أعضاء في ميليشيا المهدي يشعرون بالنقمة ويتوعدون المالكي والأحزاب الحاكمة

أحدهم: لا نقاتل الجيش بل عناصر الدعوة وبدر الذين يرتدون الزي العسكري الرسمي

TT

تزداد التعابير على وجه قائد الميليشيا حدة، وهو يستمع إلى آيات من القرآن المنبعث من مكبر صوت. ففي داخل خيمة خاصة لمراسم الفاتحة وضعت صورة فوتوغرافية كبيرة لابنه مصطفى الذي يبلغ من السن السادسة عشرة فوق رؤوس المعزين. فأبو عبد الله الذي قاتل الوحدات الأميركية والمتمردين السنة لخمس سنوات لم يتوقع أن يموت ابنه قبله. وهو الآن يعكس غضبه على أطراف شيعية أخرى.

وقال إن جنديا عراقيا هو الذي أطلق النار على ابنه مصطفى قبل يومين عند اقترابه من نقطة تفتيش في مدينة الصدر، حيث يحكم رجل الدين مقتدي الصدر وميليشياه «جيش المهدي». ولام أبو عبد الله أطرافا شيعية منافسة لحركة الصدريين وتقود حاليا الحكم في العراق.

قال أبو عبد الله المتلفع بالسواد: «بمَ أشعر في داخلي؟ أريد أن أفعل لهم بالضبط ما فعلوه بابني بل وأكثر».

وفي هذا الحصن الشيعي المضطرب تعمق العداء لرئيس الوزراء نوري المالكي وحلفائه بعد وقوع أكبر أعمال العنف في العراق منذ شهور، مهددا بذلك تصعيد النزاع بين الأطراف الشيعية التي يمكن أن تجر الوحدات الأميركية أكثر فيه.

ويرى أتباع الصدر أن الهجوم الأخير الذي جرى عليهم في الميناء الجنوبي بالبصرة بدعم من القوات الأميركية والبريطانية، هو من أجل إضعافهم قبل حلول موعد الانتخابات المحلية في أواخر هذه السنة. وقالوا إن قوات الأمن العراقية هي أدوات ضدهم تستخدمها الأطراف الشيعة المتنافسة معهم. واندلعت المواجهات عبر كل جنوب العراق وبغداد ولم تخف إلا بعد أن أمر الصدر مقاتليه بوقف القتال.

لكن التوتر ظل شديدا؛ ففي الأحد الماضي انفجر القتال في مدينة الصدر مخلفا وراءه 11 قتيلا و55 مصابا مع بدء العملية العسكرية الأميركية ـ العراقية المشتركة. وأصدر المالكي ونواب آخرون بيانا الأحد الماضي حثوا فيه الأحزاب السياسية أن تحل ميليشياتها أو مواجهة منعها من المشاركة في الانتخابات باعتباره كإجراء واضح موجه ضد الصدر.

وتحدث قادة ومقاتلون من جيش المهدي السبت الماضي حول المشهد العسكري والسياسي قد تغير بشكل صارخ منذ وقوع هجوم البصرة. وأقسموا على أنهم سينتقمون من المالكي وحزبه: حزب الدعوة وضد فيلق بدر الجناح المسلح للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، وهو حزب شيعي قوي يقوده عبد العزيز الحكيم الذي يعد حليفا أساسيا للولايات المتحدة ومنافسا قويا للصدر.

قال أبو عبد الله متوعدا: «المعركة الآن هي مع فيلق بدر والدعوة إضافة إلى الأميركيين. إنهم أعداؤنا الألداء» أكثر من السنة المتطرفين.

وقال ابو حسين، وهو مقاتل شاب يرتدي قبعة بيسبول زرقاء وتي شيرت، ان «بدر والدعوة يرتدون بدلات عسكرية. نحن لا نقاتل الجيش. نحن نقاتلهم. ان لديهم غطاء قانونيا من خلال البدلات».

