استنفار للجيش اللبناني في محيط المخيم واتصالات سياسية ـ أمنية لمنع التفجير

هدوء حذر في «عين الحلوة» بعد اشتباكات «فتح» و«جند الشام»

استراحة المحاربين في عين الحلوة (خاص بـ«الشرق الاوسط»)
TT

خيّم الهدوء الحذر على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان بعدما تملك الرعب سكانه طوال الليلة ما قبل الماضية، اثر اندلاع اشتباكات كانت اشبه بحرب شوارع بين حركة "فتح" وتنظيم "جند الشام" الاصولي خلّفت عدداً من الجرحى والأضرار المادية في المنازل والمحال التجارية. وترافق ذلك مع عملية نزوح واسعة من مناطق الاشتباكات.

وكان الوضع الأمني قد انفجر ليل اول من امس على خلفية اقدام حركة "فتح" على اعتقال حسام معروف من "جند الشام" وتسليمه الى مخابرات الجيش اللبناني لكونه مطلوباً للسلطات اللبنانية. واستمرت المعارك من الثامنة الى الساعات الاولى من فجر امس واستخدمت فيها الرشاشات الخفيفة والثقيلة والقذائف الصاروخية وادت الى اصابة عدد من المسلحين بجروح طفيفة، قبل ان تفلح الاتصالات في لجم التدهور والتوصل الى اتفاق على وقف النار وسحب المسلحين من الشوارع والازقة، والافساح في المجال امام عناصر الكفاح المسلح للانتشار والامساك بالوضع الامني داخل المخيم. وقد ترافق ذلك مع استنفار للجيش اللبناني الذي وضع وحداته المنتشرة في محيط المخيم في حالة تأهب قصوى لمنع انتقال القتال الى خارج المخيم، والتدقيق في هويات النازحين تلافياً لفرار مطلوبين من داخله.

وأفاق الاهالي صباح امس على مشاهد الحرائق والدمار والزجاج والركام المتناثر على الطرق والارصفة، خصوصاً في السوق التي كانت تشهد يومياً اقبالاً كثيفاً، الامر الذي يعكس قساوة المعركة وضراوتها. وعبّرت النسوة اللواتي تضررت ارزاق ازواجهن ومنازلهن عن حزنهن بالصراخ والعويل. وبعضهن يسألن بغضب الى متى سيبقى فلتان السلاح؟ فيما كان صبية ذاك الحي منشغلين في جمع الطلقات الفارغة لبيعها.

مسلحو جند الشام الذين خاضوا العام الماضي اشتباكات عنيفة مع الجيش اللبناني في محيط المخيم سجلوا امس نقطة لصالحهم اذ تمكنوا من المحافظة على نقاط تمركزهم بالقرب من سوق الخضار وفي دائرة تغلب عليها سيطرة «فتح».

وعاد الى المخيم نازحون كانوا قد غادروا المخيم في ثياب النوم وهال بعضهم مشاهد الخراب فقد دمرت منازل باكملها بفعل «القتال العبثي» كما تقول الحاجة صبحية التي اردفت مخاطبة الاعلاميين «هل نحن في غزة؟ والله يا اخوان لو حصل ذلك بفعل قصف اسرائيلي لكان أهون علينا وتقبلناه، اما ان ننهش بعضنا بعضاً فهذا كفر».

الحاج محمد شحادة التسعيني قال وهو يضع عقاله وكوفيته على رأسه «اللهم اهديهم السراط المستقيم» واشار بيده ناحية الجنوب وقال: «فلسطين هناك ومن يريد ان يقاتل العدو فليذهب الى هناك وليس هنا مكان المعركة والقتال».

مسلحو فتح كانت لهم «استراحة المحارب» في الازقة والممرات الضيقة وبدا واضحا ان الاشتباكات التي استمرت ساعات قد انهكت قواهم فبعضهم استرق النوم فيما السلاح باليد الاخرى وبعض اعقاب «بنادق الفتحاويين» زينت بصور الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وفيما آثر عدد من مقاتلي «فتح» عدم التقاط صور لهم، صاح قائدهم الخمسيني بأعلى صوته «سجّلوا اننا لن نسمح ببارد جديد» (يقصد احداث مخيم نهر البارد في شمال لبنان).

ابناء عين الحلوة عيونهم تترقب ما ستؤول اليه الاوضاع ومعظمهم يعيش قلقاً وخوفاً من تجدد المواجهات في غياب الضمانات الحقيقية والمعالجات الجذرية، على الرغم من صمود وقف اطلاق النار الذي توصلت اليه الفصائل الفلسطينية، ويبقى ان الكفاح المسلح الفلسطيني الذي هو بمثابة شرطة محلية للمخيم والذي انيطت قيادته بالمسؤول العسكري الفلسطيني العقيد منير المقدح، سينفذ خلال الـ48 ساعة المقبلة خطة انتشار في المخيم لتعزيز الامن وضمان عدم تكرار الحوادث. واشارت مصادر فلسطينية الى تدخل «عصبة الانصار الاسلامية» التي ترعى عملياً العديد من الحركات الاسلامية وبينها «جند الشام» في المخيم، للتهدئة. وعمل مسؤولو العصبة على سحب عناصر «جند الشام» وانهاء ذيول الاشتباكات. وقد عبّر قياديو «عصبة الانصار» عن احتجاجهم على «الطريقة البوليسية» التي استدرجت فيها «فتح» حسام معروف وسلمته الى السلطات اللبنانية قبل التثبت من صحة التهم الموجهة اليه. واكدت ان طريقة اعتقاله «اسلوب مرفوض» محذرين من «عمليات خطف مماثلة قد تشرع ابواب المخيم على صراعات ومشكلات متعددة».

وكانت احداث «عين الحلوة» موضع متابعة من فعاليات لبنانية وفلسطينية. فاطلعت امس النائبة بهية الحريري على الأوضاع الانسانية والاجتماعية للعائلات الفلسطينية واللبنانية التي نزحت بفعل الأحداث، وواصلت الاتصالات التي كانت بدأتها منذ اندلاع الاشتباكات وحتى انتهائها، من أجل سحب فتيل التفجير في المخيم وانهاء حالة التوتر وتوفير الأمن والأمان للسكان وتأمين عودة النازحين منهم في أسرع وقت. وأكدت الحريري «ضرورة انهاء الوضع المتوتر في عين الحلوة وتثبيت الهدوء والاستقرار فيه بما يؤمن عودة الحياة الطبيعية اليه وعودة من نزح من أهله». وقالت: «ليست هذه هي العيدية التي كان ينتظرها أبناء مخيم عين الحلوة والجوار في أجواء الأعياد المباركة والمجيدة، وليس هذا هو المشهد الذي نريده أو يريده أبناء عين الحلوة وصيدا، فما حصل بالأمس لا يمكن القبول به، وهو أمر مرفوض، ولا يمكن السكوت عن اخراج مئات العائلات من بيوتهم الى الشوارع ليلا وفي العراء وسلبهم الشعور بالأمن والأمان».

من جهته، دان المسؤول السياسي للجماعة الاسلامية في الجنوب بسام حمود الاشتباكات المسلحة وما سبقها وسببها، ودعا الجميع الى التعامل بحكمة مع واقع مخيم عين الحلوة خاصة ان جميع المعنيين يعلمون خصوصيته ودقته وتشعباته وتعقيداته.