شفاء المقدسي .. من مشروع «استشهادية» إلى مشروع سلام

قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها خلال سنواتها الست في السجن تأثرت بفلسفة غاندي اللاعنفية

شفاء المقدسي تتحدث في هاتفها الجوال («الشرق الأوسط»)
TT

شفاء المقدسي أم فلسطينية من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية. كانت تعمل في صالون تجميل، راضية بما قسم الله لها، تسهر على رعاية طفلتها البالغة من العمر7 سنوات. وجاءت ما تسمى بحملة السور الواقي عام 2002، وما انطوت عليه من إعادة احتلال المدن الفلسطينية التنكيل بأهلها ومجزرة مخيم جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره في رام الله وعمليات الاغتيال لأناس تعرفهم، الى مشروع انتحارية. فلجأت لابن عمها من كتائب شهداء الأقصى ـ الجناح العسكري لحركة فتح، الذي وافق مترددا على طلبها لتنفيذ عملية انتحارية تلحق فيها الضرر والقتل بأكبر عدد من الإسرائيليين.

وقبل ساعتين فقط من الانطلاق الى تنفيذ العملية في منتجع نتانيا الاسرائيلي القريب من طولكرم، داهمت قوة عسكرية إسرائيلية في ساعات الفجر الأولى منزلها وهي نائمة وفي حضنها ابنتها، واعتقلتها ونكلت بها. وبعد قضاء عامين في المعتقلات الإسرائيلية المختلفة، صدر الحكم ضدها بالسجن لمدة ست سنوات.

وأفرج عنها بعد ان قضت مدة محكوميتها بالكامل حرمت خلالها من رؤية ابنتها لأكثر من عامين، ولكنها خرجت من السجن انسانة مختلفة، تدعو للحوار والسلام وتقول ان ذلك قد تكون اجدى من «العمليات الاستشهادية». وعقب الافراج عنها شكلت لجنة تحمل اسم «مقاتلون من اجل السلام» تضم العشرات من الاسرائيليين والفلسطينيين والاجانب، تدعو الى الحوار والسلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. عندما سألتها «الشرق الأوسط» عن اسباب هذا التحول الكبير في موقفها قالت «خرجت من السجن بعقلية جديدة، بل مختلفة وهي نشل السلام من بين الركام ومساعدة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقابعين في سجون الاحتلال». وأضافت ان الفكرة تبلورت لديها قبل سنتين من الافراج عنها. وترجع ذلك الى سببين، احدهما التأثر بالزعيم الهندي المهاتا غاندي وفلسفته في المقاومة اللاعنفية. والسبب الثاني «هو احدى السجينات التي قتل شقيقها في احدى العمليات الانتحارية، وعندما عادت الى السجن بعد فترة العزاء، قالت لنا بإمكاني ان انتقم له منكم.. لكن لن افعل ذلك لأنني اشعر انكم انتم مظلومون، كما نحن مظلومون.. ومن يلعب بمصائرنا هم الرؤساء». وهذا الكلام ترك اثرا كبيرا في نفسي وجذبني اليها.. كل هذه الامور بلورت لدى امرا واحدا وهو انه لا بد من عمل شيء يمكن ان يحرك عملية السلام بشكل صريح وجدي وليس من تحت الطاولة».

وفي ما يلي نص الحوار الذي دار عبر الهاتف:

* يقال انك شكلت جمعية للحوار الفلسطيني ـ الاسرائيلي؟

ـ نعم شكلت هذه الجمعية بعد خروجي من السجن باسم «مقاتلون من اجل السلام». خرجت من السجن بعقلية جديدة بل مختلفة وهي نشل السلام من بين الركام ومساعدة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقابعين في سجون الاحتلال.

* كيف تبلورت الفكرة لديك.. هل تطورت وأنت في المعتقل أم بعد خروجك منه؟

ـ قبل أن اخرج من السجن بنحو عامين، بدأت تتبلور الفكرة في رأسي. قرأت كتبا كثيرة وأنا في المعتقل وتأثرت بأفكار الماهاتما غاندي حول المقاومة اللاعنفية.

