الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ سربت تقريرا عن ضغوط نفسية وسياسية عليه: واشنطن للندن: السادات أصبح رجلا مهموما

السفير السير ويلي موريس في تقييم متشائم : السادات معزول ويتلقى النصح الخاطئ ولا يعرف ما يدور حوله

السادات يستمع الى مصطفى خليل وعثمان احمد عثمان .. هل هو النصح الخاطئ ؟ (« صور خاصة بالشرق الأوسط»)
TT

* وثيقة رقم : 02

* التاريخ : 19 أغسطس 1977

* من: بي . جيه . توري ـ الى: بلاثرويك ، القاهرة ، سري للغاية وعاجل .

1/ رأينا تقارير من الأميركيين تشير إلى أن الرئيس السادات يعيش تحت ضغوط نفسية وسياسية منذ انفجار الاعتداءات العسكرية مع ليبيا، ويعتقد الأميركيون أن السادات قد أصبح أكثر ضعفا ومتوترا في ظهوره العام، فيما وصفه مستر ايلتس بأنه يبدو متوترا وتحت الضغط في ظهوره الخاص، ويبدو أنه قد أوكل كل السلطات الرئاسية لنائب الرئيس حسني مبارك خلال رمضان بينما ذهب هو للراحة في الإسكندرية.

2/ المفترض أنه يريد وقتا يراجع فيه خطوته القادمة في الصراع العربي الإسرائيلي، والذي سيؤثر بالتالي على اهتماماته الرئيسية الأخرى، مثل، تدهور علاقاته بالاتحاد السوفياتي، والعمليات العسكرية مع ليبيا. وتقريرك أشار الى أنه وربما وبرغم مشاركة معظم المصريين له رغبته في تسوية سلمية مع إسرائيل، إلا أن كثيرين لم يعودوا يشاركونه تفاؤله المظهري فيما هناك اهتمام متنام داخل الحكومة لجهة أن السادات قد ذهب بعيدا في خصومة الاتحاد السوفييتي. وتقريرهم أشار الى أن المصريين يعتقدون أن زيارة وزير الخارجية الأميركي فانس للشرق الأوسط فشلت في كسر التعنت الإسرائيلي وأن ذلك قد زاد من حدة الضغوط المحلية عليهم ..(..... ثمانية كلمات ساقطة من عمليات تصوير الوثيقة وتبدو غير ذات تأثير على مجمل الفكرة والسياق .. والإيضاح من «الشرق الأوسط»). ولكن الذي أثار اهتمامنا الآن هو تقدير الأميركيين أن السادات الآن (رجل مهموم). وبوضع المشاكل قيد الاعتبار، يكون من الصعب لحكم كهذا عليه أن يبدو مدهشا، ولكنه ظل دائما في الماضي واثقا.

هل تعتقد أن هناك أي شيء إضافي هنا أكثر من كون السادات يتمتع الآن بإجازة مستحقة ؟

* توقيع : بي . جيه . توري ـ إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.

* وثيقة رقم :177

* التاريخ: 12 سبتمبر 1977

* من : السفير السير ويلي موريس ـ القاهرة ـ الى : الخارجية ـ سري للغاية.

الموضوع : استقرار النظام المصري 1 ـ أثار خطاب بيتر توري يوم 19 أغسطس الى ديفيد بلاثويك مسألة الحالة الحالية للرئيس السادات واستقرار نظامه. وقد قدمت رسالتي بتاريخ 16 يوليو تقييمنا وفق رؤيتنا للأمور من هنا وقتها، فهل هناك تدهور وفق ما يتجه إليه تفكير بعض المراقبين ؟ وهل نرغب نحن في تأهيل حكمنا الذي قلنا به في يوليو ؟

2 ـ الاعتبارات التي سترد أدناه متقدمة نوعا في مساندة حالة تقول بأن هناك تدهورا مستمرا:

