أبو يحيى الليبي يتصدر الجيل الجديد من قيادات «القاعدة»

مقاتل وشاعر وقائد عسكري ومنظر شرعي تعلم الإسلام في موريتانيا

أبو يحيى الليبي في شريط لمؤسسة سحاب الذراع الإعلامي لـ«القاعدة» («نيويورك تايمز»)
TT

في ليلة 10 يوليو 2005، هرب قائد غامض يسمى أبو يحيى الليبي من سجن اميركي بأفغانستان وانتشر صيته في عالم المجاهدين باعتباره مهندس عملية «الهروب الكبير» من قاعدة باغرام مع ثلاثة اسلاميين آخرين . وكان لهروب الليبي وثلاثة من رفاقه من قاعدة باغرام الجوية أثر محرج على المسؤولين الاميركيين، كما أنه أسعد الحركات الجهادية. وبعد نحو ثلاث سنوات ظهر أن الصعود السريع لليبي في سلم قيادة «القاعدة» قد جلب العديد من المشكلات للسلطات.

ويعتقد أن الليبي في العقد الرابع من عمره، ويعتبر من المخططين الاستراتيجيين للقاعدة، كما أنه واحد من المطورين المؤثرين للجهاد على المستوى العالمي، وقد ظهر في العديد من مقاطع الفيديو على مواقع الإنترنت خلال السنة الماضية، حسبما أفاد مسؤولو مكافحة الإرهاب. وفي الوقت الذي يظهر فيه أعضاء «القاعدة» مفعمين بالحماسة أكثر من العمل، فإن الليبي يبرز كنجم ثاقب ويزيد من تطور مجموعته واهتمامها بالمعلومات في حربها على الغرب. وقد أفاد جاريت براشمان، وهو محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية والذي يعمل الآن كمدير أبحاث لمركز محاربة الإرهاب في وست بوينت بقوله: «إنني أعتبره رجل المهام الصعبة في «القاعدة». إنه مقاتل وشاعر وعالم. وهو ناقد وقائد عسكري ولديه شخصية قوية للغاية وهو شاب ونجم بازغ في سماء «القاعدة». وأعتقد أنه أصبح الوريث الظاهر لأسامة بن لادن فيما يتعلق بتولي مسؤولية الحركة الجهادية عالميا».

ومن شأن السرية التي تغلف هيكل قيادة «القاعدة» أن يجعل مثل ذلك التقدير نوعا من التخمين حسبما أفاد بعض المحللين الآخرين. ولكن أفاد بعض الإسلاميين أنه بالإضافة إلى الشباب وقوة الشخصية، يمتاز الليبي بمهارة يفتقدها قادة «القاعدة»، وهي العلم الديني. ومع أخذ ذلك في اعتبارنا، فقد صورت «القاعدة» الليبي الذي قضى سنتين في أفريقيا لدراسة الإسلام في العديد من مقاطع الفيديو مثل أفراد القيادة العليا من قبيل بن لادن وأيمن الظواهري. وأفاد اسلامي موجود في لندن بأن: «بن لادن مهندس والظواهري طبيب. فمن المهم أن يقدما شخصية لها دور في العلم الشرعي».

وتلقي الأدوار التي يقوم بها الليبي في مقاطع الفيديو، بدءا من تجنيد العناصر إلى التكوين الفكري، الضوء على التغير الحادث في تكتيكات «القاعدة». ففي الشهور السابقة، احتوت هذه التكتيكات على مناورات دفاعية تهدف إلى تخفيف الحملات الإعلامية المضادة للولايات المتحدة وحلفائها. ويلقي الليبي رسائله بصبغة وعظية. وهو يرتدي عمامة سوداء تصل إلى صدره، وهو يرتدي الثياب العربية البيضاء والستر المموهة. وقد قال في شريط فيديو بث هذا العام: «أيها الشباب المسلم في الشرق والغرب الذين يستمعون إلى نداء الله: انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم».

ولكن الليبي يزيد من استخدام مقاطع الفيديو ليس لزيادة توسع «القاعدة» ولكن لدعمها. وقد هاجم العلماء المسلمين المعتدلين الذين يتهمون «القاعدة» باستخدام تفسيرات خاطئة في تفسير القرآن لتبرير الجهاد. وفي خطاب استغرق 93 دقيقة كشف عنه في الخريف الماضي، حث الليبي مؤيديه على نذر أنفسهم للجهاد بطريقة الحرب النفسية المدعمة بالدعاية غير الحقيقية. وقد فنّد الشائعة التي تقول إن دستور «القاعدة» ينادي بقتل أي شخص يخرج على الجماعة بقوله: «القاعدة» وقادتها أكثر نبلا وصفاء من الانحطاط إلى هذا المستوى الجنون».