* هل ناقشت الفكرة بينك وبين نفسك، أم مع رفيقات اسيرات أخريات؟

ـ اولا ناقشت الفكرة مع شقيقي محمود المعتقل الذي لا يزال في سجون الاحتلال، وبعد ذلك مع أخواتي الأسيرات والإخوة الأسرى، لغاية ان نطلع اصواتهم للخارج ونعرف الناس بأن الاسرى ليسوا ارهابيين بل اناس يدافعون عن حقوقهم وارضهم، ويطالبون بالحرية، مثلما يطالب العالم كله بالحرية لجلعاد شليط (الجندي الاسرائيلي الأسير الوحيد لدى الفلسطينيين) رغم وجود 11 ألف أسير فلسطيني أو أكثر في سجون الاحتلال. وساعدنا في الترويج للفكرة إخوة وأخوات كثر.

* كل هذا قبل الخروج من السجن؟

ـ نعم.. كنت متخوفة من ردات فعل سلبية.. كنت متخوفة من ان يعتقد الناس انني تبنيت هذه الفكرة بسبب السجن ومخاوفي، فكان هناك بعض التردد في البداية. ولكنني في النهاية حسمتها بالتركيز على قناعتي بالموضوع، وما يعنيه بالنسبة لي وما سيقدمه للآخرين.

* هل هناك اناس يقفون الى جانبك الآن ويساعدونك في الترويج لهذه الفكرة؟

ـ نعم هناك مجموعة من الناس.

* هل هي لجنة أم جمعية أم منظمة؟

ـ لجنة «مقاتلون من اجل السلام».

* ومن هم هؤلاء الناس؟

ـ هم عبارة عن فلسطينيين ويهود إسرائيليين. بالنسبة للفلسطينيين فهم من عدة جهات ومن اجهزة السلطة مثل جهاز المخابرات العامة، ومعظمهم معتقلون سابقون، ومن هؤلاء الأخ نور شحادة.

* من هو نور شحادة؟

ـ هو الشخص الذي بدأ العمل معي منذ خروجي من السجن بعد الاستماع الى آرائي. وهو من طولكرم.

* هل كان معتقلا.

ـ نعم هو معتقل سابق، ويعمل الآن في جهاز المخابرات، وتبنى فكرة تشكيل اللجنة وساعدني على تخطي الصعوبات.

* ما هي أهداف هذه اللجنة؟

ـ أهدافها تغيير الانطباع السائد لدى الفلسطينيين والإسرائيليين معا بأن الطرف الآخر ليس كله شر، وان غالبية الطرفين تريد السلام. نريد تشجيع الحوار بين الطرفين على طريق التوصل الى حل الدولتين. بدأنا بعدد قليل جدا، والآن يتعدى عدد أعضاء اللجنة المائة شخص.

* هل تضم اللجنة فلسطينيين وإسرائيليين؟

ـ وأجانب أيضا.

* ما هو نوع الإسرائيليين في اللجنة.. هل هم جنود رافضون للخدمة أم..

ـ نعم هناك جنود يرفضون الخدمة.

* من يقف وراء هذه اللجنة.. أكيد انتم بحاجة الى دعم مالي أو مادي ومعنوي؟

ـ نعم بحاجة.

* ما الذي دفعك الى قبول فكرة تنفيذ عملية انتحارية.

ـ قبل دخولي السجن كان لدي اعتقاد بأن كل الإسرائيليين عنصريون ويسعون الى تدميرنا وقتلنا. لكن هذه الفكرة تغيرت بعد ان قضيت حوالي 6 سنوات في السجن. صحيح انه كان هناك العديد من السجانين الذي كانوا يعاملوننا بتجبر وقسوة وعنصرية غير معقولة، لكن في الوقت نفسه كان هناك بعض السجانين الذين يرفضون ذلك. ويدل على ذلك سجانة قتل شقيها في عملية استشهادية.. وقالت لنا: انه بإمكاني ان انتقم له منكم.. لكن لن افعل ذلك لأنني اشعر أنكم انتم مظلومون، كما نحن مظلومون.. ومن يلعب بمصائرنا هم الرؤساء. وهذا الكلام ترك أثرا في نفسي وجذبني اليها.. وكنت اوجه اليها الكثير من الاسئلة. كل هذه الامور بلورت لدي أمرا واحدا وهو انه لا بد من عمل شيء يمكن ان يحرك عملية السلام بشكل صريح وجدي وليس من تحت الطاولة.

* كيف تمت عملية الاعتقال.. هل سلمت نفسك قبل تنفيذ العملية أم ماذا؟ ـ تم الإبلاغ عني واعتقلت قبل الخروج من البيت للتنفيذ بساعتين تقريبا.

* ومن هو الطرف الذي بلغ؟

ـ أولاد الحلال كثر.

