مهنة الصيد توشك على التلاشي في غزة بسبب الحصار

1200 صياد يتركون عملهم

TT

كأنما ينتظر شيئاً ما، يظل مستلقياً على ظهره، بينما تلامس مياه الأمواج المنكسرة أطراف أصابع رجليه المغروسة في رمال الشاطئ الذهبية، شاخصاً ببصره صوب الأفق الذي ينتهي في النقطة التي يخيل للمرء أن السماء ولجة الماء تلتصقان عندها. هكذا يقضي جمال أبو بكر، 62 عاما، صياد السمك، يومه على شاطئ بحر غزة. فهذا الكهل الذي قضى أكثر من 45 عاماً وهو يصارع البحر ويكابد أمواجه يعجز حالياً عن الإبحار فيه، رغم أن هذه الأيام تصادف حلول موسم صيد الأسماك الكبيرة في القطاع. فقوارب بكر الثلاثة الراسية على الشاطئ غير قادرة على الإبحار، لأنه لا يوجد وقود يكفي لتشغيلها بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. وكما يقول بكر لـ«الشرق الأوسط» فإن اثنين من القوارب التي يملكها صغيرة وتعمل بالبنزين الذي لا يملك منه إلا 5 لترات لكل قارب، وهذا لا يكفي للعمل، إذ أن القارب يستهلك في اليوم 15 لتراً، أما القارب الكبير فيعمل بالسولار، وهو يحتاج الى 180 لترا يومياً، وهذا أيضاً غير متوفر، وهو ما يجعله وأبناءه يغادرون منزلهم في مخيم الشاطئ للاجئين الى الشاطئ لكي يبقوا بجوار قواربهم، أو انتظار ما يحلمون به بوصول وقود يسمح لهم باستئناف العمل. ويضيف، ونظره لا يكاد يحيد عما ينتهي إليه بصره «أوضاعنا تزداد سوءاً، فموسم الصيد الذي ننتظره طوال العام قد ينتهي بدون أن نحصل على الوقود الذي يسمح لنا بمزاولة العمل». وبينما كان بكر مستغرقاً في وحدته، فإن عدداً من زملائه كانوا يجلسون بالقرب منه وهم يتبادلون النكات وأطراف الحديث، بعضهم يحتسي الشاي، والبعض الآخر يتناول طعام الإفطار. سعيد الصعيدي، 54 عاما، الذي أمضى 37 عاما في مهنة الصيد، يشير الى مشكلة أخرى تجعل قدرته وقدرة زملائه على العمل محدودة حتى لو توفر الوقود. ويقول الصعيدي لـ«الشرق الاوسط» إن خفر السواحل الإسرائيلي لا يسمح للصيادين بالتوغل في البحر أكثر من 3 كيلومترات، علما بأن اتفاق أوسلو تسمح بالتوغل لمسافة 20 كيلومترا. ويضيف أن محدودية العمق الذي يسمح للصيادين بالإبحار فيه تجعل إمكانية عثورهم على سمك بكميات محدودة، إذ أن كل الصيادين أصبح عملهم يتركز في منطقة محدودة قريبة من الشاطئ. ويشير الصعيدي الى مشكلة أخرى لا تقل خطورة وتتمثل في تعمد خفر السواحل الإسرائيلي منع الصيادين من الصيد في المنطقة المتاخمة للحدود المصرية مع القطاع، أو الصيد قبالة ساحل أقصى شمال القطاع لدواع أمنية، علما بأن هاتين المنطقتين تعتبران أغنى المناطق بالسمك. ويوضح الصعيدي أن جنود خفر السواحل الإسرائيليين لا يترددون في إطلاق النار على الصيادين ومن دون أي سبب، حيث قتلوا في الأسبوع الماضي صياداً، ويقومون في بعض الاحيان بقصف تجمعات قوارب الصيد، الأمر الذي أدى تدمير عدد منها.

ويروي الصياد فايق العامودي لـ«الشرق الاوسط» أن خفر السواحل الإسرائيليين يحولون الصيادين لمجرد أدوات للتسلية بالنسبة لهم، اذ أنهم في كثير من الأحيان يجبرون الصيادين على ترك قواربهم والتجرد من ملابسهم والقدوم صوب القوارب العسكرية الإسرائيلية سباحة، ومن ثم يحققون معهم بسخرية، وبعد ذلك يأمرونهم بالعودة الى قواربهم سباحة. ويؤكد العامودي أن تدهور ظروف عمل الصيادين أجبر حوالي 1200 صياد على ترك عملهم والبحث عن أعمال أخرى لكسب الرزق. وأدى تدهور أوضاع الصيد على هذا النحو الى تراجع ناتج الثورة السمكية، الأمر الذي أدى الى ارتفاع اسعار الأسماك بشكل كبير.