أحياء بغداد السنية صارت أكثر أمنا من الشيعية أثناء المواجهات المسلحة

سكان العاصمة ينتقدون قرار حظر التجول.. وأحدهم: «بدر» حمتنا من جيش المهدي

TT

كانت قذائف المورتر تتطاير عبر السماء مساء يوم أول من امس لتخترق سقف الصفيح لمحل الحلاقة. فقد دمرت جدران الطابوق والعوارض الأسطوانية والكراسي الجلدية. وكان الدخان والركام والزجاج يغطي الشارع. كان هناك دم على قميص أبو غدير. فقد أخرج من الأنقاض صبيا كان قد جاء لقص شعره ولكنه بدلا من ذلك تلقى شظية. وبعد عشرين دقيقة من حضور سيارة اسعاف ونقل الصبي، كان أبو غدير يجهد نفسه لفهم الموقف. وقال «قبل أسبوع كانت الحياة جيدة. أما الآن فما من احد يعرف ما الذي سيجري».

وبالنسبة للعراقيين كشفت الصدامات الواسعة التي جرت الأسبوع الماضي عن وضع البلاد الهش؛ فبعد أشهر من الهدوء النسبي وانخفاض العنف، كان كثير من الناس يغلقون أبواب بيوتهم ومحلاتهم مرة أخرى بينما مسلحون شيعة يخوضون معارك ضد القوات الأميركية والعراقية. وقيد حظر التجول حركتهم غير أنهم كانوا ما يزالون عاجزين عن تجنب قذائف المورتر ونيران الصواريخ. وفي حي الكرادة ببغداد كان اليأس محسوسا. وفي الأزقة وواجهات المحلات كان الناس يتحدثون عن شعورهم بالإحباط والرعب وحول المواقف السياسية المضللة التي يلومونها على ما يحدث في العراق من دمار. وقال كثيرون انهم يشعرون بالقلق ليس من النزاع الطائفي وانما من الحرب التي تندلع الآن حيث يعيشون.

وتعتبر الكرادة، وهي حي ذو أغلبية شيعية، وواحدة من المناطق الآمنة في العاصمة، معقلا لحزب الدعوة وللمجلس الاسلامي الأعلى في العراق، وهو حزب شيعي قوي يشكل جزءا من الائتلاف الحاكم. غير أن كثيرا من الشيعة هنا يقولون ان هجوم الحكومة في مدينة البصرة، والذي أثار العنف عبر جنوب العراق وفي بغداد، أظهر أن سياسييهم يهتمون باستئصال الخصوم أكثر من اهتمامهم بحاجات ناخبيهم.

وقال عدنان راضي (60 عاما) الموظف في البلدية ببغداد، ان «كل حزب سياسي يريد السيطرة على الوضع والوقوف على القمة. والناس يدفعون الثمن».

وفي يوم الأحد الماضي، وبعد الظهيرة بفترة قصيرة، كان راضي واثنين من الأصدقاء يجلسون في زقاق كئيب قرب الشارع التجاري الرئيس في الكرادة. وكان الناس يمرون حاملين أكياس الخبز، والعجائز يجمعن الطعام. وكان حظر المرور على مدى الساعة قائما، مما يترك سيارات الشرطة وحدها التي تتحرك في الطرق. وكانت أكوام النفايات في كل مكان.

وقبل دقائق كانت قذيفة مورتر قد انفجرت في مكان قريب. وفي الأسبوع الماضي كانت لدى الرجال الثلاثة تجارب مع هجمات المورتر. وتساءل راضي عن سبب شن المالكي هجوم البصرة. وقال ان هناك الكثير من الأولويات.

لقد زادت الهجمات على الكرادة الأسبوع الماضي؛ فقد كان جيش المهدي، الموالي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والخصم الرئيسي للمالكي والمجلس الأعلى، يطلق قذائف المورتر والصواريخ على المنطقة الخضراء، التي تنتشر فيها بوسترات تحمل صور عبد العزيز الحكيم، زعيم المجلس الاسلامي الأعلى. وقال راضي، مشيرا الى قرار المالكي شن الهجوم الأسبوع الماضي «لقد اندفع. كان عليه أن يجلس الى طاولة ويتفاوض ويحل الأزمة». وقال مثنى هادي (46 عاما)، وهو بائع خضار، ان «الأمر كله من أجل النفط في البصرة». استمع راضي إلى أصدقائه. إذ أنه سمعهم ينوحون طوال الأسبوع. نهض وودعهم ثم خرج، مجتازا عربتين فارغتين.

تعود العربتان إلى هادي ومحمود. وهما لم يذهبا إلى سوق الجملة لمدة أسبوع بسبب المعارك في أحياء بغداد الشيعية. وقال هادي الضعيف البنية مع لحية شعثاء: «نحن لا نستطيع ترك الكرادة». كان السوق في منطقة الدورة سابقا والتي كانت مرتعا للمتطرفين السنة كما قال. وكان الشيعة من أمثاله يخافون الذهاب إلى هناك. لكن الخوف الآن انتقل إلى مناطق شيعية معينة، حيث أصبحت النظرة تجاه أي شخص يشك بارتباطه بالتنظيم المعادي تؤدي إلى الموت. وقال هادي: «الدورة أصبحت أكثر أمنا من المناطق الشيعية».

كان من المفترض أن يكون منع التجول الذي تم الإعلان عنه يوم الجمعة أن ينتهي الأحد الماضي (اول من أمس). استيقظ هادي عند الساعة الخامسة صباحا للذهاب إلى سوق الجملة. لكنه حينما كان يسعى إلى مغادرة الكرادة أوقفه رجل شرطة وأخبره أن منع التجول تم تمديده. «شعرت بالضيق الشديد» قال هادي. وقال محمود إن قادة العراق الحاليين قضوا سنوات كثيرة في المنفى قبل أن يسمح له الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بأن يتسلموا السلطة. لكنهم بعيدون عن الناس. وقال كلاهما إنهما شعرا بالأمن في الكرادة بسبب وجود قوات بدر، الجناح المسلح للمجلس الإسلامي الأعلى، حيث أنها وفرت الأمن للمنطقة. وقال محمود: «ستكون هناك مشكلة لو أن قوات بدر غير موجودة هنا. كان الصدريون احتلوا الكرادة». وعلى مبعدة من هذا المحل هناك صاحب المحل هادي فاضل الذي يعيش وضعا أصعب. فهو لا يعيش في الكرادة، لكنه أجبر على النوم في محله منذ يوم الخميس بسبب منع التجول. وأضاف فاضل: «الحياة تحسنت تدريجيا ثم تغير كل شيء بين ليلة وضحاها. أنا الآن محبوس هنا». وأضاف: «في المرة المقبلة لن أصوت إلى أي شخص. أنا لا أحب أي شخص».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)