* كيف تمت عملية اختيارك لتنفيذ عملية.. وقبل ذلك لأي تنظيم تنتمين؟

ـ لحركة فتح.

* يعني كتائب الأقصى ـ نعم.

* كيف تمت عملية الاختيار وعلى أي أساس ـ أنا الذي تطوعت ولم أُختر.

* رشحت نفسك.

ـ نعم أنا رشحت نفسي وبادرت بالاتصال وعبرت عن رغبتي بتنفيذ عملية استشهادية. ورفض طلبي في البداية من منطلق ان علي مسؤوليات وبنت أرعاها، لكنهم كانوا في الحقيقة يريدون معرفة الدوافع وراء ذلك.

* أنت متزوجة؟

ـ مطلقة.. والطلاق حصل قبل فترة طويلة ولا علاقة له بطلبي. عندي بنت اسمها ديانا كان عمرها أكثر من سبع سنوات عندما فكرت بتنفيذ العملية، وعمرها الان حوالي 14 سنة..

* وكيف استطعت إقناعهم في النهاية؟

ـ اثبت لهم النية الصادقة.. وبعد ثلاثة اشهر من الحوار وافقوا على طلبي. وتم تحديد الموعد والمكان والترتيبات الكاملة.

* وهل ارتديت الحزام الناسف؟

ـ جربته فقط.

* كيف كان إحساسك وأنت تجربيه؟

ـ لا أريد أن أتذكر.

* حقيقة كيف كان إحساسك؟

ـ كان إحساسا غريبا.

* ما هو الوضع النفسي الذي دفعك للتفكير في تنفيذ عملية انتحارية.

ـ الوضع الذي يعيشه الفلسطيني في وطنه بشكل عام، وخاصة في عام 2002 (اسرائيل اعدت لاجتياح المدن الفلسطينية واحتلالها). والسبب الرئيسي هو حصار الرئيس أبو عمار، وما كان يعنيه بالنسبة لنا. ثانيا مجزرة جنين (مخيم جنين) ومجزرة طولكرم التي راح ضحيتها 25 شخصا في يوم واحد، وبقية المجازر في نابلس ورام الله وغيرهما. وهناك ايضا اغتيال الدكتور ثابت ثابت (مسؤول فتح في طولكرم وكذلك رائد الكرمي قائد كتائب الأقصى في المنطقة) وأخيرا شقيقي محمود الذي اعتقل وهو يرتدي الحزام الناسف عند حاجز الطيبة (بين طولكرم والخط الاخضر).. رد الفعل عندي كان قويا والرغبة للانتقام اقوى، وجاءت عملية وفاء الإدريسي كأول استشهادية، في القدس، لتعطيني دفعة اقوى لتنفيذ عملية استشهادية.

* ومتى كان موعد تنفيذ العملية.

ـ 10 ابريل (نيسان) 2002.

* ألم تأخذي ابنتك بعين الاعتبار قبل التفكير بالعملية.

ـ طبعا فكرت بابنتي كثيرا قبل اتخاذ القرار.. أود ان انوه هنا انه لم تكن لي أي علاقة بأية أمور عسكرية، ولم يكن لي أي نشاط من هذا القبيل قبل ذلك.

* ما دام أنه لم تكن هناك علاقة بكتائب الأقصى.. كيف تم الاتصال بهم إذاً؟

ـ عن طريق ابن عمي.. فهو كان يسكن في نفس العمارة التي نقطن فيها.

* كيف عرفت أن ابن عمك (محمد القدسي أبو علي) له علاقة بكتائب الأقصى.

ـ كان لدي انطباع. فلجأت اليه، وسألته ان كان يعرف أناسا في هذا المجال. رفض في البداية رفضا قاطعا. ولكن عندما أبلغته بأنني قد ألجأ الى فصائل أخرى، قبل بنقل طلبي وجاءت الموافقة بعد ثلاثة اشهر خضعت خلالها لاختبارات كثيرة.

* ولماذا لم تنفذي العملية؟

ـ لأن الاعتقال تم قبل مغادرة المنزل بساعتين.

* أين كان مكان التنفيذ؟

ـ في نتانيا.

* وكان يفترض أن تصلي الى نتانيا عبر حاجز الطيبة...؟

ـ لا ادري.. كان إيصالي الى نتانيا هو مهمتهم.. لا ادري متى ولا كيف.. كان علي ان اصل الى مكان اللقاء في ساعة محددة لأرتدي الحزام الناسف ويقوم هم بكل المسائل الأخرى حتى إيصالي الى نتانيا لأتكفل أنا بالباقي.

