19 ساعة عصيبة مع «جيش المهدي» في مدينة الصدر

هجوم أميركي.. وصواريخ على المنطقة الخضراء.. وطائرة من دون طيار

TT

بدا صوت إطلاق النار كهزيم الرعد. وقف جنود أميركيون في مدرعة «سترايكر» يطلقون النار من أحد أطراف منطقة سكنية، وعلى الجانب الآخر كانت هناك مجموعتان من عناصر الميليشيا الشيعية، تحمل مدافع ضخمة ومنصات لإطلاق الصواريخ. وفي الوقت نفسه كانت المروحيات الأميركية تحلق تحت سماء زرقاء. كانت الوقت ظهرا. علا صوت وابل من النيران خارج منزل والد أبو مصطفى الثحابي، مستشار سياسي وعسكري في «جيش المهدي» التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. اندفع أبو مصطفى خلال إحدى البوابات ليتخذ ساترا خلف السور بعد أن أنهى لتوه مكالمة تليفونية مع أحد المقاتلين. «قلت له ألا يستخدم هذا السلاح، فهو ليس فعالا»، هكذا قال أبو مصطفى، مشيرا إلى منصة لإطلاق الصواريخ. «قلت له أن يستخدم منصات القنابل الخارقة للدروع الإيرانية، فهي أكثر فعالية». منذ ظهيرة يوم الخميس حتى صباح الجمعة، قضيت 19 ساعة في المنطقة السكنية وبقيت لساعات محاصرة بسبب إطلاق النار في منزل والد أبو مصطفى. خلال هذه الفترة، اشتبك المقاتلون مع القوات الأميركية لسبع ساعات. وبين المعارك، كان المقاتلون يتحدثون عن السياسة والحرب. لم تكن هناك أية أمارات على الشعور بالخوف أو الحزن. وعندما كان الطرفان يتبادلان إطلاق النار، كانت أم أبو مصطفى، وتدعى أم فلاح تحمل مصحفا وتتلو بعض الأدعية. كان ابنها الأكبر أبو حسن، وهو أحد قادة جيش المهدي يقاتل. «أدعو الله أن يكون علي معك» هكذا قالت أم فلاح، التي كانت ترتدي عباءة سوداء ونظارة مستديرة. وأضافت: «أدعو الله ألا تصيبك أي من الرصاصات بمكروه». في الساعات الأولى من الصباح، ساد هدوء مشوب بالغموض مدينة الصدر. بدأت السيارات تتحرك ببطء. حمل السكان الطعام والمياه استعدادا لما هو أسوأ. انتشرت أكوام من القمامة في الشوارع التي كان بها العديد من الإطارات المحترقة. وفي إحدى الطرق كانت مدرعة «سترايكر» تقف، بينما كانت الطرق الأخرى مملوءة بالقنابل المزروعة على جوانبها، بحسب رواية المقاتلين. أمام منزل أم فلاح تجمع مقاتلو جيش المهدي ووقفوا ينظرون تجاه الشارع. كانت الصدامات قد بدأت في إحدى الطرق القريبة، والتحقت إحدى المجموعات بالقتال، ولكن الآخرين ظلوا في أماكنهم، فقد كانت مهمتهم هي حماية ظهرهم من ناحية المجمع السكني. وقفت أم فلاح في ساحة المنزل وقد ظهر القلق على تقاسيم وجهها، ولكنها استمرت في ترديد الأدعية بهدوء. وقالت: «تعودت على كل ضروب المعارك في حياتنا». لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها أحد أبنائها لقتال القوات الأميركية، وتقول الأم إنها تحس أنها لن تكون المرة الأخيرة. «أرسلت ابني للطريق المستقيم». وفي حجرة المعيشة، كان يجلس زوجها وابنها أبو مصطفى على سجادة حمراء تحيطها وسائد ملونة. كانت الحجرة مجهزة للقتال وكانت على الحيطان صور زيتية للإمام علي وأعلام شيعة آخرين. قال الأب إن جيش المهدي لا يقاتل هذه المرة الأميركيين فقط، بل إن الجيش يقاتل منافسين من الميليشيات الشيعية – المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة – الذين يديرون الحكومة العراقية. دخل ثلاثة مقاتلين تابعين لـ«جيش المهدي» حجرة المعيشة في الساعة 2 ظهرا تقريبا. كانوا قد أتوا على الفور من المعركة. قال أبو زينب الكعبي «عقيل، ابن رياض، قتل لتوه». ساد الصمت الحجرة. أضاف أبو زينب كان عقيل يزرع قنبلة في جانب الطريق قبل أن يطلق عليه جندي أميركي النار. كان عقيل يبلغ من العمر 22 عاما، وقد لحق بأبيه وعمه في صفوف جيش المهدي عندما كان عمره 17 عاما. أخذ المقاتلون جثته لمشرحة المستشفى.

