العطية: ديناميكيات التغيير في الخليج تكمن في الحفاظ على توازن بين الأصالة والمعاصرة

خلال المؤتمر السنوي الثالث عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

TT

أكد عبد الرحمن العطية، أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، امس ان دعوات التغيير والتحول الديمقراطي التي تهب على منطقة الخليج من الخارج والداخل كانت نتيجة مباشرة للصراعات الاقليمية التي شهدتها المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية وتوجت بأحداث سبتمبر (ايلول) مطلع العقد الحالي. وقال العطية في المؤتمر السنوي الثالث عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي بدأ فعالياته في ابوظبي امس تحت عنوان «الخليج العربي بين المحافظة والتغيير» ان انعكاس النكسات الضخمة التي مرت بها المنطقة على مدركات التغيير الداخلي والإقليمي بعيد المدى وعميق الأثر من حيث التحولات الحادة في مواقف النخب الحاكمة والمجتمعات الإقليمية ذاتها بالنظر إلى ظاهرة الاستقرار والتغيير من عدة زوايا جديدة. واشار الى ان هذه التحولات الحادة في المرئيات اتخذت عدة أشكال وصور ابرزها الحرص على ارتباط عملية التغيير وإرادة التغيير باستقرار النظم والحفاظ على تماسكها، وتحصينها تحصيناً حقيقياً من مصادر الخطر والتهديد الداخلية الكامنة والمحتملة، والتشديد بشتى السبل على منهج التدرج والتطور في عملية التغيير بأبعادها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتركيز على أن منطلقات التغيير ومبادراته وأدواته لا بد أن تكون داخلية وذاتية، تبادر بها النخب المجتمعية كلها وعياً منها بضرورات التغيير والحيلولة دون الانزلاق إلى فراغ القوة واختلال التوازنات أو مخاطر الفوضى والصراع الداخلي والوعي الكامل بأن عملية التغيير ذاتها تحتاج إلى الإعداد والتخطيط الهادئ والمدروس والانتقال الهادئ حتى لا تلحق الضرر بمناخ الاستقرار والتوافق الوطني والإجماع الراسخ والاختيار الصحيح والسديد لأكثر المناهج ملاءمة في التطوير والتحديث والتجديد، على نحو لا يتناقض مع القيم أو يصطدم بالتراث، وفي الوقت نفسه يلبي تطلعات الفرد والمجتمع في إتمام آفاق رحبة من الانفتاح والديمقراطية.

ورأى العطية ان استراتيجية التغيير أو التحول في الخليج اعتمدت منهج التحديث والتجديد المتدرج لا منهج الطفرة الفجائية، واعتمدت صيغة التشاور والتوافق العام نائية بنفسها عن اللجوء لآليات العنف أو الصراع. واعتبر ان ظاهرة التغيير لم تكتمل عناصرها وتنضج مضامينها وأبعادها إلا عبر عقود متتالية من العمل المدني، متعدد الأشكال، تتداخل فيه الدوائر في المشاركة العامة، وعبر تفعيل مظاهر النشاط المهني والثقافي والتعليمي والاجتماعي، بما حقق درجات عالية من التمكين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وأطلق طاقات الأفراد والمجتمع معاً للتعبير عن طموحاتهم في مجتمع أكثر معاصرة، وفي نفس الوقت أكثر تماسكاً في النسيج وتجانساً مع الفكر والقيم، بحيث تسمو ولاءاته فوق ولاءات القبلية أو العشائرية أو الطائفية، ولا تنضوي عناصره إلا تحت انتماء واحد هو الانتماء للوطن والأمة.

وشدد الامين العام لمجلس التعاون على ان جوهر هذا التغيير المجتمعي في الخليج ظل ولم يزل يستلهم الإسلام، عقيدة وتراثاً ومنظومة متكاملة للقيم، ومحدداً أساسياً لتشكيل الهوية والوعي الجماعي، مؤكدا أن هذه الحقيقة لم تكن تعني انعزالاً أو انغلاقاً لا ينتج القيم الإنسانية العليا ولا يتفاعل مع الحضارات والثقافات من كل منهل ومنبع، يأخذ منها ويعطيها مثلما فتح عليها وأعطاها من قبل تراثنا العربي والإسلامي عبر القرون.

وقال إن ديناميكيات التغيير في المجتمع الخليجي العربي الإسلامي لم تزل تكمن في الحفاظ على ذلك التوازن الدقيق بين ما نسميه بالأصالة والمعاصرة أو بين الحداثة والتراث في تلاقٍ يشكل روافد لنهر واسع، تنبع مصادره من منابع عديدة، وتصب في النهاية في ذلك التيار الشامل الجامع لكل قيم التراث ومستحدثات العصر ومبتكراته.

واشار الى انه في إطار المنظومة الخليجية العربية، ليس ثمة ما يمثل قوى الاستمرارية أو قوى المحافظة بكل دلالاتها مثل الإسلام الصحيح المعتدل، عقيدة وشريعة وتراثاً وقيماً وسلوكاً لمنظومة اجتماعية وثقافية متكاملة، صاغت وبلورت عبر قرون ملامح الهوية لشعوبنا من المنطقة العربية والإسلامية.

وذكر انه أضحى من الضروري اليوم في ظل الظواهر البغيضة التي تنكر على الإسلام اعتداله وسماحته، تأكيد الوشائج القوية بين قيم الإسلام وقيم الديمقراطية وبين قيم الإسلام وثقافة الحوار وثقافة السلام ونبذ التطرف والإرهاب، واحترام الآخر وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة وحماية الطفل، وسد كل الفجوات المزعومة بين مبادئ الإسلام والشريعة السمحاء وبين الطروحات المعاصرة للنظام الديمقراطي مثل سيادة القانون والشفافية والحكم الرشيد والمساءلة العامة وما استحدثته مبادرات الإصلاح والتحول الديمقراطي من أطر وأساليب.

ويركز المؤتمر على آثار التغيرات التي تشهدها الدول الخليجية نتيجة للعولمة، والتفاعل الدولي، والسعي نحو تحقيق التقدم والرخاء والتنمية. وتفرد أعمال المؤتمر حيزاً لنقاشات معمقة بشأن نقاط الخلاف التي أخذت تبرز على نطاق واسع داخل أوساط المجتمع بين التوجهات المحافظة التقليدية والتوجهات الإصلاحية والتحديثية، مع تسليط الضوء على برامج الإصلاح السياسي الجارية في دول الخليج، بما في ذلك إجراء تقويم لمفهوم الديمقراطية، إضافة إلى تدارس مظاهر تزعزع الاستقرار في كل من العراق وإيران كحالتين دراسيتين بغية تقويم مختلف القوى الدافعة إلى حركة التغيير في هذين البلدين.