أ ـ برغم النجاح الفني للدكتور هنري كيسنجر من تجنيد أو حشد الأموال العربية لمصر والفوز بتصديق صندوق النقد الدولي، والاحتمال أيضا لخلق أفق لنوع من التحسن الحقيقي في الاقتصاد، إذا سمح الوقت بذلك، لم يكن هناك على الإجمال أي شيء قدم أي تحسن للجموع التي تعاني من ضغط صعب. بل وعلى العكس، فقد استمر التضخم، ومع بعض الحالات تمت زيادة لأسعار كنتيجة للإجراءات الاقتصادية التي تم اتخاذها، فيما لم تمس يد الإصلاح المشاكل المزمنة من النقص في الإسكان، وشح الخدمات العامة، أو قل عدم وجودها، إلى تدهور المناطق الحضرية، وذلك برغم الوعود الكثيرة للتحسين فيها. وربما تكون الإثارة بسبب مستوى المعيشة التفاخري والقائم على التباهي من القلة الغنية أكثر سوءا مما كانت عليه في يناير الماضي, حيث كانت الملاهي الليلية، كرمز لمستوى المعيشة العالي والمسرف، بين أهداف خاصة للغوغاء. وهناك شعور بأن من بين الذين (يحسنون) استغلال السياسات الاقتصادية الجديدة بعضا من المقربين من الرئيس نفسه.

ب ـ هناك خيبة أمل متنامية مع عملية السلام المغذاة مجاملة من الروس والكتلة الشرقية وكل أولئك الذين يرون فيها مصلحتهم لمعارضة علاقات مصر الجديدة مع أميركا والغرب، والى ذلك جاء النظر لزيارة وزير الخارجية الأميركي فانس الأخيرة في دوائر كثيرة في مصر إلى أنها أتت بالقليل أو لا شيء. والإحباط أصبح أعظم بقراءته مع الآمال التي أثارتها تصريحات كارتر الأخيرة التي قادت الناس إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية ستمارس ضغوطا على إسرائيل بصورة أسرع وبصورة أكثر فعالية، ولم يكن ذلك هو الحال. والى ذلك تبخرت التوقعات بعقد مؤتمر جنيف قبل نهاية هذا العام. وقد أخبرني إسماعيل فهمي حينما التقيته في 8 سبتمبر أنه لا يرى أية احتمال لعقد مؤتمر جنيف هذا العام إلا إذا حدثت معجزة تمكن منظمة التحرير الفلسطينية من أن تحضره. ومضى ليقول إن عقد اجتماع قمة عربية، إذا ومتى ما حدث ذلك، والى حد ما نجح المصريون في منع انعقاده، سيضع علامة النهاية للاعتدال العربي، ولجنيف ذاتها. ومع خيبة الأمل من عملية السلام يأتي تساؤل متنام عن الحكمة في تعاطي الرئيس مع الروس ومنعه لأي حجة لجهة علاقات متوازنة بين القوى العظمى. على وجه العموم، لم يكن هناك ما هو أكثر من حل جزئي للمشكلة نحو مصادر بديلة للتسلح الرئيسي للقوات المصرية.

ج ـ هناك بعض علامات عدم نجاح من جانب لمسات الرئيس السادات الشخصية، فهناك المجادلون بأنه معزول، ويتلقى النصح الخاطئ بصورة متزايدة، ولا يعرف ما يدور حوله (Out of touch هي العبارة المستخدمة هنا، والإيضاح من «الشرق الأوسط»). فقدان الرئيس المثبت لإدراك المشاكل الاقتصادية ظل باستمرار نقطة ضعف، وقد تجلى ذلك أخيرا بإعلانه المفاجئ بإيقاف مبيعات القطن إلى الاتحاد السوفياتي، وهو التصريح أو الإعلان الذي تم دفنه تماما الآن. والى ذلك شكل نشاط التكفير والهجرة تحديا مباشرا، كما ان إعادة خروج الوفد، أو شيء يشابهه، وإذا ما كان له أن يصل الى شيء، من الممكن أن يظهر مشاكل خطيرة في المستقبل. مفهوم الرئيس نفسه لأحزاب اليمين والوسط واليسار، لتلعب جميعها مع قوانين مرسومة بتخطيط في مسرح مجلس الشعب عملية بديهية ومفهومة. من الصعب تقييم موقف الرئيس من العداء مع ليبيا، وربما يشتبه البعض في أنه قد سمح لنفسه بأن يتأثر كثيرا بشعوره الخاص تجاه القذافي. ولدينا بعض الأسباب للاعتقاد بأن الجمسي وكبار الضباط في الجيش رحبوا بفرصة ضرب الليبيين. ومع ذلك، فالتورط في أي نزاع عربي ـ عربي ليس مطلقا صورة تسعد قائدا عربيا. والى ذلك خاطر السادات بإرسال أناس لمساعدة زائير، ونعتقد أنه فعل ذلك ضد كل النصائح، وربما كان محظوظا في أن العمليات هناك انتهت بسرعة.

