فرنسا تتوقع أن يطول الفراغ الدستوري في لبنان لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية

حمّلت دمشق مسؤولية التعطيل وحذرت من عمليات اغتيال جديدة

TT

أفادت مصادر فرنسية واسعة الإطلاع بأن الملف اللبناني «ما زال يشكل أولوية بالنسبة للعمل السياسي والدبلوماسي الفرنسي» في المرحلة الراهنة وأن باريس «ما زالت تتابع الوضع عن كثب ومستمرة في اتصالاتها ومشاوراتها مع الأطراف المعنية عربيا وإقليما ودوليا».

وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تدرس مجموعة من الأفكار» في الوقت الراهن غير أنها «لم تصل بعد إلى مرحلة إطلاق مبادرة جديدة» بانتظار أن «تنضج الظروف لإطلاقها». ومن بين أبرز الأفكار التي تتدارسها الدبلوماسية الفرنسية الدعوة إلى مؤتمر دولي حول لبنان يشبه في تركيبته مؤتمر «باريس ـ 3» الذي حضرت له باريس ودعت إليه وأشرفت على انعقاده. غير أن المصادر الفرنسية قالت إن الفكرة «قيد البحث والتقويم» لاستشراف النتائج التي يمكن أن تصدر عن مؤتمر كهذا وعن «الدفع» الذي يمكن أن توفره لما تعتبره فرنسا هدفا رئيسيا أي انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ووضع حد لمرحلة الفراغ الرئاسي.

وكانت باريس تنوي التعجيل في «مبادرتها» لو أن قمة دمشق سحبت من التداول المبادرة العربية. غير أن إبقاء المبادرة مطروحة، وإعادة تكليف أمين العام الجامعة العربية عمرو موسى بالسعي إلى تطبيقها، دفعا الدبلوماسية الفرنسية إلى «التمهل» والى إعادة تأكيد دعمها لهذه المبادرة.

وتعترف المصادر الفرنسية بأن هناك نوعا من «التعب» من الموضوع اللبناني بينما تحدثت مصادر لبنانية عن «عتب» فرنسي على الأطراف اللبنانية التي «لم تعد تستشيرها كما في الماضي».

وتتأرجح الجهات الفرنسية بين رأيين، يقول أولهما إنه يتعين «تحاشي مبادرات لا تعطي نتائج ملموسة» فيما يدافع الرأي الآخر عن تحرك قد لا يفضي إلى انتخاب رئيس جديد مباشرة أو في القريب العاجل وإنما «يبقي لبنان على الأجندة الدولية ويشكل وسيلة ضغط على الأطراف الداخلية والخارجية ويجلب دعما دوليا إضافيا للسلطات الشرعية اللبنانية». وبكلام آخر، يعتبر أنصار هذا الرأي أن انعقاد مؤتمر كهذا «لا يمكن إلا أن يكون مفيدا رغم أنه قد لا يكون كافيا للوصول الى انتخاب رئيس جديد».

ونقلت أوساط لبنانية عن مسؤول فرنسي قوله إن التحرك الفرنسي بشأن الملف اللبناني «سينتظر بداية شهر يوليو/ تموز المقبل» أي موعد تسلم فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي.

وبعد أن مر استحقاق القمة العربية من غير تحقيق أي تقدم على درب الملف اللبناني، فإن باريس ترى أن الاستحقاق «المرحلي» الجديد سيكون انتهاء ولاية قائد الجيش والمرشح الرئاسي العماد ميشال سليمان على رأس المؤسسة العسكرية أواخر شهر أغسطس (آب) المقبل. غير أن العاصمة الفرنسية التي تعترف مصادرها بأنها «لم تعد تعول كثيرا على نجاح المبادرة العربية» تتوقع أن يطول الفراغ الدستوري في لبنان لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وربما لما بعد الانتخابات التشريعية اللبنانية صيف العام المقبل. وتبدو المصادر الفرنسية «متشائمة» حتى إزاء إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية، فيما لو ظل التجاذب على حاله بين القوى المتصارعة على السلطة وهي، في هذا الصدد، تذكر بالتمديد الذي كان يلجأ إليه النواب اللبنانيون أكثر من مرة.

وتتساءل الأوساط الفرنسية المعنية التي ما زالت تعتبر أن جزءا كبيرا من التعطيل يأتي من دمشق عن «الورقة الضاغطة أو المحفزات» التي من شأنها دفع السلطات السورية إلى تغيير نهجها في لبنان خصوصا أن هذه الأخيرة تعتبر أن الوقت «يلعب لصالحها ويكفيها أن تنتظر انتهاء ولاية الرئيس بوش وتغييرا في الإدارة وربما وصول إدارة جديدة تقبل البحث معها عن صفقة ما».

وفي ظل هذه المعطيات، تدعو باريس إلى «الحذر» والتنبه إلى ما من شأنه «دفع الوضع في لبنان باتجاه الفلتان» إما عن طريق عمليات اغتيال جديدة أو عمليات احتجاجية تفضي إلى اشتباكات كما حصل في مار مخايل بين الجيش ومتظاهرين قريبين إلى حزب الله وأمل أو عبر بوابة الجنوب. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس تدعو الأطراف اللبنانية إلى «تحاشي ما يمكن اعتباره عملا استفزازيا» من قبل الحكومة أو الأكثرية أو المعارضة والى إدارة هادئة لمرحلة الفراغ الدستوري بانتظار ان تتوافر الشروط لانتخاب رئيس جديد للجمهورية كمؤشر أولي لخروج لبنان من أزمته السياسية.