العراق يعوم على بحر هائل من الأسلحة.. و7 ملايين قطعة سلاح بأيدي المدنيين

بعضها من مخلفات الجيش السابق.. وأخرى تهرب عبر الدراجات النارية وعلى ظهور الحمير

TT

منحت الجغرافية العسكرية محافظة البصرة، جنوب العراق، لقربها من الحدود الدولية مع ثلاث دول مجاورة وإطلالة على البحر، امتيازا جعل منها أكبر مستودع للأسلحة والذخيرة منذ نشوء فوج موسى الكاظم عام 1921 وهو البذرة الأولى للجيش العراقي وحتى دخول قوات التحالف المدينة في منتصف مارس (آذار) 2003.

وإذا أضفنا الأسلحة والذخيرة التي حصل عليها المدنيون من انسحاب الجيش العراقي من الكويت المجاورة للبصرة التي أطلق عليها وقتذاك بحرب الخليج الثانية عام 1991، إلى نهب المستودعات في البصرة والمدن الأخرى وفرار الجنود من وحداتهم وعودتهم إلى بيوتهم بأسلحتهم أثناء وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وتدفق الأسلحة من أسواق شرعية وغير شرعية خلال الخمس سنوات الماضية مما جعل العراق اليوم يعوم على بحر من الأسلحة والذخيرة واكبر ترسانة لها.

ولغياب قاعدة بيانات ومراكز بحثية وإحصائية محلية تهتم بهذا الجانب، أفادت تقارير فريق مراقبة الأسلحة الصغيرة، ومقره جنيف على موقعه الالكتروني، أن هناك على الأقل 7 ملايين قطعة سلاح يعتقد أنها في أيدي المدنيين، بمن فيهم المتمردين والميليشيات بالإضافة إلى ما يزيد عن 700.000 بندقية، وأسلحة أخرى وصلت العراق في إطار عملية تسليح الجيش العراقي والشرطة، في بلاد يقدر عدد سكانها بـ 27 مليون نسمة.

وكشف تقرير حكومي أميركي رفع إلى الكونغرس العام الماضي عن اختفاء أثر قرابة 200 ألف قطعة سلاح أميركي في العراق.

وأوضح مكتب المحاسبية الحكومي في تقريره الصادر في 31 يوليو (تموز) الفائت أن وزارة الدفاع «البنتاغون» والقيادة الأميركية في العراق اكتشفتا فقدان نحو 110 آلالف بندقية كلاشنيكوف و80 ألف مسدس بجانب 250 ألف درع وخوذة مضادة للرصاص مقدمة إلى قوات الأمن العراقي.

وذكر المكتب، وهو ذراع التحقيقات التابع للكونغرس، في تقريره، أن الولايات المتحدة خصصت 19.2 مليار دولار لتطوير قوات الأمن العراقي، وان القيادات العسكرية الأميركية المسؤولة عن تدريب القوات العراقية وزعت قرابة 185 ألف بندقية كلاشنيكوف و170 ألف مسدس و215 درعا مضادا للرصاص و140 خوذة إلى قوات الأمن العراقية بحلول سبتمبر (أيلول) عام 2005، إلا أن السجلات المدونة تشير فقط إلى  وجود 75 ألف كلاشنيكوف و90 ألف مسدس و80 ألف درع مضاد للرصاص بجانب 25 ألف خوذة.

وحدد تقرير مشابه صدر عن المفتش العام المختص لإعادة إعمار العراق في البنتاغون في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، عدد الأسلحة المفقودة بـ500 ألف قطعة، تتضمن أسلحة أوتوماتيكية، وقاذفات آر. بي. جي.

وفشلت عمليات التدقيق في تحديد مصير تلك الأسلحة، إذا ما قد تعرضت للسرقة أو وقعت في أيدي العناصر المسلحة أو أنها مازالت بحوزة القوات العراقية.

وذكر مسؤول من البنتاغون ببغداد في وقت سابق أن «بعضا من تلك الأسلحة بحوزة القوات العراقية فيما تم تدمير البعض، إلا أنه أقر باحتمال فقدان بعضها.

وأشار خلال رده على سؤال بشأن إمكانية وقوع تلك الأسلحة في أيدي مسلحي العراق إلى عدم وجود سجلات منظمة، مضيفاً «كل شيء محتمل». واستطرد قائلاً: إن معظم الأسلحة المفقودة، لا تحمل أرقاماً متسلسلة، تعود إلى حقبة الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وبالرغم من قيام وزارة الدفاع العراقية بشراء  بنادق هجومية من نوع M16 و M14 أميركية الصنع جهزت بها جيشها، بدلا من بنادق AK-47 الروسية ـ حسب تقارير حكومية ـ وقيام السلطات باخذ بصمات الجنود وتصويرهم مع بنادقهم الجديدة لضمان إجراءات المساءلة، إلا أن أعدادا منها قد تعرض أيضا إلى الفقدان والسرقة.