* يعني اعتقلت قبل ان تتزنري بالحزام؟

ـ نعم لم اكن قد ارتديت الحزام عندما اعتقلت، رغم تجريبي له.

* بصدق.. هل شعرت بارتياح عند اعتقالك.. فالاعتقال حال موت مؤكد بالنسبة اليك؟

ـ لا لم اشعر في لحظة الاعتقال.. لكن هذا الإحساس ربما جاءني بعد فترة من الاعتقال، حيث فكرت بما كنت سأقدم عليه، وأعدت حساباتي. لكن في البادية لم أفكر بالأمر، بل على العكس كنت أتمنى لو ان العملية نجحت.

* عندما فكرت في تنفيذ عملية انتحارية ألم تفكري بابنتك ولمن ستتركينها؟

ـ والله فكرت.. أنا لست حجرا. فكرت بابنتي كثيرا ولم يكن الأمر سهلا علي. وأود ان اقول انه في كل مرة كنت اتراجع خطوة، كنت اتقدم عشرخطوات بسبب المناظر التي كنا نراها يوميا.

* كنت تنتظرين مجيء من سيرافقك الى مكان الحزام الناسف قبل انطلاقك للتنفيذ.. في هذه اللحظات اين كانت ابنتك منك؟

ـ كانت ديانا تنام في حضني في تلك اللحظات. وبعد ذلك أبلغت ابنتي بالأمر قبل ساعات من اعتقالي.. وقلت لها «رايحة اعمل عملية استشهادية زي وفاء الإدريسي التي سمعت عنها.. وانه ممكن اموت».. وراحت تبكي.

* وغير البكاء، كيف كان رد فعلها.. ماذا قالت؟ ـ توسلت إليّ وحاولت اقناعي بالعدول.. وقالت وهي تبكي«ماما لمين رايحه تتركيني.. وشو رايح يصير بيّي؟».. قالت كلاما كثيرا، معظمه مؤثر جدا ولكنني في النهاية استطعت اقناعها.

* يعني كلامها وتوسلاتها ودموعها لم تقنعك بالعدول.. هذا يعني ان الدافع كان أقوى من حنان وعطف الأمومة.

ـ الدافع كان قويا ولا يمكن اختصاره بجملة أو جملتين.. باختصار كان من الصعب في تلك اللحظات أن أتصور أن يتواصل قتل شعب برمته من دون عمل ما.

* أين تمت عملية الاعتقال؟

ـ من منزل أهلي في الحارة الغربية من المدينة.

* كيف تمت العملية؟

ـ الأمر كان صعبا للغاية.. كنت اعد نفسي لعمل وما حصل لي كان شيئا مختلفا. قبل ساعتين تقريبا من الانطلاق حاصرت قوات كبيرة منزل الأسرة والبيوت المحيطة.. كان المنظر مرعبا ويصعب وصفه.. أكثر من 50 دبابة إسرائيلية اضافة الى السيارات العسكرية وعشرات الجنود ورجال الشرطة والقوات الخاصة والكلاب الخاصة.. اضافة الى طائرات كانت تحلق فوق المنطقة.. كانوا يعتقدون ان الحزام الناسف بحوزتي، فحطموا أثاث البيت بحثا عنه، وانهالوا بالضرب علي كل من كان في البيت.

* هل كانت ابنتك موجودة لحظة الاعتقال؟ ـ ابنتي كانت نائمة في حضني، اذ كانت الساعة حوالي الثانية والنصف ليلا. استيقظت على صوت الدبابات، ألقيت نظرة من النافذة، وما ان شاهدت المنظر المرعب حتى تيقنت انهم جاءوا لاعتقالي.. وما خطر ببالي اخرين من المطاردين الكثيرين في المنطقة. كانت معي بعض الأوراق (وصايا وما شابه ذلك) فسارعت الى اتلافها. وسارعت الى ابنتي التي استيقظت جراء الضجيج وقلت لها ان تبقى ممسكة بيد زوجة أخي والا تقول انني والدتها. وقلت لها ان كل شيء تغير، يعني أني لن أموت ولكن سأعتقل وقد لا تستطيعي رؤيتي لفترة طويلة.. شرحت لها اشياء كثيرة وعاملتها كصديقة ولم اخف عنها شيئا. وهذا ساعدني، فعندما زارتني لأول مرة لم تلومني كثيرا.

