في مبنى محافظة كركوك، تم ترشيحي لأكون العضو رقم 25 في مجلس الحكم وممثلة عن التركمان حيث عملت لفترة قصيرة في الجبهة التركمانية، وقد تركت العمل في هذه الجبهة بعد ان اكتشفت ان هذه الاحزاب قومية أكثر مما هي وطنية بينما توجهي عراقي وطني لا أفرق بين قومية وأخرى أو مذهب وآخر».

وتتحدث جابوك عن مجلس الحكم قائلة عنه إنه لم يكن نتيجة انتخابات شعبية، لكنه انجز الكثير للعراقيين ومن ضمن انجازاته قانون ادارة الدولة ووضع الكثير من القواعد لبناء العراق الجديد.

وتسلط جابوك الضوء على سلبيات المجلس الذي تم تكوينه على اساس طائفي وقومي وفق اسلوب المحاصصة التي تم تكريسها حتى اليوم والتي خربت العملية السياسية، كما ان بريمر كان هو الذي يتحكم بجميع الامور ولا يسمح لأعضاء المجلس باتخاذ القرارات. وتؤكد العضو السابقة لمجلس الحكم ان سوء الاوضاع الامنية والسياسية هي من نتاج تكوين وتصرفات مجلس الحكم الذي تم تشكيله وفق مبدأ المحاصصة، لاسيما وان المحاصصة شملت الاجهزة الامنية، حيث سموا وزارة الدفاع كوزارة سنية، اما الداخلية فصارت وزارة شيعية.