نيقوسيا تفتح ثغرة خامسة في «جدار برلين القبرصي».. ثم تعيد إغلاقه بعد 12 ساعة

ممثل الرئيس القبرصي في التفاوض يروي لـ «الشرق الأوسط» تفاصيل اللحظات الأخيرة لفتح معبر ليدرا بعد 44 عاما

قبارصة يدشنون معبر ليدرا الذي افتتح امس ( أ ب أ)
TT

فتح القبارصة أمس ثغرة سادسة في الجدار الذي يفصل عاصمتهم المقسمة، والذي يشبهه الكثيرون بجدار برلين الذي قسم العاصمة الالمانية لعقود قبل ان يتهاوى في التسعينات. وبعد 12 ساعة على افتتاح الممر، أعلنت الشرطة القبرصية اليونانية أنها أغلقت مؤقتا المعبر احتجاجا على انتشار عناصر الشرطة القبرصة التركية في المنطقة الفاصلة. وصرح ناطق باسم الشرطة القبرصية اليونانية أن «المعبر أغلق مؤقتا بعد مشاهدة عدد من رجال الشرطة القبارصة الأتراك بزيهم في المنطقة الفاصلة، منتهكين اتفاقا بين الطرفين ينص على أن ينفرد موظفو الأمم المتحدة بدخولها».

ونجحت الاتصالات التي جرت برعاية الامم المتحدة ودعم وتمويل الاتحاد الاوروبي في السماح بفتح معبر للمشاة في قلب العاصمة القبرصية يسمح بانتقال الافراد بين الشطرين بدون تعقيدات جدية. والمعبر المفتوح يقع في شارع «ليدرا» الذي يحمل الاسم اليوناني القديم للعاصمة القبرصية، وهو احد ابرز وأهم الشوارع فيها والذي اقفل عام 1964 في مستهل الندلاع الازمة ولم يفتح الا أمس.

وفيما كان لافتا الحماس المبالغ فيه من قبل الجانب القبرصي ـ التركي الذي وصف ما حصل امس بأنه «خطوة تاريخية»، كان لافتا ايضا الإصرار من قبل القبارصة اليونانيين على حصر الموضوع بالجانب «الرمزي» والحرص الواضح على عدم اعطاء «انطباعات خاطئة، او آمال زائفة»، كما قالت رئيسة بلدية نيقوسيا اليونانية هيلين مافروا لـ«الشرق الأوسط» على هامش الاحتفال الذي جرى في التاسعة من صباح امس بعد لغط شديد دار حول الموعد الذي حدد في وقت متأخر من مساء أمس وكاد ان يؤجل مرتين كما علمت «الشرق الأوسط». واعتبرت مافروا ان ما حصل «رمزي وليس حلا للمشكلة»، واصفة ما حدث بأنه «خطوة اولى، لكن جيدة».

وأقيم للمناسبة احتفال رمزي شارك فيه مسؤولون من الطرفين القبرصيين وسفراء أجانب ومبعوثون دوليون، وجرى حفل خطابي استهله الممثل المفوض للرئيس القبرصي في عملية التفاوض من اجل توحيد الجزيرة، جورج ياكوف، الذي أمل بازالة المعابر كافة التي تقسم المدينة وفتح كل الطرقات امام المواطنين القبارصة. واشار الى ان الطريق «لم تكن معبدة أمام هذا الانجاز، لكنه أمل في ازالة كل الصعوبات امام حل الازمة القبرصية».

ومن الجهة المقابلة، تحدث ممثل زعيم القبارصة الاتراك، أوزيل نعمة، فوصف ما حدث بأنه «يوم تاريخي». وقال:« انه حدث رمزي مهمٍ، فبعد نحو نصف قرن من الاغلاق نجد انفسنا الآن أمام عهد جديد وعملية جديدة بمزاج ايجابي»، معتبرا انه عندما «يتخطى القبارصة اليونانيون والاتراك مخاوفهم يمكنهم تخطي كل الصعوبات».

