تقرير للبنك الدولي: العراق واليمن وجيبوتي متخلفة تعليميا.. والأردن ولبنان الأنجح

رصد حالة التربية والتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ «الستينات»

TT

استنتج تقرير أعده البنك الدولي عن قطاع التربية والتعليم في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن دولا مثل الأردن والكويت وتونس ولبنان أنجح نسبيا في إتاحة إمكانية الحصول على تعليم معقول النوعية لمعظم سكانها مما كانت عليه بقية البلدان. وفي الطرف الآخر لاحظ التقرير الذي صدر أمس في نيويورك، تخلف جيبوتي واليمن والعراق والمغرب والسودان، كثيرا في مجال التعليم، وقال إن هناك في الوقت ذاته دولا هي في منزلة وسط من حيث تقدم التعليم وتشمل إيران ومصر والضفة الغربية وقطاع غزة والسعودية وسورية. ولاحظ التقرير الذي جرى تقديمه في مقر الأمم المتحدة بنيويورك من قبل نائب رئيس البنك الدولي وزير خارجية الأردن السابق، مروان المعشر، أن البلدان الأكثر نجاحا لديها أنظمة تعليمية تتسم بمزيج جيد من التخطيط والحوافز والمساءلة العامة. وفي الوقت ذاته ابرز البنك الدولي التناقض مثلا بين تونس والمغرب حيث تتمتع المغرب بقدر أكبر من المساءلة العامة غير أنها تحقق نتائج تعليمية أدنى بينما تمثل تونس الحالة المتناقضة. وذكر البنك الدولي ان عددا كبيرا من البلدان صار يعتمد أكثر وبصورة متزايدة على القطاع الخاص لتقديم التعليم في كافة المراحل، ولاحظ قائلا «ان هذا التحرك يحل بعض مشاكل الحوافز والمتابعة في المدارس، وإن نجاحه يتطلب إطارا تنظيميا قويا واهتماما خاصا بقضايا المساواة». وأضاف «يجب الإدراك أن دور القطاع الخاص في التعليم يحتمل أن يظل محدودا في المستقبل المنظور ولذلك لا يسع أي بلد أن يتراخى في جهوده لإصلاح المدارس العامة». واستعرض البنك الدولي في تقريره الخطوات التي قطعتها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ الستينات من القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، فعلى مدى السنوات الأربعين الماضية خصصت بلدان المنطقة نسبة 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ونسبة 20 في المائة من النفقات الحكومية للتعليم، وهو أكثر مما خصصته البلدان النامية الأخرى التي لديها مستويات مماثلة لمتوسط دخل الفرد. ويقول «نتيجة لذلك تمكنت المنطقة من تحسين إمكانية الحصول المتساوي على التعليم في كافة مراحله وتعد هذه إنجازات رائعة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المنطقة بدأت في الستينات ولديها بعض أكثر المؤشرات التعليمية انخفاضا في العالم». وبلغت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما عدا بعض الاستثناءات مستوى الالتحاق الكامل في مرحلة التعليم الابتدائي وزادت معدلات الالتحاق في المدارس الثانوية ثلاثة أمثال تقريبا في ما بين عامي 1970 و2003، وخمسة أمثال في مرحلة التعليم العالي. وقد توجت انجازات المنطقة بسد فجوة التعليم بين الجنسين وأصبحت المساواة بين الجنسين شبه كاملة في مرحلة التعليم الأساسي. ولاحظ التقرير أن مؤشرات مرحلتي التعليم الثانوي والعالي لا تختلف كثيرا عنهما في منطقتي أميركا اللاتينية وشرق آسيا. ويستدرك التقرير قائلا «انه على الرغم من هذه التحسينات لا يزال الإنجاز التعليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أدنى منه في البلدان الأخرى التي لديها مستويات تنمية اقتصادية مماثلة» ويعزو السبب الى عدم التغلب على تركة المستويات المبدئية المنخفضة لتطور التعليم، ويوضح أنه «على الرغم من أن المنطقة لحقت تقريبا بركب منطقتي شرق آسيا وأميركا اللاتينية في ما يتعلق بالالتحاق الكامل في المرحلة الابتدائية، فإنها لا تزال متخلفة بالنسبة للالتحاق الكامل في مرحلتي التعليم الثانوي والعالي». ولاحظ البنك الدولي أن معدلات محو الأمية لا تزال أدنى مما هي عليه في المناطق الأخرى. وكشف عن أن ثلثي الطلاب في أكثر من نصف بلدان المنطقة يتخرجون في مجالات العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية وليس في مجالات العلوم الأساسية والرياضيات، وهذا «النمط من الالتحاق هو نقيض النمط الملاحظ في منطقة شرق آسيا». ويرى أن هذا النمط من التعليم ينتج نتائج خاطئة لأن الابتكار وتطويع التكنولوجيا يلعبان دورا متزايد الأهمية في عملية التنمية، ويقول «ان مدارس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ربما تنتج المزيج الخاطئ من القدرات»، وحرص البنك الدولي في تقريره المثير للاهتمام على الربط بين التعليم والنمو الاقتصادي، واعتبر التعليم شرطا أساسيا لتحقيق النمو الاقتصادي، لكنه تجاهل التقرير الذي ضم أكثر من 200 صفحة عن الإصلاح السياسي كشرط آخر من شروط إصلاح التعليم. وكشفت البحوث التي أجريت على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن النمو الاقتصادي بنسبة الفرد في المنطقة على مدى السنوات العشرين الماضية منخفض نسبيا بالرغم من التحسينات التي طرأت على التحصيل التعليمي «ومن المفارقات ان ارتفاع النمو الاقتصادي يقابله انخفاض في مستويات التحصيل التعليمي في الستينات والسبعينات، وبالمثل فإن الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج التي تقيس تأثير عوامل أخرى عبر الزيادات في رصيد رأس المال المادي والبشري كانت منخفضة أو سالبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الثمانينات والتسعينات وهي فترة كان التحصيل التعليمي خلالها آخذا في الزيادة. ويشير هذا إلى أن التحصيل التعليمي لم يسهم كثيرا في زيادة النمو الاقتصادي أو الانتاجية في المنطقة».