فجأة سمعوا قذائف هاون تطلق في الخارج، فقال أبو زينب «هذه اتجاه المنطقة الخضراء. هذه هدايا لحكومة المالكي». يعمل أبو زينب وأبو موسى الصدر في وزارة الداخلية العراقية التي تدير جهاز الشرطة، والتي يعتقد أنها مخترقة على نحو كبير من قبل جيش المهدي. قالوا إن عددا كبيرا من ضباط الشرطة تركوا الحكومة ويقاتلون الآن مع جيش المهدي. وأضافوا أنهم لم يتلقوا دعما أو تدريبا في إيران كما يدعي قادة الجيش الأميركي، وأنهم يشترون الأسلحة الإيرانية من مهربي الأسلحة. في الشارع، بعد الرابعة عصرا مباشرة، كانت مجموعة أخرى من المحاربين تقاتل القوات الأميركية. ظهر بعض المقاتلين فجأة في الشارع، ثم اختفوا فجأة. كانت الحركات السريعة تكتيكا حربيا. كان أبو مصطفى يقف خارج منزل أبيه وشرح الأمر قائلا، إن إحدى مجموعات المقاتلين سوف تطلق وابلا من النيران على المدرعة حتى تشتت انتباه الجنود، في الوقت الذي تقوم مجموعة أخرى بالتسلل حتى تزرع قنبلة في جانب الطريق تحت المدرعة ثم تقوم بتفجيرها. بدا أبو مصطفى وهو يرتدي بنطلونا زيتوني اللون وسترة زرقاء كما لو كان أستاذا جامعيا وليس مستشارا لإحدى الميليشيات. كانت يتحدث ببطء في ثلاثة تليفونات جوالة كل منهم يستخدم شبكة مختلفة. عندما يمر الأميركيون بهم، عادة ما يقومون بتشويش إشارات الجهاز الأساسي الذي يمد خدمة التليفون الجوال حتى يبطلوا مفعول التليفونات في الوقت الذي تنفجر فيه القنبلة. قال أبو مصطفى إن الاستراتيجية الأكبر للمقاتلين هي تقليل الضغط على جيش المهدي في البصرة، وقال إن كثيرا من الجنود العراقيين الذين يحاربون في البصرة لديهم عائلات في مدينة الصدر. واضاف «سيشعرون بالقلق على عائلاتهم، سيخافون مما قد يلحق بهم. هذا يهدف الى خفض روحهم المعنوية». بعد هذا بدقائق تلقى أبو مصطفى مكالمة تليفونية ثم قال: «أحاط الأميركيون بكل المجمع السكني»، ثم تراجع سريعا داخل المنزل. في الساعة 5:25 عصرا، أطلق جيش المهدي 10 صواريخ على الأقل وخلال 20 دقيقة أطلقت 4 صواريخ أخرى. في نفس الوقت تقريبا، قال مسؤولون أميركيون إن 12 صاروخا قد سقطت في المنطقة الخضراء، ونتج عن هذا مقتل موظف حكومي أميركي. تبع إطلاق الصواريخ وابل من النيران تجاه المدرعة الأميركية «سترايكر». قال أبو مصطفى: «يجب أن يظل الأميركيون قلقين. لا يمكن أن نجعل الأمر يمر بسهولة بالنسبة لهم»، بعد هذا بقليل، أخبره المقاتلون أن هناك قناصا أميركيا على سقف قريب. بعد صمت مؤقت، أطلق المقاتلون وابلا من النيران على السقف واخترق الرصاص الحائط. ساد الصمت مرة أخرى. بعد هذا بدقائق أطلق مزيد من النيران تجاه المقاتلين. قال أبو نرجس: «يواجهون مقاومة شديدة». وبقي في المنزل. حمل ابنته الصغيرة وقال: «سيهاجمون المنطقة الليلة»، ولكن في الساعة 7 مساء غادرت المدرعة «سترايكر» المنطقة. وفي الساعة 9:05 مساء، تلقى أبو نرجس مكالمة تليفونية. قال إنه أخبر أن قائدا في الشرطة ومعه 200 رجل شرطة لن يستمروا في عملهم مع الحكومة وانهم سوف يلتحقون بجيش المهدي. وفي الساعة 9:09 مساء تصاعد الصراخ في الشارع. كانت هناك امرأة ترتدي عباءة سوداء تمشى تجاه المستشفى وهي تصرخ: «أمي! أمي!» كانت النيران قد أطلقت على منزلها. ولكن لم يكن واضحا ماهية الجهة التي أطلقت النار. بعد ثوان قليلة، تحركت سيارات الإسعاف والشرطة تجاه المنزل في الوقت التي كانت طائرة أميركية بلا طيار تطير في الجوار. عادت سيارات الإسعاف والشرطة تحمل قتلى وجرحى. كان هناك مزيد من إطلاق النار. في الساعة 10:35 مساء، تلقى أبو نرجس مكالمة تليفونية. وقال «رحل الأميركيون، حتى القناصة». ذهب إلى غرفة النوم وقال «علي أن أذهب لأرى ابنتي فهي تخاف من إطلاق النار».