3 ـ مثير للتفكير حال تدهور وضع الرئيس السادات ونظامه بالشكل الذي أوردناه. ومع مثل هذه الخلفية يكون من الممكن بسهولة رؤية ظروف يمكن أن يختفي معها الرئيس. أحد الاحتمالات الواضحة انهيار القانون والنظام بسبب الإحباط الاقتصادي من النوع الذي حدث في يناير ولكن مع المؤسسة العسكرية غير الراغبة هذه المرة في استعادة الأمور. الاحتمال الآخر يكون خيبة الأمل من سياسات السادات تجاه السلام والسياسات الخارجية عامة لتقود إلى مجموعة من الناس تبحث في استبداله بمشاكل شعبية أو بدونها. وإذا كان لمثل هذا السيناريو أن يحدث، ففي الغالب أن يوافق أي إنسان، أن الجسم الوحيد القادر على إنتاج تلك المجموعة من الناس، مع القدرة على العمل بصورة فعالة، هو المؤسسة العسكرية، وفي الغالب الجيش، ولكن، وحول طبيعة الأشياء، وحول من سيكون أولئك الناس، فلا أحد يعرف، (وعن الجمسي نفسه لا أستطيع أن أضيف على ما قلته في رسالتي). وباختصار، فمن وجهة معظم المراقبين، وأنا أوافق كليا، العسكريون هم الذين يحملون المفتاح، وهم الذين سيقررون المسألة إذا كان لاضطرابات خطيرة وجديدة أن تحدث، وهم وحدهم الذين يستطيعون التصرف باستقلالية إذا استمر النظام في نجاحه في احتواء إحباط شعبي أوسع.

4 ـ ولكن، تجدني قد وضعت فقط المجالات السلبية، ولا بد من جعلها مؤهلة بطرق عديدة:

أ ـ المناخ العام الآن ليس هو بأي حال مناخ يناير الماضي. فالاضطرابات تلك أعقبت فترة من الاسترخاء في مجال السيطرة والتحرير الذي صاحبه بعض التشجيع للتعبير عن الشعور الشعبي. ومنذ يناير أعيدت السيطرة التامة، وليس لدينا شك أن الأمن أيضا قد تم إحكامه حيث أنه آل مباشرة الى وزير الداخلية الذي جعل في الحال ضابط شرطة نائبا له في وزارة الداخلية. ومن الملاحظ جدا أنه ومنذ يناير ظل هناك غياب للتقارير عن مشاكل التذمر في المصانع من النوع الذي اعتدنا على سماعه باستمرار في العام الماضي. فلم نر شيئا يشابه إضراب الباصات في الصيف الماضي، وحرم الجامعات، حيث قيل إن الأمن فيها قد أحكم بعد أحداث يناير، وأصبحت هادئة بصورة ملحوظة، فيما لم يكن هناك دليل جدير بالتصديق لنشاط جماعات سياسية قانونية من جناح يساري كان من المتوقع أن تتبع نجاح إحداث شغب يناير .

ب ـ من الواضح جدا أن الحكومة حساسة جدا تجاه مخاطر السخط الاقتصادي وتعمل بجهد كبير للتعامل معه، فقد ركز الرئيس السادات عبر سلسلة من الأحاديث في منطقة قناة السويس خلال الأسبوع الماضي، على قضايا الخبز والزبد، واعدا بإسكان أفضل وأرخص. جهود كبيرة تم اتخاذها لإيقاف ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مع الوزراء وهم يفتشون بأنفسهم الأسواق لمنع الاستغلال والمستغلين. أعلن في الآونة الأخيرة أن بعض صادرات الفواكه والخضروات تم تخفيضها مؤقتا لتوفير كميات أكبر منها للسوق المحلي. وإلى ذلك فهذه الحساسية تجادل ضد ما أوردناه بأن الرئيس معزول وأنه لا يعرف كل ما يدور حوله، إذ يبدو أنه على وعي جيد بالمشاكل، أيا كانت وجهة النظر التي يمكن أن تقال عن الفعالية في الترتيبات والوعود التي حملتها تصريحات الرئيس. وفي الحقيقة ففي المشهد إشارة تناقض أخرى، أن يكون صندوق النقد الدولي، المؤسسة التي يساندها الغرب، واستعداد السادات نفسه ليتبع سياساتها، هما اللذين والى حد ما سبب مشاكله السياسية الحالية، مهما كان مقبولا القول بأنها ستكون من أجل آفاق اقتصادية لمصر على المدى الزمني الطويل .