أما المزاج الشعبي فقد كان متقاربا مع الموقف السياسي، اذ استغل القادة القبارصة الاتراك المناسبة لتنظيم تظاهرة كبرى تأييدا لـ«السلام الآن» بين الشطرين، ورددوا شعارات تؤيد مسعى السلام هذا من دون الحديث عن «توحيد الجزيرة». ورأى احد المتظاهرين الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من وراء الشرطة القبرصية – التركية التي شكلت حاجزا بشريا لمنع المتظاهرين من التقدم باتجاه الشطر الجنوبي:« نحن فرحون، العالم سيعترف بنا كدولة وأمة وشعب». ووزع رئيس بلدية قبرص التركية، جمال بولوت اولولاري، بعضا من الحلوى التي يشتهر بها القبارصة الاتراك، وكان من نصيب الرئيس القبرصي اليوناني الاسبق، جورج فاسيليو، الذي قاد في عهده عملية التفاوض للانضمام الى الاتحاد الاوروبي قطعة منها، وقال الاخير ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما يشعر به بعد فتح المعبر:« انه شعور حلو المذاق». لكن الصورة كانت أهدأ شعبيا في الجانب اليوناني حيث تجمع عشرات المواطنين يراقبون بصمت العملية. وقالت توكيدا ساليدو انها اتت لترى الشارع الذي تربت فيه وحرمت منه طوال اعوام. وبدأت السيدة التي تبلغ من العمر 65 عاما، بسرد اسماء المواقع في الشارع، وهي تؤشر الى مكان متجر كان لوالدها، قبل ان تمسح بعض الدموع التي سالت على وجنتيها. أما اللافت فكان انه بمجرد ان تم فتح المعبر كانت حركة القبارصة اليونانيين اكبر في اتجاه الشطر الثاني، اذ انتقل منهم نحو 300 الى الشطر التركي مقابل نحو 250 قبرصيا تركيا انتقلوا الى الشطر اليوناني.

واعترف الممثل المفوض للرئيس القبرصي في عملية التفاوض من اجل توحيد الجزيرة، جورج ياكوف، في لقاء مع «الشرق الأوسط» بأهمية الخطوة لجهة ان المعبر المفتوح هو «القلب النابض» لنيقوسيا وقد ظل مقفلا لمدة عام. لكنه قلل من اهمية الخطوة في ما خص عملية اعادة التوحيد الشاملة التي لم يبدأ التفاوض من اجلها بعد فعليا. وقال ياكوف:«لقد لزمنا عملية تفاوض واجراءات طويلة جدا للوصول الى هذه الخطوة، وحتى هذا الصباح لم اكن واثقا من ان الطريق ستفتح. فقد حصلت مجموعة من التطورات منذ ليل امس (الاول) لها دلالاتها وأهميتها بالنسبة الى عقلية الطرف الاخر وارادته بالحل. نحن (القبارصة اليونانيون) اذا قررنا شيئا نمضي به، أما هم (القبارصة الاتراك) فاذا قرروا شيئا سيبقى معلقا حتى اللحظة الاخيرة، وغالبا ما لا يوافقون«. وأضاف:« لقد افتعلوا العديد من العقبات خلال الاسبوع الماضي وحده بقدر لا يصدق، أولا لم يقبل الجيش التركي بالانسحاب من نقطة المعبر، ولما قبلوا رفضوا ان يسمحوا للامم المتحدة بالتنقيب عن الالغام في المنطقة، ولما وافقوا على دخولهم الى المنطقة قرروا انهم يريدون بحثا من نوع محدد ولم يقبلوا بما قامت به الامم المتحدة إلا لاحقا وبعد الكثير من التدخلات. وبعدها لم يقبلوا بالسماح للشركة المكلفة من الاتحاد الاوروبي صيانة المنطقة، ولم يقبلوا بدخول الشركة لان عمالها من القبارصة الاتراك. والليلة الماضية احتجنا الى مفاوضات لتغيير مكان جندي واحد، وعندما قبلوا بذلك وضعوا سبعة شرطيين في المنطقة المنزوعة السلاح، ثم تركوا جنديين، وفي النهاية سحبوا الجنود ووضعوا مكانهم مدنيين». واعتبر ياكوف ان الايجابية في ما حصل بالأمس هو ان القبارصة استطاعوا التوصل الى حل لقضية ما دون ان يتمكن الجيش التركي من إحباط الى الجانب التركي هذا المسعى.