الإضراب بمصر: عاصفة ترابية ووقفات احتجاجية وتباين حول نسب المشاركة

اعتقال 120 ناشطا سياسيا.. وتأكيد على عدم تأثر المصالح

TT

لا أحد يعلم مع من تحالفت العاصفة الترابية التي هبت على مصر أمس؟ مع الأمن الذي سعد بعدم وجود تجمعات ضخمة كما كان متوقعاً، أم مع المصريين الذين وجدوا ما يبرر غيابهم عن العمل في حال المساءلة من قبل رؤسائهم؟ الشيء المؤكد أن المشاركين في الإضراب العام الذي شهدته مصر أمس، شهدوا يوما عصيباً قضوه بين العاصفة الترابية التي تزايدت حدتها بمرور ساعات النهار وبين التعزيزات الأمنية المشددة في شوارع وميادين المحافظات الرئيسة والتي فرقت الوقفات الاحتجاجية واعتقلت نحو 120 من الناشطين السياسيين المعارضين.

ورغم الاختلاف على نسبة المشاركة في الإضراب إلا أن الانسياب المروري كان واضحا في شوارع القاهرة، وخاصة في أوقات الذروة، وهو ما أرجعه البعض إلى غياب الموظفين عن أعمالهم إما بسبب الإضراب أو بسبب العاصفة الترابية الشديدة التي هبت على مصر أمس.

واعتقلت السلطات الأمنية ما يقرب من 120 ناشطا سياسيا معارضا في القاهرة والبحيرة والإسكندرية، ليس من بينهم أي من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت أنها لن تشارك في الإضراب، كما فرقت السلطات عدة وقفات احتجاجية أمام نقابة المحامين، وميدان التحرير، وشارع رمسيس بوسط القاهرة، وشارع المحطة بالجيزة.

ومن أبرز الذين طالتهم الاعتقالات محمد عبد القدوس عضو مجلس نقابة الصحافيين، ومجدي حسين (أمين عام حزب العمل المجمد)، ومجدي قرقر، ومحمد الأشقر (منسق عام حركة كفاية في الجيزة)، والدكتور عادل العطار (منسق حركة كفاية في البحيرة)، والمدونان محمد الشرقاوي ومالك مصطفى.

وفي مدينة المحلة (120 كيلومترا شمال القاهرة)، التي انطلقت الدعوة للإضراب من عمال مصنع الغزل والنسيج بها قبل أن تنضم لها عدة حركات سياسية معارضة وأحزاب تحت التأسيس، فيما لم يشارك الوفد والتجمع وهما أكبر الأحزاب المعارضة المصرية في الإضراب الذي يهدف للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتدني الأجور، شهدت شوارع المدينة انتشارا أمنيا مكثفا خاصة بوسط المدينة، والمناطق المتاخمة لمصانع الغزل والنسيج بالمحلة، وامتد الوجود الأمني إلى داخل مصنع الغزل والنسيج، مما أفشل الإضراب الذي قرر العمال تنفيذه، كما سمحت أجهزة الأمن لعدد من الإعلاميين والصحافيين بالدخول إلى المصنع لمتابعة سير العمل والتأكد من إحباط الإضراب.

إلا أن ميدان الشونة بمدينة المحلة، التي تعد الأولى في مصر في صناعة الغزل والنسيج، شهد مع انتصاف نهار الأمس مظاهرة حاشدة شارك فيها آلاف العمال، بينما طوقتها قوات الأمن، واعتقلت عددا من القيادات العمالية عرف من بينهم، كمال الفيومي وطارق أمين.

وقالت مصادر بحركة كفاية إن مصير المعتقلين ما زال مجهولا، مؤكدة أنهم تعرضوا لاعتداءات بدنية ولفظية، خلال وبعد اعتقالهم، حيث توجهت بهم الشرطة إلى مكان غير معلوم.

ولم تختلف الصورة في بقية المحافظات، حيث شهدت محافظات الإسماعيلية والبحيرة وبورسعيد وشمال سيناء تكثيف الوجود الأمني في الشوارع الرئيسة لمنع أي وقفات احتجاجية، فيما تم اعتقال ستة من الناشطين بمحافظة الإسكندرية (220 كيلومترا شمال غربي القاهرة) حاولوا التظاهر أمام محكمة الحقانية بميدان المنشية (غرب الإسكندرية).

وفيما غاب التعليق الرسمي على أحداث الإضراب، حيث لم تصدر وزارة الداخلية أي بيانات حول أعداد المعتقلين وبينما ظل هاتف المتحدث الرسمي باسم الوزارة مغلقا على مدار اليوم، بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، تقريرا مطولا من مختلف المحافظات، أكد عدم تأثر سير العمل في المصالح الحكومية والجامعات الإقليمية بالإضراب.

من جانبه، اعتبر جورج إسحاق المنسق العام المساعد للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» أن الإضراب نجح، وقال لـ«الشرق الأوسط» «الشوارع في القاهرة خالية في أوقات الذروة، ونسبة الغياب في الجامعات والمدارس مرتفعة، ولولا الإجراءات الأمنية لكنا شهدنا مظاهرات في كل المحافظات».

ورغم حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت الناشطين السياسيين أمس في عدد من المحافظات، إلا أنه يبدو أن مصائب قوم عند قوم فوائد، حيث اعتبر عبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الإخوان المسلمين أن يوم أمس هو الأهدأ في المواجهات بين الجماعة والأجهزة الأمنية منذ فترة طويلة.

وقال عبد المقصود لـ«الشرق الأوسط»: «تم اعتقال ثلاثة فقط من أعضاء الجماعة في مدينة دمنهور (152 كيلومترا شمال غربي القاهرة)»، معربا عن اعتقاده أن سبب اعتقالهم قد يكون متعلقا بانتخابات المجالس المحلية المقررة غدا (الثلاثاء) لأن «الإخوان المسلمين» أعلنوا عدم مشاركتهم في الإضراب.

على صعيد متصل، اختلف عدد من الصناع والتجار المصريين على تأثير الإضراب العام على نسبة مبيعات السلع والمنتجات الغذائية، فبعضهم رأى أن الإضراب لم يؤثر مطلقا، والبعض الآخر قال إن تأثير الإضراب على حركة البيع والشراء محدود ونسبته لا تتجاوز الـ20%.

وقال عضو مجلس إدارة الشعبة الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية عمرو عصفور «أتوقع هبوط نسبة المبيعات إلى 40%»، مرجعا هذا الأمر إلى عوامل مختلفة، منها أن يوم «الأحد» إجازة رسمية في بعض المحلات والمصانع، إضافة للعاصفة الترابية التي دفعت الكثيرين للبقاء في المنازل، موضحا أن مبيعات أول من أمس «السبت» شهدت زيادة بمتوسط 25% على نسبة المبيعات. وأضاف «التأثير الأكبر كان في بعض الأحياء الراقية، بينما ظل الحال على ما هو عليه في الأحياء الشعبية».

من جانبه، أكد رئيس غرفة القاهرة بالاتحاد العام للغرف التجارية على موسي، عدم تأثير الإضراب على أداء النشاط التجاري في السوق المصري، معتبرا أن ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغذائية يرجع إلى ارتفاعها عالميا ولا يد للحكومة فيها.