صرب كوسوفو العالقون في لعبة السياسة.. استقالوا من مناصبهم بانتظار تعويضات لم تأت

أمامهم 3 خيارات: مقاطعة الحكومة الجديدة أو الاعتراف بالواقع أو الهجرة إلى صربيا

TT

يتذكر الصرب، الذين يشعرون بقلة عددهم في كوسوفو وعدد من الدول البلقانية الأخرى، تلك الردود التي كانوا يسمعونها من الألبان والبوسنيين والأتراك تبريرا لتعدد الزوجات، ومنها أنه استراتيجية ديمغرافية وليس بحثا عن المتعة. وبعد عدة عقود يجد الصرب أنفسهم أقلية ضئيلة لا تزيد عن 5 في المائة من سكان كوسوفو ونحو 33 في المائة من سكان البوسنة. وعندما أعلن الاستقلال في كوسوفو لم يستطع الصرب الحيلولة دون تحقيقه، فواقعهم الديمغرافي لم يسعفهم ولم يعطهم وزنا سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا بعد أن حال الاستقلال بينهم وبين التواصل الديمغرافي والسياسي والعسكري والاقتصادي مع صربيا.

فبعد ان وضع رئيس وزراء كوسوفو هاشم تاتشي لوحة على الحدود مع صربيا تقول «مرحبا بكم في جمهورية كوسوفو»، انتهى رسميا كل الماضي الاداري الذي كان سائدا بدون حدود دولية. وكان من ردود الافعال التي أظهرها صرب كوسوفو، الاستقالة من الشرطة والقضاء ومؤسسات الدولة الجديدة احتجاجا على استقلال كوسوفو.

وقد بلغت تلك الاحتجاجات أوجها في 18 فبراير (شباط) الماضي عندما أحرق الصرب نقطتي الحدود بين صربيا وكوسوفو، لكن المظاهرات والاحتجاجات اتخذت شكلا آخر منذ 17 مارس (آذار) الفائت، عندما سقط العشرات من المتظاهرين الصرب ومن عناصر قوات «كي فور» التابعة للناتو والشرطة الدولية التابعة للامم المتحدة جرحى، وقتل في تلك المواجهات جندي أوكراني. وبعد استقالة الصرب من المؤسسات الرسمية تم تغيير التركيبة الادارية للمحاكم وغيرها من المؤسسات الحكومية في كوسوفو وفق النسبة الديمغرافية، وأدرك الصرب حينها أنهم لم يخسروا كوسوفو فحسب بل وظائفهم أيضا. وعندها تغيرت مطالبهم، من الاحتجاج على استقلال كوسوفو إلى الاحتجاج على فقدانهم لوظائفهم. وأصبح صرب كوسوفو يطالبون بلغراد اليوم بتقديم التعويضات التي وعدت بها على لسان وزير شؤون كوسوفو سلوبودان سمارجيتش في 20 فبراير (شباط) الماضي بأنها ستقدم لهم مبلغ 17 ألف دينار صربي، وهو مبلغ يزيد عما يتقاضاه الموظفون في كوسوفو.

وقال رئيس الحركة الاحتجاجية الصربية في كوسوفو بوبان بيتروفيتش «هذا الوعد لم يتحقق»، وطالب بعقد اجتماع عاجل مع رئيس وزراء صربيا فويسلاف كوشتوينتسا الذي طالبهم بترك العمل احتجاجا على استقلال كوسوفو. وقال بعد ان نفذ المطلب الصربي: «فعلنا ذلك ولكننا لم نتلق الاموال التي وعدتنا بها بلغراد».

وكان عدد الصرب الذين كانوا يعملون في المؤسسات المهمة بكوسوفو 2300 شخص، بينهم وزيران في حكومة بريشتينا. ولا يزال صرب كوسوفو ينتظرون حل مشاكلهم، منهم 200 فرد كانوا يعملون في ميتروفيتسا في السلك القضائي، وهم يتظاهرون يوميا. ومما زاد الوضع تعقيدا إقرار الادارة الدولية التابعة للامم المتحدة أنها لم تعد مسؤولة عن السلك القضائي بعد استقلال كوسوفو، وتسملت المسؤولية بدلا عنها الحكومة في بريشتينا. وهكذا أصبح الصرب مضطرين للاعتراف باستقلال كوسوفو واعتماد وثائقه الرسمية في المعاملات القضائية، وهو ما عقد الأمر أكثر بالنسبة للصرب. ومن غير المحتمل السماح بقيام إدارة صربية موازية سواء تابعة لصربيا كما تطالب بلغراد أو خاصة بصرب كوسوفو. كما من غير المحتمل اعتراف الصرب بالادارة المحلية الجديدة في كوسوفو، وبالتالي استقلال كوسوفو. المشكلة الاخرى بالنسبة للصرب تتمثل أيضا في سعي بعثة الاتحاد الاوروبي يوليكس، إقامة خمسة مراكز أمنية وقضائية رئيسية في كوسوفو، خلال 120 يوما يتم خلالها تولي البعثة مهمة الامم المتحدة في كوسوفو، ما يجعل الصرب بين خيار الاستمرار في المقاطعة وهو ما يرفضونه أو القبول بشرعية البعثة الاوروبية، وبالتالي القبول باستقلال كوسوفو وهو ما يرفضونه أيضا. والحل الثالث لا يقل بؤسا عن سابقيه وهو الرحيل إلى صربيا. وقد لا تنفع المواد الطبية والغذائية الروسية والصربية المتدفقة على ميتروفيتسا منذ يومين في حل مشاكل صرب كوسوفو، فهي أكبر من ذلك بكثير من وجهة نظرهم.