* اقتحموا منزلكم.. فماذا حصل؟

ـ اقتحموا البيت بأعداد كبيرة واعتقلوني وكبلوني وانهالوا بالضرب علي وعلى كل من في المنزل، وبعد ان عاثوا في البيت فسادا بحثا عن الحزام الناسف، قبل نقلي بالقوة بعنف الى احدى السيارات العسكرية ونقلت الى مكتب الارتباط في طولكرم حيث بقيت ربع ساعة لم يتوقف خلالها الضرب. ومن هناك نقلت الى مركز توقيف نتانيا وبقيت هناك 10 دقائق وبعدها نقلت لفترة قصيرة الى مركز توقيف آخر ايضا في نتانيا، قبل نقلي الى مركز توقيف في حيفا.

* هل كان هناك استجواب وتحقيق معك خلال هذه الفترة؟

ـ لم أُسأل ولم يتكلموا معي وتواصل الضرب حتى نتانيا. ومن حيفا نقلت الى سجن الجلمة حيث كانت الساعة حوالي الثانية ظهرا.

* أول سؤال وجه البك؟

ـ كنت تخططين لعملية انتحارية ونريد منك اعترافا كاملا عن المخططين. التزمت الصمت بداية الى حين اكتشفت أن لديهم شريط كاسيت كنت سجلته بصوتي وكان موجها لأهلي.. وصورا صغيرة لي.

* يعني كانت العملية عملية تسليم باليد.

ـ نعم

* هل تشكين في أحد؟

ـ الشك أصبح يقينا.

* ومن هو ذلك المخبر؟

ـ لا لن اكشف عن اسمه وسيأتيه الدور لاحقا لأنه في السجن.

* هل هو ابن عمك؟

ـ لا بالطبع فابن عمي فوق الشبهات وهو يقضي حكما طويلا في السجن بعد ان اعترفت عليه أنا شخصيا. إنه شخص آخر هرب الى إسرائيل بعد انكشاف أمره وسلم نفسه.

* أكملي...

ـ تواصل التحقيق معي وأبديت استعدادي للاعتراف مقابل أن أرى أخي محمود المعتقل الذي كنت اعرف انه موجود في سجن الجلمة. ووافقوا على طلبي والتقيت بشقيقي. بعدها اعترفت بكل شيء بعد أن رأيت الصور والشريط.

* هل توقف الضرب والتعذيب بعد الاعتراف؟

ـ لأنني اعترفت لم يكن هناك ضرب خلال التحقيق الذي استغرق 42 يوما في ظروف نفسية وحرب أعصاب قاسية.. تدمرت نفسيتي وأعصابي خلالها.

* لماذا يتواصل التحقيق لـ42 يوما رغم اعترافك؟

ـ يريدون معرفة من كان معي. والحقيقة انني لم أكن اعرف سوى اثنين هما ابن عمي والثاني المسؤول عن تجنيدي وهو هاني أبو ليمون.

* وهل هاني معتقل.

ـ نعم.. لم يكن ما قلته كافيا ،كانوا يريدون معرفة المزيد. والحقيقة انه لم تكن لدي معلومات، ولو توفرت لاعترفت بها.

* بعد انتهاء التحقيق هل قدمت للمحاكمة؟

ـ نقلت في 22 مايو (ايار) الى سجن الرملة.

* وبعد سجن الرملة؟

ـ مكثت في سجن الرملة عامين عانيت خلالها كثيرا.

* ألم تقدمي للمحاكمة؟

ـ بعد عامين صدر حكم بحقي بالسجن لمدة 6 أعوام.

* أليس هذا حكما مخففا؟

ـ لم يجدوا معي شيئا ولم أقتل إسرائيليا. فالحكم على من يقتل إسرائيلي السجن المؤبد، وقضيت 4 منها في سجن تلموند.

* عندما أبلغت بقرار الإفراج كيف كان وقعه عليك؟

ـ فرحة لا توصف. يا رجل احنا كنا عايشين أحياء في قبور. صحيح انني كنت اعرف أن تاريخ الإفراج بعد حكم المحكمة هو 10 يناير (كانون الثاني) 2008، ولكن يبقى الإنسان خائفا وعلى أعصابه، وعندما سمعت الخبر منهم كانت الفرحة كبيرة جدا.

