الحكومة اللبنانية تقر عدم المشاركة في القمـة العربية

قمة دمشق والمبادرة العربية ومعاودة الحوار محور المواقف السياسية

TT

حسمت الحكومة اللبنانية أمس أمر مشاركتها في القمة العربية المقرر عقدها في دمشق، حيث أعلن وزير الاعلام غازي العريضي في ختام اجتماع الحكومة امس ان مجلس الوزراء «قرر عدم مشاركة لبنان في اجتماعات القمة العربية في دمشق او في الاجتماعات التحضيرية التي تسبق القمة، وهي سابقة مؤسفة فرضت علينا ان يقدم عليها لبنان لأول مرة في تاريخ انعقاد القمم العربية».

وأضاف «يؤكد مجلس الوزراء ان هذا القرار لا يعني اطلاقا قطيعة مع الشقيقة سورية بل يرى فيه مناسبة لتأكيد اقرار سيادة لبنان ورفض التدخل في شؤونه الداخلية». وقال جان أوغاسبيان وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية ان القرار اتخذ «بالإجماع».

إلى ذلك استمرت الأزمة اللبنانية، التي ستكون في مقدم الملفات الساخنة المطروحة امام القمة العربية التي ستبدأ اعمالها في دمشق السبت المقبل. وكان مستشار رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، السفير محمد شطح، قد ابلغ وكالة الصحافة الفرنسية، أول من أمس، انه «من المرجح جدا» ألا يشارك لبنان في القمة العربية المقررة في العاصمة السورية، مضيفا :«نريد ان نعبر عبر تغيب لبنان عن القمة عن قلق وطني وعن رفض لبقاء لبنان من دون رئيس رغم مرور اشهر» على شغور منصب الرئاسة. واضاف شطح «نقر بان للجامعة العربية دورا تقوم به على مستوى العلاقات بين لبنان وسورية، ولكن لكي يكون هذا الدور فاعلا لا بد من إعداد جيد ومن ان يكون المكان ملائما»، في اشارة الى العاصمة السورية التي تعقد فيها القمة.

في غضون ذلك واصل أمس رئيس الحكومة اللبنانية اتصالاته العربية. وفي هذا الاطار اتصل امس بكل من وزيري خارجية الكويت الشيخ محمد الصباح السالم الصباح، والاردن صلاح الدين البشير، وعرض معهما الاوضاع المحيطة بلبنان والمنطقة وتلك المتعلقة بالقمة العربية. كما استقبل السفير الايراني في بيروت محمد رضا شيباني وعرض معه التطورات في ضوء انعقاد القمة العربية في دمشق.

الى ذلك، ذكرت مصادر مطلعة ان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري غادر لبنان متوجهاً الى اليونان للمشاركة في المؤتمر البرلماني الاورو ـ متوسطي الذي ينعقد اليوم وغداً. وافادت المصادر بان المؤتمر سيكون مناسبة ليجري بري مشاورات حول الازمة اللبنانية. وفيما امتنعت اوساط رئيس المجلس عن تأكيد هذا الخبر او نفيه، اكده مصدر نيابي من دون ان يعطي تفاصيل.

وكانت التطورات اللبنانية ومسألة المشاركة في القمة العربية او مقاطعتها موضع بحث بين البطريرك نصر الله صفير وزوار مقر البطريركية المارونية في بكركي. وفي هذا السياق، التقى البطريرك وزير الاتصالات مروان حمادة الذي نقل اليه موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الداعي الى مقاطعة لبنان قمة دمشق.

واستقبل البطريرك صفير الرئيس السابق للحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي قال ان اللقاء تطرق الى التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية، واضاف: «انني اعتبر ان المبادرة العربية لا تزال صالحة لحل الازمة التي نمر فيها. ويجب ان نعمل جميعا لتقويتها لكي تحقق اهدافها وننقذ وطننا».

وسئل اذا كان يؤيد مشاركة لبنان في القمة العربية، فاجاب:«ان لبنان عضو مؤسس وفاعل في جامعة الدول العربية. والقمة المقبلة ستبحث موضوع لبنان وقضايا عربية اخرى تهم المنطقة ككل، مثل موضوعي فلسطين والعراق، ومن الضروري ان يكون لبنان ممثلا في هذه القمة.. ويجب ان يكون للبنان رأي في ما سيطرح. اما موضوع حجم التمثيل اللبناني ومستواه فمتروك الى الحكومة اللبنانية لتتخذ القرار المناسب». ورأى ميقاتي ان «القمة العربية ستكون مناسبة لتأمين حضور فاعل للبنان. وهي ليست مرتبطة فقط بالدولة المضيفة بل بمؤسسة الجامعة العربية ككل. وقد تكون مناسبة لتحسين العلاقة بين لبنان والدولة المضيفة، اي سورية».

من جهة اخرى، اكد وزير الشباب والرياضة احمد فتفت ان كل قرارات مجلس الوزراء «تتخذ بالتوافق والاجماع. ولن نخرج بقرار بعدم المشاركة في القمة من دون ان يكون هناك توافق حقيقي في مجلس الوزراء» وقال: «لن يكون هناك تمثيل على المستوى المطلوب عادة في مؤتمرات القمة. وبالتأكيد اصبح هذا الامر واضحا... والمهم كيف سنوصل صوتنا الى الرؤساء العرب. وهناك افكار عدة يجري التداول بشأنها وستبحث في مجلس الوزراء. واعتقد بأن صوتنا سيصل بشكل او بآخر الى الرؤساء العرب. وقد يكون هناك مطلب بأن تعقد قمة او، على الاقل، مجلس وزراء مخصص للعلاقات اللبنانية ـ السورية التي اصبحت القضية العربية الاولى نتيجة كل ما سببه التدخل السوري المباشر وغير المباشر».

وحول إرجاء جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الى 22 ابريل (نيسان) المقبل، قال فتفت: «ان الرئيس نبيه بري بتأخيره جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مدة شهر يعلن انه لا ينتظر شيئا ايجابيا من القمة العربية. وإلا لما كان من مبرر لتأجيلها اربعة اسابيع. هذا مؤشر سلبي من وجهة نظري لما ينتظره الرئيس بري خلال الاسابيع المقبلة، على عكس كل ما اوصى به عبر رسالته التطمينية هو و(الامين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله بالامس على الصعيد الداخلي».

وتساءل: «لماذا يصر (الرئيس بري) على إقفال المجلس النيابي وعدم انتخاب رئيس؟». وقال: «اذا كانت النوايا صادقة وصافية، فلنبدأ من حيث يجب ان نبدأ وليفتح المجلس النيابي لانتخاب رئيس. عندها يصبح الرئيس المنتخب هو من يرعى طاولة الحوار الوطني الحقيقية وينطلق الحوار. وفي المبدأ نحن دائما كنا من دعاة الحوار ولم نرفض اي دعوة اليه. ولكن نرى في هذه الدعوة (وجهها الرئيس بري الاحد الماضي) التي جاءت قبل ايام قليلة من مؤتمر دمشق وكأنها رسالة مطلوبة من سورية لتهدئة الاجواء قبل القمة وربما رسالة مطلوبة من الداخل في بعض المناطق اللبنانية التي اصيبت بحال هلع وبدأ المواطنون يطلبون جوازات سفر لمغادرة لبنان بعدما اعلن السيد حسن نصر الله منذ اربعين يوما بدء الحرب المفتوحة (على اسرائيل). واعتقد ان الموضوع يجب ان يدرس ضمن هذا الاطار وليس ضمن نوايا حقيقية للحل». ورأى النائب سمير فرنجية ان القمة العربية «لن يكون لها اي تأثير فاعل إنْ لجهة القضايا العربية او لجهة الازمة اللبنانية» مستغربا «مطالبة البعض بمشاركة لبنان في القمة التي يستضيفها نظام متهم بتعطيل الحياة السياسية في لبنان». واعتبر «ان بعض الكلام الداعي لاستئناف الحوار هدفه تقطيع الوقت. لكن المشكلة اننا نجهل ما ينتظر المنطقة من تطورات. ولا تكفي التطمينات التي يحاول البعض اشاعتها لان الخلاف السياسي بيننا وبين المعارضة حول بقاء لبنان ساحة المعركة الطبيعية».

وقال تعليقا على دعوة الرئيس بري الى معاودة الحوار: «الاهم من ذلك هو انتخاب رئيس الجمهورية. وهل اصبحت مشكلة البلد اليوم القانون الانتخابي لطرحه على طاولة البحث؟ المسألة الجوهرية تكمن لدى الرئيس بري والسيد نصر الله في قرار يتخذ بأن لا يكونوا (المعارضة) اداة ترجمة للنظام السوري، وقرار يتخذ بالقبول بالركون الى الدولة وان يكونوا خط دفاع عن سورية وايران».

واذ اشار الى ان المبادرة العربية «اصبحت حظوظها ضئيلة» جدد «تمسك الاكثرية بقائد الجيش (العماد ميشال سليمان) مرشحا توافقيا للرئاسة» محملا المسؤولية «لكل طرف يحاول إبقاء الامور على ما هي عليه». واكد ان «الوضع في المنطقة خطير جدا. وبالتالي يجب ان لا نبقى مكشوفين» وقال :«نحن بانتظار انتهاء القمة لنبني على الشيء مقتضاه. لكن الاكيد اننا لن نترك البلد. والخيارات كثيرة».

هذا، وتمنى «اللقاء الوطني» المعارض، في بيان اصدره اثر اجتماعه الدوري امس في منزل الرئيس الاسبق للحكومة عمر كرامي، ان «تكون قمة دمشق فرصة تاريخية لتوحيد الصف العربي في مواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة، من العراق الى فلسطين مرورا بلبنان». واعتبر ان «المبادرة العربية ما زالت صالحة كأرضية ومنطلق للحل على قاعدة المشاركة. وان المعارضة متمسكة بهذه المبادرة وبكل حل سياسي عادل ومتوازن يؤدي الى الخروج من الازمة السياسية التي تعيشها البلاد».

وسئل كرامي عن دعوة الرئيس بري الى الحوار، فأجاب: «المعارضة منذ البداية كان رأيها ان الازمة اللبنانية لا تحل إلا بالحوار. والحوار يحتاج الى طاولة يجلس اليها الافرقاء. لذلك، بعدما حاول الفرنسيون والعرب في مبادرات لم تنجح حتى الان، ويا للاسف الشديد، لا بد للرئيس بري، من موقعه كرئيس لمجلس النواب ورئيس لحركة امل وركن اساسي في المعارضة، أن يبادر الى إحياء الحوار».