وقد قادت هذه الاتصالات وغيرها من قبل الليبي محللي الاستخبارات في مركز بوس بوينت وغيرها من الأماكن إلى الاهتمام بمقاطع الفيديو الخاصة به مثل متخصصي الكرملين الذين كانوا يبحثون عن مفاتيح عملية بخصوص النوايا السوفييتية. بدأ الليبي كعنصر في طريق التعلم الشرعي، حسبما أفاد رجل ليبي يقول إنه كان يعرفه. وأخوه الأكبر سجين الآن في ليبيا وكان شخصية هامة في مجوعة القتال الإسلامي الليبية، التي ذهب أعضاؤها إلى أفغانستان للمساعدة في هزيمة الاتحاد السوفييتي.

وقد تم إرسال الليبي الذي رجع إلى أفغانستان في أواخر التسعينيات إلى شمال أفريقيا لدراسة الإسلام في موريتانيا. وعندما رجع بعد سنتين لم تعد أفغانستان ساحة قتال للعناصر الليبية ولكنها كانت ملجأ لهم وقد سيطرت طالبان على معظم البلاد. وقد كان تدريب الليبي على الحرب محدودا وعمله السابق كواعظ لم يكن وثيق الصلة بالعمل العسكري، حسبما أفاد الرجل الليبي، الذي قاله إنه قابل الليبي في أفغانستان والذي رفض الإفصاح عن هويته بسبب مخاوف أمنية في مقابلة هاتفية، وقال: «لقد بدأ زيارة معسكرات تدريب وتحدث عن الشريعة فيها، كما تحدث عن الأخلاق والسلوك وكيفية العمل بطريقة إسلامية.

وبعد عام من أحداث 11/9 قبضت السلطات الباكستانية على الليبي وسلمته إلى السلطات الأميركية التي سجنته في قاعدة باغرام العسكرية. وفي أحد مقاطع الفيديو التي تم تصويرها بعد هروبه عام 2005 امتدح الليبي ورفاقه هروبهم حامدين الله على تشتيت آسريهم. وتعيد بعض مقاطع الفيديو الحديثة التي يتم توزيعها على مواقع الإنترنت الجهادية عملية الهروب مع بعض الأحداث الدرامية. ويعتقد أن الليبي الذي استخدم أسماء أخرى مثل حسن قائد ويونس السهراوي يعيش حاليا في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية. ويبدو أنه أخذ طريقه بسرعة إلى الدائرة الداخلية للقاعدة. فقد كان بين القادة الذين أرسلوا خطابات تأبين لأبي مصعب الزرقاوي القائد العسكري الذي قتل في العراق عام 2006 والذي كانوا يعتقدون أنه يعوق جهود الاستراتيجية الدولية للمجموعة بقتله العديد من المدنيين. وقد كتب في خطاب بتاريخ 20 نوفمبر 2005 حسب ترجمة حصلنا عليها من مجموعة ويست بوينت أنه يشاركهم الجهاد العظيم. وقال: «آمل أن تفتحوا قلوبكم لما أقوله».

وفي مقاطع فيديو أخرى ظهر الليبي كرجل مفيد للقاعدة. فقد ظهر أنه يدحض حجج العلماء المسلمين الذي ينتقدون المهاجمين الانتحاريين في الجزائر وقد حث المسلمين على تنفيذ هجمات في أوروبا ردا على الرسوم الكرتونية المسيئة للنبي محمد.

وعندما طلب إلى رئيس قسم مكافحة الإرهاب ديل دايلي الذي تقاعد عن العمل في الجيش كجنرال، عن تقديره لمنزلة الليبي، قال في رسالة بريد إلكتروني: «إن أبا يحيى عضو رئيسي في «القاعدة» وهو استراتيجي بارز للمجموعة ويعتبر واحدا من أبرز مطوري الجهاد».

وقد أصبح أيضا قائدا للقوات الليبية في أفغانستان وباكستان لاسيما بعد موت القائد البارز أبو الليث الليبي هذا العام، حسبما أفاد إيفان كوهلمان وهو محلل شهد في قضايا الإرهاب كشاهد حكومي. وقد جاءت أصرح مناقشات الليبي لحرب معلومات «القاعدة» مع الغرب في الفيديو الذي ظهر الخريف الماضي «النقاط فوق الحروف». وفي تشديده على أهمية وجود الجماعات الإسلامية حول العالم هاجم الليبي «المرتدين» الذي يهاجمون العنف وانتقد الخلافات الداخلية بين المسلحين والفتاوى أو البيانات الرسمية الإسلامية من جانب المعتدلين المسلمين الذين ينتقدون الجهاديين. وقد حدد ست طرق يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن تحاول استغلالها هي في عدم التجانس بين الجماعات في حربها النفسية عليهم. وقد زادت جهود البنتاغون لكبح جماح «القاعدة» خلال الأشهر الأخيرة في العراق، حسبما أفاد مسؤولون عسكريون في بغداد، بما في ذلك استخدام الأئمة لمقابلة المعتقلين في السجون الاميركية للحديث معهم حول النواحي الدينية قبل أن يتم إطلاق سراحهم ونشر أسماء العناصر التي تتخلى عن العنف. وفي الفيديو الذي ظهر الخريف الماضي، أوضح الليبي أن هذه التكتيكات سوف تفشل. وقال إن جذب العناصر المقبوض عليها لن يكون فعالا.

* خدمة «نيويورك تايمز»