مسؤولون استخباراتيون: باكستان وشمال أفريقيا أكثر جذبا «للجهاديين» الأوروبيين من العراق

قالوا إنه كانت هناك مبالغات في تقدير خطر ذهاب مسلمين أوروبيين للعراق وعودتهم

TT

بعد أن ألقت شرطة باريس القبض على خلية ترسل مقاتلين الى العراق في أوائل عام 2005، تنبأت السلطات الفرنسية بتهديد جديد خطر مفاده إن الشباب المسلمين الذين أغروا بالذهاب لساحات القتال في العراق من المحتمل أن يعودوا، بنزعات تطرفية، وإنهم قد يستخدموا المهارات التي اكتسبوها خلال هذه المعارك في القيام بأعمال إرهابية في فرنسا. وتحدث وزير الداخلية الفرنسي آنذاك دومينيك دو فيلبان في خطاب له بعد شهرين عن هذه الخلية كدليل على خطر يتمثل في احتمالية عودة «الجهاديين» الذين تدربوا في العراق لفرنسا بخبرات جديدة لينفذوا بعض الهجمات.

حذر القاضي البارز الفرنسي جين لويس بروجوير، المسؤول في ذلك الوقت عن النظر في قضايا الإرهاب، من أن العراق «ثقب أسود» يلتهم كل ما هو في أوروبا. فقد قال إن البعض منهم سيعود لأوروبا والبعض من هؤلاء سيكونون قد تدربوا على الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. والآن، في الوقت الذي ينتظر فيه أعضاء هذه الخلية حكما في قضيتهم، يقول بعض رجال المخابرات في فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى ومسؤولون عن تنفيذ القانون انه تبدو ثمة مبالغة في هذه المخاوف. فالتحديات اللوجستية وتكلفة الوصول للعراق تمثل رادعا، حسب قولهم، لاسيما أن سورية تبذل جهودا لمنع استخدام أراضيها كممر للعراق. فمقارنة بالآلاف من المسلمين الأوروبيين الذين التحقوا بالقتال في أفغانستان في التسعينيات من القرن الماضي عن طريق شبكات منظمة في بريطانيا، فإن عدد المقاتلين الذي ذهبوا للعراق كان قليلا للغاية، حسب مسؤولين في المخابرات الفرنسية. ويشير المسؤولون إلى عامل آخر، هو أن المقاتلين العراقيين لا يحتاجون ولا يرحبون بالمسلمين الأوروبيين الذين يفتقرون إلى التدريب على السلاح ومهارات التحدث باللغة العربية على نحو جيد، باستثناء من يريد القيام بعمليات انتحارية. أضف إلى ذلك، فإن طبيعة المعركة قد تغيرت، مما جعل العراق مقصدا غريبا للكثير من المقاتلين المحتملين، فالقتال في العراق لم يعد جهادا ضد المحتلين الأجانب، في ضوء الحرب الأهلية التي وضعت مسلمين في مواجهة مسلمين. بعض الشباب لديهم روابط أسرية وعرقية في باكستان وشمال أفريقيا، مما جعل هذه الأماكن أكثر جذبا وطورت من إمكانيات هذه المناطق لجذب وتزكية النزعات التطرفية لدى الشباب المسلمين. يقول القاضي جين لويس، الذي يعمل الآن لصالح الاتحاد الأوروبي في التحقيق في قضايا تمويل الإرهاب: «في الوقت الحالي، التهديد الأكبر لأوروبا يأتي من أماكن أخرى ـ باكستان وأفغانستان وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وهي منظمة إرهابية في شمال أفريقيا».