* متى أبلغوك بقرار الإفراج.

ـ قبل يوم واحد.. وكانت الفرحة عامة من قبل جميع الأخوات والزميلات. ولكن مهما كانت الفرحة كبيرة، تظل ناقصة لأنني تركت ورائي شقيقي محمود وابن عمي وأخوات عدة عزيزات. وأخص بالذكر زهى حمدان التي كانت بمثابة أم لي في السجن وهي اكبر أسيرة وعمرها الآن 42 عاما. صحيح كانت فرحة لكنها ناقصة.

* كيف تمت عملية الإفراج؟

ـ بداية نقلوني من غرفة السجن الى مكاتب الإدارة، حيث وقعت على أوراق شتى. وقالوا «نتمنى ألا نراك مجددا هنا». وقلت لهم «هذا شيء مؤكد لأنه اللي بيشوفكم ما بيحب يرجعلكم». وبعد ساعة انتهيت منها من الاجراءات، نقلت الى مركز جبارة او حاجز جبارة جنوب طولكرم حيث كان في استقبالي أهلي وأصحابي ولفيف من الناس. كان الاستقبال كبيرا وحافلا وجميلا.

* كيف كان اللقاء مع ابنتك؟

ـ لقاء لا يوصف. تركت ابنتي طفلة وعدت اليها صبية ابنه 14 عاما.. يعني ضاعت علي سبع سنوات تقريبا من عمرها. تحملت ابنتي المسؤولية وهي صغيرة جدا.

* ماذا كنت تعملين قبل الاعتقال؟

ـ في صالون زهوة للتجميل لبضع سنوات.

* يعني تعلمت فنون التجميل في معهد.

ـ دخلت دورة تدريب مهني في طولكرم لمدة سنتين، وأعمل الآن متطوعة في نادي الأسير، وأنتظر كتابا من وزارة الأسرى. وأدرس الآن خدمة اجتماعية في جامعة القدس المفتوحة في طولكرم.

* هل بعد هذه السنوات تشعرين بالندم بالتفكير في تنفيذ عملية انتحارية.

ـ لا.. لا أشعر بالندم، ولكنني الآن أفكر بطريقة مختلفة لخدمة شعبي وقضيتي.. أنا الآن ممكن ان اكون قنبلة في وجه الإسرائيليين، لكن قنبلة من نوع ثان، عبر سبل نضال مختلفة منها تعلمي والخدمة الاجتماعية التي أقوم بها.. والدعوة الى الحوار بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

* برأيك هل يحصل الأسرى والأسيرات على العناية الكاملة من السلطة؟

ـ لا.. ليست كافية.

* هل كان لديك أمل في أن يفرج عنك في إطار الإفراجات التي تمت؟

ـ نعم .. أمل كبير الى درجة أني كنت أجهز حقيبتي.

* وعندما تكتشفين أن اسمك ليس من ضمن المفرج عنهم.. كيف كنت تشعرين؟

ـ بحزن شديد.. ليس هناك من يحب السجن او الموت.. وأقول لك إن الأوضاع قد تزداد سوءا في الضفة الغربية، ولكن لن تفكر شفاء بالقيام بعملية انتحارية.

* كيف تنظرين الى فتاة أخرى تفكر بالقيام بعملية انتحارية؟

ـ ليس من حقي تقييم الآخرين..ولكني سأفعل المستحيل كي أقنعها بالعدول. وسأقول لها «إذا أردتِ مساعدة شعبك فبامكانك مساعدته بالكلمة والإعلام».

* بماذا نسميك الآن.. «استشهادية» سابقة أو مشروع «استشهادية»؟

ـ مشروع سلام.

واختتمت شفاء الحوار برسالة تقول فيها: إن هناك آلاف الأسرى والأسيرات الذين يعانون الأمرين.. ويعيشون الحرمان والمصاعب. فالأمراض تتفشى في السجون ولا تعالج إلا ببعض المسكنات. هناك أسير إسرائيلي واحد اسمه جلعاد شليط يطالب العالم كله بالإفراج عنه بينما هناك أكثر من 11 ألف اسير فلسطيني لا احد يعمل أو حتى يطالب بالإفراج عنهم، منهم الأم زهى حمدان وأحلام التميمي التي حكم عليها بـ16 مؤبدا اضافة الى 25 سنة، وهناك سناء شحادة وخولة زيتاوي التي وضعت مولودتها في الأسر وهي مهددة بحرمانها من ابنتها.