ج ـ ليس هناك تعاطف شعبي لجهة استعادة الأرض المصرية المفقودة، وأقل كذلك لجهة تضحية مصرية أكثر أو أخرى من أجل إعادة الحقوق الفلسطينية، فيما أصبحت سياسات الرئيس تجاه السلام محبوبة شعبيا، وبقدر ما هناك حالة من فقدان الصبر، فهي رهن الواعين سياسيا، ومنهم، كما سبقت الإشارة الى ذلك سلفا، فالواعون سياسيا في المؤسسة العسكرية فقط هم الذين في وضع يمكنهم من تقديم تحد جاد أو خطير. ولهذا، وبافتراض أن النظام يمكن أن يتجاوز السخط الاقتصادي، فربما يملك الرئيس بعض الوقت لطبخ النتائج من مادة سياساته الخارجية وتجاه السلام، برغم أنه ربما يبدو في عرض المزيد من فقدان الصبر بنفسه من أجل نزع سلاح النقد له. وفي حديثي مع سيد مرعي يوم 7 سبتمبر سألني إن كنت قد لاحظت أن الرئيس السادات قد أدار الانتباه مرتين في أحاديثه الأخيرة إلى أن اتفاقية سيناء الثانية قد انتهت صلاحيتها عام 1978، وقال مرعي إن علينا أن لا نرتكب الخطأ مرة ثانية بعدم أخذ السادات على محمل الجد حينما قال إن الحرب هي البديل إذا لم يتحقق السلام بالتفاوض.

5 ـ من هذا التحليل الأخير، أنا ميال الى أن تقييمي في رسالتي بتاريخ 16 يوليو كان شبه صحيح، ومن ثم (إذا حدث تدهور في وضع الرئيس ولكن بعيدا نوعا عن ما هو درامي أو متعذر) وفي، أو منذ، تلك الفترة، ربما تستمر العملية ولكن من دون أن تنحدر بطريقة تسبب إنذارا جديدا مفاجئا. ومن الممكن، من وجهة نظري، أن تمضي الى وقت معقول ومع ذلك دون أن تقدم ما هو كارثي للرئيس، ولكن لا جدال في أنه يحتاج وبصورة حاسمة الى نجاح ما. ولكن هل سينجيه هذا؟ أظن أنه سيكون عرضة للجرح بصورة متزايدة مع مضي الشهور. وكيف سيؤثر عليه ذلك في تسيير مفاوضات السلام وعلاقته مع الأميركيين، من الصعب القول بشيء هنا. وقد تقوده حاجته إلى النجاح نحو استعداد لتقديم تنازلات، وفي المقابل، فعصبية النقد له قد تدفعه الى مزيد من الحزم والتشدد (إشارات سيد مرعي لي الواردة أعلاه تشير إلى هذا الاتجاه).

6 ـ من أجل إكمال الصورة، ربما يكون على المرء أن يضيف بأن هناك طريقين آخرين يمكن للرئيس السادات أن يختفي بموجبهما عن المسرح السياسي بسهولة: وهما المرض والاغتيال. وآخر معلوماتنا أن صحة الرئيس جيدة، ولا نعرف سببا يثير الاهتمام الخاص في هذا الشأن في الوقت الحالي، فيما لم نسمع أو نشاهد دليلا على إظهار الرئيس لمظاهر عصبية أو توتر خاصين، مع أني أعتقد أننا لسنا في وضع نقدم فيه حكما يعتد به في هذا الأمر.

أما بالنسبة للاغتيال، فالخطر دائما هناك، فهو محمي بصورة حسنة ولكن بقدر ما يمكن أن يقدم الحماية له ضباط الأمن المصريون، ولكن أفضل ضباط الأمن قاطبة هم أول من يعترف بأنه لا يوجد دفاع أو حماية ضد قاتل قوي العزيمة.

7 ـ هلا أرسلت الخارجية نسخة من هذه الرسالة لواشنطن.

* توقيع : السير ويلي موريس