النازحون في العراق.. 150 ألف عائلة نازحة وبغداد لها حصة الأسد

ارتفعت أعدادهم بعد تفجير سامراء.. وبعضهم يعيش في مخيمات ويأكل من القمامة

عجوز عراقية تنتظر دورها في تلقي مساعدات إنسانية في بغداد (أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

تزدحم ذاكرة العراقيين بمصطلحات باتت تنتشر في مجتمعهم اكثر من ذي قبل. فالمهجر والتهجير القسري والمهاجر والنازح واللاجئ، جميعها حالات تصف تدهور أوضاع العديد من العوائل العراقية بسبب العنف الطائفي الذي طال أغلب مناطق العراق منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلا ان أعلى معدلات سجلت للتهجير والنزوح شهدتها البلاد كانت بعد تفجير مرقد الإماميين العسكريين (علي الهادي والحسن العسكري) في سامراء في شباط (فبراير) 2006، وبلغ حينها العنف الطائفي أوجه بعد سلسلة من عمليات التصفية الطائفية، الأمر الذي تمت بعده عملية تهجير لم يشهدها العراق منذ تأسيسه. فهناك التهجير الذي جرى بين محافظات العراق، والآخر بين المحافظة الواحدة لتكون للعاصمة بغداد حصة الأسد من عملية التهجير الذي تمثلت بالتهجير داخل الاحياء، مما جعل عددا من المناطق مغلقة طائفياً ولا يمكن للطائفة الاخرى الوصول اليها، الأمر الذي يهدد بتغيير ديمغرافية العديد من مناطق العاصمة بغداد، إلا ان هناك العديد من المناطق المختلطة طائفياً لم تشهد حالات تهجير مماثلة لتلك التي حصلت في مناطق العامرية والدورة والحرية والشعلة ومناطق أخرى، من جهة مقابلة نجد رقما يكاد يكون ضعف عدد المهجرين داخل البلاد يمثل أعداد المهاجرين خارج البلاد في عملية هجرة الى دول الجوار فاقت المليوني عراقي.

ويقول عبد الصمد رحمن سلطان، وزير الهجرة والمهاجرين، ان مجموع العوائل النازحة داخل البلاد وصل الى 150 ألف عائلة، نصيب العاصمة بغداد الاكبر، حيث بلغت نسبة التهجير 72% من مجموع العوائل المهجرة.

ويرجع مراقبون ان الاسباب الامنية المتردية كانت وراء هذه الحالة التي وان شهدت توقفا نسبيا خلال العام الماضي بسبب استتباب الوضع نسبياً، إلا انهم يلقون باللائمة على الحكومة العراقية بعدم جديتها في حل هذه المشكلة لاسيما وان الخطة الامنية الاخيرة (خطة فرض القانون) كان أحد أهم اهدافها إعادة العوائل المهجرة الى مناطق سكناها، الامر الذي تأخر العمل بهذا الهدف لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود سياسة متكاملة او استراتيجية محددة من قبل الحكومة والمؤسسات الحكومية بإيجاد حلول لهذه المشكلة المرحلية، لاسيما اذا لم تعالج هذه القضية فانها ستستمر لسنوات مقبلة، بحسب قولهم.

غير ان وزير الهجرة والمهجرين يقول ان وزارته تنتهج آليه لمساعدة العوائل النازحة. ويقول سلطان لـ«الشرق الاوسط» ان «الوزارة تقوم الآن بتوزيع منحة لكل عائلة تعود الى منطقة سكناها تبلغ مليون دينار عراقي، ومبلغ 150 الف دينار عراقي لكل عائلة مهجرة»، وتابع «سوف توزع هذه المنحة بأثر رجعي وتبلغ ستة أشهر وسوف تسلم من خلال مصرفي الرافدين والرشيد». وأضاف سلطان أن وزارته وضعت قاعدة بيانات وتم تسجيل اسماء جميع العوائل المهجرة بجميع محافظات البلاد، وأكد أن «هناك تخصيصات إضافية سوف تصرف لاحقاً لاسيما للعوائل التي لم تسجل اسماؤها لحد الآن خلال عمليات النزوح، وهناك تعبئة لكل الوزارات لمساعدة هذه العوائل، حيث وصل اعداد المسجلين لدينا من المهجرين الى 20 ألف عائلة».