ويقول الفريق أول ركن نصير أركان العبادي نائب رئيس هيئة أركان الجيش، ان عناصر «منشقة» من جيش المهدي استولت على 18 بندقية أميركية من نوع M16 اثر اشتباكات مسلحة مع القوات العراقية مطلع العام الحالي، استطاعت خلالها تطويق وأسر 18 جنديا عراقيا، أخلت سبيلهم في اليوم التالي دون البنادق الأميركية التي يحملونها. وتعد هذه الحادثة هي الأولى من نوعها منذ خريف العام الماضي، عندما بدأ الجيش العراقي بتسلم هذا النوع من الرشاشات كجزء من الهيكلة الجديدة للقوات العراقية. وأشار العبادي إلى أن الأميركيين زودوا القوات العراقية بـ 22 ألف بندقية من هذا النوع، من العدد الكلي الذي يبلغ 200 ألف بندقية. وأكد العبادي أن تحقيقا كبيرا جرى في هذه القضية باعتبارها في غاية الجدية، مشددا على أن القيادة لن تتسامح مع أي جندي يفقد بندقية من طراز M16.

وكان سامي العسكري مستشار رئيس الوزراء قد اتهم الجانب الأميركي بعدم الجدية في تسليح القوات العراقية، مما دفع بحكومة نوري المالكي إلى طرق أبواب الصين ودول أخرى. وقال العسكري إن الحكومة العراقية دفعت، مليار و500 مليون دولار إلى الجانب الأميركي لتزويد الجيش العراقي بالأسلحة، ولكن لم يصل بعد سبعة أشهر من هذه الأسلحة سوى خمسة آلاف رشاش خفيف. وشدد العسكري على أن «الخمسة الآلف رشاش خفيف لا تكفي حتى لحماية منطقة صغيرة من مناطق بغداد، الأمر الذي دفع الحكومة للبحث عن أسواق أخرى في دول مثل الصين وجمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق».

وتقول مراكز معلوماتية غربية، ومن بينها موقع غلوبال سكيوريتي. اورغ المتخصص في المعلومات الأمنية، إن «أكثر بكثير من هذا العدد يصل العراق عبر قنوات السوق السوداء والتهريب، وان تقارير يومية تصدر عن القوات العراقية والأميركية تفيد بوجود عمليات تهريب سلاح من إيران وسورية، او من أماكن أخرى، تدخل إلى العراق بواسطة شاحنات أو دراجات نارية، أو حتى على ظهور الحمير. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، فتشت قوات من الشرطة قافلة تتكون من 4 صهاريج مموهة لنقل النفط ووجدت بداخلها مخابئ لأسلحة رشاشة». إن تسرب الأسلحة من القوات العراقية والمتعددة الجنسيات إلى المدنيين أدى إلى ازدهار تجارة الأسلحة في داخل المدن، حيث ظهرت لأول مرة مسدسات (أوكلك) الأميركية وكاتمة الصوت وبين العراق ودول الجوار إلى درجة ان «تركيا اشتكت من أن الأسلحة التي تجهز بها الولايات المتحدة القوات العراقية تنتقل إلى أيدي الانفصاليين الأكراد في شمال العراق، كما أعلنت إيران أن الأسلحة الأميركية تتدفق من العراق لتصل إلى أيدي عناصر مناوئة للنظام في إيران»، بحسب مصادر صحافية.

ولم يقتصر الأمر على الأسلحة الخفيفة فحسب، بل تعدى ذلك إلى الأسلحة الأكثر تأثيرا ومن بينها الرشاشات الثقيلة والهاونات وصواريخ الكاتيوشا وصواريخ مضادة للدبابات. فقد اتهم قائد أميركي كبير إيران بإدخال أسلحة مهربة ومتفجرات فتاكة الى العراق تسهم في قتل جنود القوات المتعددة الجنسيات وهو واحد من عشرات القادة الدين كشفوا تورط الجانب الإيراني بإدخال الأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر الى العراق.

وقال الميجر جنرال ريك لينش قائد القوات المتعددة الجنسيات في محافظة الكوت مؤخرا ان «مقذوفات خارقة للدروع تحمل علامات إيرانية واضحة تدخل العراق عن طريق الحدود المشتركة وأنا أفقد الكثير من جنودي بسبب هذه المقذوفات الخارقة للدروع».

ولم يقتصر تفاخر الشبان في محافظة البصرة على حيازة الأسلحة الحديثة، فقد تعاطف من سمع توسلات علاء (4 أعوام) بأمه، أمام متجر لبيع لعب الأطفال في منطقة العشار وسط المدينة كي تشتري له رشاش R.B.K  بدلا من الكلاشنيكوف.