يرى جين لويس ومعه السلطات القائمة على تنفيذ القانون، لاسيما في دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إن الصلاحيات القانونية المتمثلة في حق التنصت والقبض واعتقال المشتبهين لمدة طويلة وإدانة البعض بناء على اتهامات مبهمة بالارتباط بنشاط إرهابي جعلت من السهل اتخاذ إجراء وقائي. يقول أرماندو سباتارو، وهو قاض إيطالي بارز مختص بقضايا الإرهاب: «من المستحيل أن نعطي أرقاما، ولكن عددا أقل من الشباب يغادرون إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية الى العراق. أعتقد أن جزءا من الأسباب يعود إلى نجاحنا في القبض ومقاضاة الناس، حتى قبل أن يذهبوا للعراق». والآن لدى جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي تحليلات مختلفة، حيث يقول مسؤول مخابراتي فرنسي: «ليس من السهل الذهاب للعراق، أصبح هذا أمر مكلف وليس لديهم عائلات هناك. لم يحدث ما كنا نتوقعه». وعلى العكس، فإن جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي كان لديه نهجا مبالغا فيه بخصوص التنبيه من الخطر فقد منح التحقيقات القضائية السرية الخاصة بمجموعة باريس سلطات في المنطقة التي تربى وعاش فيها أكثر المتهمين. قال جهاز المخابرات الداخلية الفرنسي في وثيقة له أصدرها في يوليو( تموز) 2004، ونشرتها «نيويورك تايمز»: «تمثل عودة الجهاديين لأرض الوطن، بعد أن تم تثقيفهم بصورة مكثفة وتدربوا على الأسلحة والمتفجرات تهديدا خطيرا للأراضي الفرنسية». ويضيف جهاز المخابرات إن لجنة التحقيق في الخلية لديها أدلة على أن هناك أشخاصا يذهبون للعراق ويمثلون تهديدا بعد عودتهم من هناك. يؤكد القاضيان جين لويس وأرماندو ومعهما أوروبيون مسؤولون في المخابرات وأجهزة تنفيذ القانون إن الحرب في العراق ما زالت تزكي الكراهية والتطرف والإرهاب وأنه ثمة خطرا متمثلا في احتمالية أن يعود أحد الأفراد أو المجموعات من العراق لتنفيذ هجوم إرهابي في أوروبا. ويشيروا إلى تدفق عدد من المقاتلين المحتملين للعراق من العديد من الدول في مختلف الدول العربية. ومع هذا، فإن قضية هذه الخلية تشير إلى مدى تعقيد عملية تقييم التهديد الإرهابي الذي تطرحه الحرب على العراق، وهناك أسئلة عن مقاضاة أناس ربما لم يطئوا البلاد من قبل. تم مقاضاة أعضاء الخلية السبعة ـ خمسة فرنسيين وجزائري ومغربي تتراوح أعمارهم بين 24 و40 عاما ـ بسبب ارتباطهم بأفعال خاطئة تتعلق بتنفيذ هجمات إرهابية. طلبت النيابة حبس ثلاثة منهم ثماني سنوات وسيتم النطق بالحكم في منتصف مايو (ايار) المقبل. وفي الوثائق المغلقة والشهادات العلنية خلال المحاكمة التي استغرقت ستة أيام انتهت الأسبوع الماضي، لم يقدم الإدعاء أي دليل على أن أي من الرجال ينوي تنفيذ عمليات إرهابية داخل فرنسا. التدريب الذي قاموا به هو مجرد بعض تمارين الجري في إحدى الحدائق وبعض الكتيبات عن أساسيات الأسلحة. قال رئيس الإدعاء جين جوليان إكسافير رولاي إن المجموعة أرسلت نحو اثني عشر شابا فرنسيا للقتال مع أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي قتل في العراق في غارة جوية أميركية عام 2006. اتهم جين جوليان زعيم المجموعة فريد بنيتو، وهو خطيب يبلغ من العمر 26 عاما، بإلقاء خطبة في الشقة التي يقطن بها تدعو للجهاد في العراق وتبرر العمليات الانتحارية. قال فريد في أقواله إن الإسلام يبيح العمليات الانتحارية ويرى أنها ضربا من ضروب الجهاد. ومع هذا قال في المحكمة وفي أقوال أخرى إنه قال في خطبه إن المواطنين الفرنسيين محرم عليهم الجهاد في فرنسا. وأضاف: «نحن في فرنسا نتمتع بحريات ويجب إتباع القوانين في فرنسا». اثنان فقط من المتهمين ذهبوا فعلا للعراق للقتال. أحدهما وهو بوبكر الحكيم، الذي دعا في مقابلة مع الراديو والتلفزيون الفرنسي في بغداد عام 2003 أصدقاءه في الخلية للالتحاق للقيام بعمليات انتحارية في العراق. قال بوبكر: «أنا مستعد لتفجير جسدي وأن أفجر الديناميت لقتل كل الأميركيين. نريد الموت. نريد الفردوس». وأضاف بوبكر إن من بين مهامه مصاحبة المقاتلين وهم يزرعون الألغام، وإنه في أربع عمليات قتل العديد من الأميركيين. ولكن الإدعاء أعترف إن ليس ثمة دليل على أنه وضع الألغام بنفسه أو أنه قتل أي شخص. الشخص الآخر هو محمد العيوني الذي جرح في هجوم أميركي على الفلوجة وعاد إلى وطنه بعد أن فقد زراعه اليسرى وإحدى عينيه. يصر محمد على أنه كان يقوم بأعمال إغاثية فقط في العراق وليس لدى الإدعاء دليل على أنه قاتل بنفسه. قال الإدعاء عن أحد الأعضاء إنه مزور محترف مختص بتزوير جوازات السفر وأوراق الهوية، ولكنهم لم يستطيعوا إثبات أنه متطرف. شخص آخر هو سامر بوتشناك، سائق تاكسي، قال عنه محاميه إنه شخص بسيط ومن السهل إقناعه بأي شيء. اشترى هذا الرجل تذكرة للذهاب لسورية، حيث كان مقررا أن يقابل شخصا ما. يقول محاميه دومينيك ماني: «إنه مجنون بعض الشيء. كان يريد الذهاب للحرب في العراق كنوع من المغامرة، مثلما تقوم أنت بالذهاب لمكان ما في الإجازة». ثلاثة آخرون يزعم إنهم أعضاء في الخلية، من بينهم الشقيق الأصغر لبوبكر، قتلوا في العراق عام 2004. محامو الدفاع لبعض المتهمين قالوا إن موكليهم «مقاتلون من أجل الحرية»، ويضيفوا إن رغبتهم في القتال في العراق منطقية في ضوء معارضة فرنسا للحرب وإعلانها بأن هذا هجوم تقوده أميركا ويخالف القانون الدولي. واستشهدوا بخطاب لدو فيلبان عندما كان وزيرا للخارجية أرسله لمجلس الأمن قبل الغزو الأميركي عام 2003 بأسابيع قليلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»