وفي داخل بناية دمرت الشظايا شققا فيها كان عايد عبد الأمير يتجه نحو شقة جيرانه في الطابق الأعلى. كانت الرياح المنعشة تهب عبر النوافذ بينما راح حذاؤه يسحق بقايا قطع الزجاج المتناثرة، وكانت الجدران مثقوبة بالقذائف. كان عبد الأمير يحدق في الدمار ويهز رأسه.

وكان يتذكر رؤية مقاتلي جيش المهدي يدخلون البناية بعد يومين من بدء هجوم البصرة، موجهين أسلحتهم نحو نقطة تفتيش لقوات أميركية وعراقية في شارع قريب. وقال العامل عبد الأمير «عندما بدأ المسلحون اطلاق النيران بدأوا يردون عليهم». وقد فر من المكان حفاظا على حياته.

ويشعر بالخشية من أن العنف يمكن أن يتفجر مرة اخرى في اية لحظة. وقال عبد الأمير الذي تعرض الى الاضطهاد في ظل حكم صدام حسين الذي كان يهيمن عليه السنة، انه كان قد صوت لصالح الائتلاف الشيعي الحاكم معتقدا أن الشيعة من أمثاله سيستفيدون. غير أن صراعا شيعيا على السلطة يحاصر حياته في الوقت الحالي. وقال «لم أتوقع هذا أبدا. ولكنني الآن أتوقع كل شيء. هذه قضايا سياسية والناس يعانون بسبب ذلك». وأضاف بنبرة غضب «نشعر بالأسف لأننا صوتنا لصالح هذه الحكومة. لن أصوت أبدا لأي كان. لا يمكن لأحد أن يستغفلني مرة أخرى».

وقال ابو زهرة، القائد في جيش المهدي «انهم أشقاؤنا. ولكن مواقفهم السياسية غيرتهم». وقال ابو زهرة «ان المجلس الأعلى والدعوة كانا يحاولان عرض العضلات قبل انتخابات مجالس المحافظات. انهم يريدون السيطرة الكاملة على الجنوب». وأضاف بازدراء «انهم ليسوا عراقيين حقيقيين. لم يعيشوا هنا أبدا. ولم يعرفوا أبدا كيف نعيش. الأميركيون زرعوهم هنا».

وكان بعض المقاتلين يعتقدون أن ايران تستخدم الدعوة وفيلق بدر، الذي تأسس وتدرب في ايران، من أجل شن العنف ضد الصدر الذي ظلت حركته منذ زمن بعيد تشعر بالخشية من إيران. وقد رأى الجميع النفوذ الأميركي. وقال أبو حيدر، وهو قائد في التيار الصدري ان الجيش الأميركي يستخدم منافسيهم الشيعة من أجل إشغال جيش المهدي ومنعه من مهاجمة القوات الأميركية. وقال ابو زهرة مشيرا الى بدر والدعوة «لن يتغيروا».

وقال ابو نور أحد قادة جيش المهدي في مدينة الصدر «إنهم مثل السكين. ولكن اليد هم الأميركيون». وفي خيمة مجلس العزاء كان أبو عبد الله يشعر بالغضب والتوتر. فبعد أن أصيب ولده بالرصاص رفض ضابط عراقي السماح لسيارة الاسعاف بنقله الى المستشفى. ويعتقد أنه كان بالامكان إنقاذ حياة ولده. وقال «انهم يتصرفون مثل الأميركيين». وقال ان مصطفي قتل بعد أن أمر الصدر مقاتلي أبو عبد الله الستين بإيقاف القتال. وفي شارع ضيق كان أطفال يلعبون قرب برك من المياه الآسنة، وكانت رائحة النفايات تملأ الجو. وكانت صور رجال الدين الشيعة المقدسون على الجدران. وقد كتب على جدار احد البيوت «تسقط بدر»، وبجانبه مباشرة «يعيش الصدر».

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)