ويعزو أسباب عدم النمو الاقتصادي أو الإنتاجية إلى عدد من الأسباب منها هو أن التعليم في المنطقة منخفض جدا بحيث أن التعليم لا يسهم في زيادة النمو والإنتاجية. وثمة سبب آخر هو الصلة الواهية بين التعليم والنمو الاقتصادي في المنطقة. ويرى أن الاستثمار الأجنبي على سبيل المثال ينجذب إلى البلدان التي لديها نواتج تعليمية أفضل مع تساوي كافة العوامل الأخرى. وثمة سبب آخر يعود إلى التباين في التحصيل التعليمي فهو أكبر في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قياسا إلى المناطق الأخرى. وتشير البحوث الدولية إلى أن التوزيع الأكثر تساويا للتحصيل التعليمي يرتبط ارتباطا إيجابيا بتحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى. وأخيرا هناك سبب آخر لضعف الصلة بين التعليم والنمو الاقتصادي وهو مرتبط بارتفاع مستويات التوظيف في القطاع العام وانخفاض أعداد القطاعات الاقتصادية الديناميكية (الخاصة) القادرة على المنافسة الدولية. وبالرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد توزيعا للدخل أكثر تساويا مما هو عليه في المناطق الأخرى غير أن توزيع التعليم بدأ يصبح أقل تساويا بمرور الزمن. ويفيد البنك الدولي في تقريره أنه نظرا لارتفاع معدلات الخصوبة في الستينات والسبعينات تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين المناطق التي لديها أكبر مجموعات من الشاب في العالم العربي , وهذا التضخم في أعداد الشباب سيؤثر بدرجة كبيرة في الطلب على التعليم فيما يتقدم سن أعضاء هاتين الفئتين المجموعتين بين صفوف السكان.