قائد فيلق في الحرس الجمهوري: كل القادة كانوا في مزاد لاستعراض قوة وهمية أمام صدام

افاد: لولا حذر الأميركيين لسقطت بغداد في 5 أبريل

صور تبين مراحل سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس بقلب بغداد يوم التاسع من ابريل 2003 («الشرق الأوسط»)
TT

يروي قائد عسكري عراقي جانبا من وقائع الانهيار المفاجئ لجيش بلاده قبيل الاحتلال الاميركي قائلا ان جميع القادة كانوا يتسابقون الى استعراض القوة لطمأنة الرئيس السابق صدام حسين.

ويقول الفريق الركن رعد مجيد الحمداني الذي كان قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني في كتابه «قبل أن يغادرنا التاريخ» أن بقاء الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون فترتين رئاسيتين كان «رحمة من السماء للنظام العراقي للاستمرار بالحياة السياسية والعملية» ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 «كأنها هبة السماء الهابطة» على الرئيس الاميركي جورج بوش.

ويقع الكتاب في 350 صفحة كبيرة القطع وصدر عن الدار العربية للعلوم في بيروت ومكتبة مدبولي في القاهرة. ونقلت وكالة رويترز عن الحمداني قوله في كتابه ان «الاحتلال الاميركي البريطاني تحت شعار.. الحرية للعراق.. لصدمة عظيمة لكل حالم بفردوس الحضارة الغربية. بالمعايير وبالقيم الاميركية..كلي أسف وحسرة لضياع حقوق شهدائنا في الحرب الاخيرة (2003) وحقوق عوائلهم المعنوية والمادية فكانوا ضحية لجريمة أخلاقية ارتكبت بحقهم بعد الحرب لعدم الاعتراف بحق هؤلاء في الدفاع عن وطنهم».

ويقول الحمداني ان العراق قبيل الغزو الاميركي كان في حقيقته هشا وفي الظاهر قويا متماسكا قادرا على التحدي والصمود وكان جميع القادة «في مزاد كبير لعرض القوة ولا أبرئ نفسي من هذا.. كان من المعتاد طمأنة الرئيس...للمحافظة على مساحة الامان الشخصية»، مضيفا أن التيار السائد كان يجبر القادة على «الكلام الكبير» حتى لا يتهموا بالجبن والتخاذل.

ويدلل على ذلك بأنه أوصى بنسف جسر القائد فوق نهر الفرات لتعطيل عبور القوات الاميركية لكن تلك التوصية رفضت «لان السيد الرئيس لم يوافق على نسفه» لكنه استدرك قائلا ان تدمير الجسر لم يكن ليغير الكثير نظرا للتفوق الهائل للجيش الاميركي الذي وصلت أرتاله الى مداخل بغداد ليلة الخامس من ابريل (نيسان) بعد أن دمرتها ألوف الصواريخ والقنابل لتسقط عاصمة العراق في التاسع من ابريل.

ويقول الحمداني انه لولا الحذر الشديد للقوات الاميركية لسقطت بغداد في الخامس من ابريل بسبب القصف المتواصل للقوات العراقية مضيفا أن عناصر من الحماية الشخصية لصدام واجهت في ذلك اليوم قوة استطلاع أميركية ودمرت دبابتين «وقد راقب (صدام) هذا الموقف وهو جالس في مظلة انتظار الحافلات.. وهو في حالة أسى وذهول. وكاد الرئيس العراقي والقيادة يقتلون في مقر اجتماع سري في حي المنصور ببغداد بفعل المتعاونين مع القوات الاميركية». ويضيف أنه منذ الخامس من ابريل بدأت معنويات المقاتلين في الانهيار وخاصة الجنود الذين «بدأوا بترك دباباتهم وأسلحتهم منذ ذلك اليوم وبشكل تدريجي حتى وصلت أعداد المقاتلين يوم التاسع الى بضعة جنود وعشرات الضباط في كل لواء قتال». ورغم الخسارة في القوات العراقية كان صدام «في معنويات عالية» ففي اجتماعه مع عدد من القادة في السابع من ابريل «ظهر برباطة جأش وردد أكثر من مرة أمام الحضور أنه يرى النصر قريبا جدا» لكن القوات الاميركية لم تمهل أحدا.

ففي الثامن من ابريل «دخلت الدبابات الاميركية بغداد ومركزها الغربي وسيطرت على جسورها تجاه مقاومة شديدة لكنها متفرقة» ومساء اليوم نفسه ظهر قصي ابن الرئيس السابق في حالة وهن وانهيار معنوي تام. ويقول الحمداني ان المشهد يوم التاسع من ابريل كان معدا «باخراج سينمائي في اسقاط التمثال الكبير» لصدام الذي شوهد في الوقت نفسه في حي الاعظمية ببغداد يشق طريقه «وسط مئات من المواطنين الذين كانوا يحيونه باخلاص». ويضيف أن سقوط بغداد عام 2003 هو السقوط السادس عشر للمدينة منذ تأسيسها في القرن الثامن الميلادي مشبها ما حدث للمدينة تحت الاحتلال الاميركي بتدميرها عام 1258 على يد المغول بقيادة هولاكو.

لكنه يحمل القوات الاميركية المسؤولية الاخلاقية والتاريخية عن التخريب الذي تعرضت له البلاد حيث حدث كل شيء «أمام أنظارهم بهدف الاجهاز على ما تبقى منها سالما» بتشجيع من الجيش الاميركي. ويحث المثقفين العراقيين والقادة الذين كانوا قريبين من الاحداث في السنوات الاخيرة على «كتابة التاريخ قبل أن يغادرنا التاريخ» بعيدا عما اعتبره تمويها وتغييبا للحقائق واعداما لمؤسسات الدولة قائلا ان النظام الدكتاتوري لصدام سهل مهمة الغزاة.