وقال الوزير ان استراتيجية وزارته هذا العام هي «استراتيجية العودة» سواء للمهجرين داخل او خارج البلاد، وأضاف «نتمنى ان تعود العوائل طواعية لاسيما مع وجود تسهيلات وخدمات من قبل الوزارة تضمن لهم العودة الى مناطق سكناها»، وتابع «لقد تم حصر الأضرار التي لحقت بمنازل المهجرين لاسيما تلك التي طالها الحرق او التي استغلت من قبل الارهابيين، ونسعى الى تعويضهم والعمل على اندماج تلك العوائل مع المجتمع من جديد»، وأوضح «لا بد ان تكون هناك مؤشرات على تحسن الوضع الامني، الأمر الذي يسمح بعودة العوائل الى منازلها، وقد تمت دراسة هذه المؤشرات مع المفوضية العليا وحصرها حيت لا يكون هناك اختلاف في الرأي». وحول النازحين الذي يتخذون من دوائر الدولة سكناً لهم، أكد سلطان «ان العوائل التي تقطن دوائر الدولة بسبب التهجير لا تزيد على 3%، وهو عدد ضئيل، ونحن بصدد القيام بمشروع لإسكان هذه العوائل بمنازل سكنية مثلما حصل في محافظة ميسان، اما بالنسبة للعوائل الفقيرة التي تستحوذ على دوائر الدولة، فان قضيتهم لا تعود الى وزارة الهجرة والمهجرين».

من جهته، يقول حارث العبيدي، عضو جبهة التوافق في البرلمان والعضو في لجنة حقوق الانسان، أن هناك حالات «مأساوية» يعيشها العراقيون النازحون في مدن العراق، وأضاف «مثلا في محافظة ميسان اقيمت لهم خيام ويعيشون حياة بسيطة وظروفهم قاسية بالاضافة الى بعض مناطق الديوانية هناك نازحون لا يملكون ملابس يرتدونها ويأكلون من القمامة».

وطالب العبيدي الحكومة باتخاذ خطوات جدية لاسيما وان «العراق بلد ليس بالفقير، وينبغي لخطة فرض القانون ان تفي بما وعدت به بعودة المهجرين الى دورهم، يجب ان يلتزم الجيش الذي فرض الأمن في المناطق المسيطر عليها ان يعيد المهجرين وتثقيف الناس وإزالة الاحقاد تعويضهم مادياً ومعنوياً»، وأضاف «بما ان الحكومة هي الجهة التنفيذية فانه يقع على عاتقها الكثير من تعويض المواطنين وتوفير الأمن».

وكشف تقرير صدر أخيرا عن منظمة الهلال الأحمر العراقية، عن انخفاض اعداد النازحين داخل العراق بنحو 10 آلاف شخص مقارنة بفترات سابقة. وبحسب المصدر نفسه، فان عدد النازحين في العراق بلغ مليونين و179 ألفا داخل العراق خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 مقارنة بما لا يقل عن مليونين و189 ألفا في اكتوبر(تشرين الأول) 2007. ورغم التحسن الذي طرأ على الأوضاع الأمنية، تقول هيئة الهلال الأحمر العراقية، إن حالة المهجرين لا تزال بائسة. وينوه التقرير بأن المهجرين قسرا يعانون من صعوبات كبيرة ومتنوعة مثل ارتفاع الإيجارات في مناطق النزوح الآمنة وخصوصا في محافظات إقليم كردستان، وفقدان معظم النازحين البطاقة الدوائية الخاصة بالأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري.