مصادر فرنسية لـ«الشرق الوسط»: الحفاظ على الـ«يونيفيل» في جنوب لبنان له الأولوية

باريس تتحسب لما بعد القمة العربية في لبنان

جنود من القوة الصينية العاملة في عداد «اليونيفيل» في جنوب لبنان يؤدون رقصة وطنية أمس قرب موقعهم في بلدة الحنية، وذلك بمناسبة تقديم أوسمة عسكرية لعدد من أفراد القوة (أ ف ب)
TT

مع اقتراب استحقاق القمة العربية في دمشق من غير أن تلوح في الأفق أية بادرة تبشر بالتغلب على الأزمة السياسية في لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تنكب الدوائر المعنية بهذا الملف في باريس على دراسة ما تسميه «استراتيجية احتواء» غرضها إبقاء الوضع تحت السيطرة وتحاشي انفلاته فيما يبدو أن الأزمة اللبنانية مرشحة للاستمرار.

وقالت مصادر فرنسية معنية بالملف اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إن الجهود التي ستبذلها باريس بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي عبر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية خافيير سولانا وبالتعاون مع أمين عام الجامعة العربية ودول عربية أساسية بينها المملكة السعودية ومصر وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وأطراف دولية أخرى، تستهدف أمرين أساسيين: الأول التحذير وقطع الطريق على عودة التوتر الداخلي السياسي والطائفي والمذهبي منعا لنشوب حرب أهلية والثاني تحاشي توتير الوضع في الجنوب بين إسرائيل وحزب الله. وفي هذا الاطار، قالت المصادر ذاتها إن هدف التحرك هو «المحافظة على حضور اليونيفيل» في الجنوب. ونقلت هذه المصادر عن الجنرال الإيطالي غراتسيانو الذي يقود اليونيفيل إن انسحاب القوة الدولية لسبب أو لآخر «يعني اشتعال جبهة الجنوب مجددا». وتؤكد باريس أن الهدف يجب أن يكون تفادي هذا السيناريو عن طريق الاتصال بكل الأطراف بما في ذلك طهران ودمشق والأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة على إسرائيل.

وتحذر باريس من «خطورة» المرحلة الحالية في الجنوب. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن مسؤولا كبيرا في حزب الله أبلغ وفدا فرنسيا قبل اسبوعين أن «أي تحرش إسرائيلي سيواجه برد من قبل حزب الله» ما يعني وضع اليونيفيل في «وضع حرج للغاية قد يقود الى انسحابها». وتبقى علامات الاستفهام مطروحة بالنسبة لرد حزب الله على اغتيال عماد مغنية فيما تشير مصادر غربية الى أن حزب الله «لا يمكن أن يراهن اليوم على فتح جبهة الجنوب لأن ذلك يعني خسارة سياسية في الداخل وتوفير الحجة لمن يتهمه بالتصرف بمصير لبنان على هواه».

وفي الموضوع الداخلي، تقول باريس إنها «تعتقد» أنه لا أحد في لبنان أو خارجه «يرى مصلحة في اندلاع حرب أهلية ستتحول حتما الى حرب مذهبية بما في ذلك طهران ودمشق». ولذا، تراهن باريس على امكانية السيطرة على حالة «الفوضى المنظمة» مع غياب «عوامل تغير أو تقلب الوضع السياسي». وتعتبر باريس أن هذا الوضع «سيطول» حتى 2009 أي حتى الاستحقاق الانتخابي التشريعي المقبل في لبنان. وتحرص باريس على حث الأطراف على «التروي» بما في ذلك في موضوع توسيع أو ترميم الحكومة الراهنة علما أن باريس تعتبرها «شرعية وقانونية». ويندرج في هذا السياق مشروع الدعوة الى مؤتمر دولي الذي تدافع عنه باريس حول لبنان في حال تثبت «وفاة» المبادرة العربية رسميا في قمة دمشق.

وتبدو باريس متشائمة من إمكانية ممارسة ضغوط ذات معنى على دمشق التي ما تزال تعتبرها الطرف الذي «يعيق» التوصل الى تسوية في لبنان. وتقول المصادر الفرنسية إن «لا أحد يملك الجزرة أو العصا اللازمة» لتطويع الموقف السوري حيث تبدو دمشق «مستعدة للمغامرة بالكثير مقابل الاستمرار في الإمساك بالورقة اللبنانية». وتدعو باريس اللبنانيين الذين يعتبرون أن قيام المحكمة ذات الطابع الدولي «الدواء السحري» لأزمتهم ولأزمة علاقتهم مع سورية الى «الواقعية» و«عدم الإسراع في نسج السيناريوهات المثالية». وردا على الذين يقولون بإمكانية التوصل الى تسوية مع سورية حول المحكمة، فإن المصادر الفرنسية تؤكد أن «لا مساومات ولا أحد قادر على تقديم ضمانات» مضيفة أن الحصانة «الوحيدة» التي يمكن أن تعطى هي لرئيس الجمهورية في أي بلد الذي يخصه القانون الدولي والأعراف بالحصانة. ولا تستبعد هذه المصادر أن تمر سنوات قبل التوصل الى لحظة تسطير اتهامات وبدء جلسات المحاكمة وصدور الأحكام. وتتساءل المصادر الفرنسية عما إذا كان ممكنا «وقف كل شيء في لبنان بانتظار الوصول الى هذه المرحلة».