بعثيون يرفضون العودة لوظائفهم الحكومية ويتفرغون لشؤونهم اليومية

بعثي سابق: بعضنا انتمى للأحزاب الحاكمة التي تدعو للاجتثاث

TT

قبل خمس سنوات كانا يشغلان مناصب رفيعة المستوى في الحكومة العراقية ويعملان في اكثر من مؤسسة تعليمية ودوائر حكومية كبيرة، وحتى في منظمات اجتماعية مقربة من حزب البعث، وكانا يعتبران من القيادات المتقدمة فيه، لكن بعد سقوط نظام حزبهم الحاكم في ابريل (نيسان) 2003 وخضوع البلاد لسلطة الاحتلال، التي ترأسها الحاكم المدني الاميركي بول بريمر وتعاقب الحكومات من بعده لم يستطيعا العودة الى وظائفهما السابقة ولا الى الادوار التي كانا يقومان بها في خدمة المجتمع، على حد تعبيرهم.

الشخص الاول الذي فضل تعريفه بـ(ابو منذر) في مطلع الخمسينات من عمره، ودرجته في الحزب كانت عضو فرع ، يتحدر من احدى العشائر في جنوب العراق وحاصل على شهادة الدكتوراه في علوم الاقتصاد من احدى جامعات الاتحاد السوفياتي (روسيا) حاليا. كان ابو منذر يعمل استاذا جامعيا وخبيرا في وزارة المالية، وتخرجت اجيال على يده، كما يقول، بعضهم الان من الكوادر التدريسية في الجامعة التي كان يدرس فيها، الا انه في الوقت الحاضر يعمل في القطاع الخاص بوظيفة قد لا تتناسب والشهادة العليا التي يحملها، كما لا يمكن مقارنتها بوظيفته السابقة او العوائد المالية التي كان يحصل عليها انذاك.  قبل سنوات ترك ابو منذر التدريس في الجامعة بسبب ملاحقات من قبل البعض، لكونه كان عضوا في حزب البعث، في الوقت الذي لا يزال عدد من زملائه المدرسين وغيرهم، وهم من الكوادر المتقدمة في الحزب، مستمرين بالعمل بوظائفهم، واخرون لم يتم شمولهم بقانون اجتثاث البعث بعد ان «ارتموا في أحضان الأحزاب السياسية الحاكمة او من لهم علاقات بالقادة الحاليين للبلاد الذين كانوا وما يزالون من اشد الداعين لاجتثاث البعثيين وفصلهم عن وظائفهم ومنعهم من العمل في أي مؤسسة حكومية».

وقال البعثي السابق «خلال الخمس السنوات الماضية اعتزلت الحياة السياسية ولم انتم لاي حزب او جهة جديدة، حتى في السابق انتمائي لحزب البعث كان شكليا من اجل التدرج الوظيفي ليس الا، والكل يعرف انه اذا لم تنتم للحزب فانك سوف تراوح في مكانك مهما بذلت من جهود او تقدمت في المجال الذي تعمل به، وان الانتماء لحزب البعث كان وسيلة وليس غاية للكثير من العراقيين». واضاف «الذي أهلني لنيل درجة كبيرة في الحزب هو درجتي العلمية وجهودي في خدمة المؤسسة الحكومية التي كنت اعمل بها والسمعة الطيبة التي امتلكها، وكل الذي قدمته لحزب البعث كان الهدف منه خدمة بلدي بالدرجة الاساس وليس حزبا او اشخاصا معينين».

واوضح ابو منذر ان الذي يجري الان في العراق الهدف منه القضاء على الكفاءات العملية والعقول الفكرية التي كان يزخر بها البلد ومؤسساته، مشيرا الى ان عمليات الاقصاء والتهميش التي طالت خيرة اصحاب الكفاءات ابتدأت منذ دخول قوات الاحتلال للبلاد والسياسة التي انتهجتها ادارة سلطة الاحتلال في مشوارها، فضلا عن التصرفات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على الحكم والمستمرة لغاية الان، بخلاف ما يتم الاعلان عنه في وسائل الاعلام وشاشات التلفزة من طي صفحة الماضي والسماح للاشخاص الذين طالهم قانون اجتثاث البعث بالعودة لاعمالهم ووظائفهم.

ويقول ابو منذر: «لا يمكن العودة للعمل في مؤسسات يسيطر عليها جهلاء، ويتم تغيير قياداتها بتغيير الوزير الذي ينتمي لحزب معين او قومية معينة، فهذا جل التخلف والانحطاط ، واذا بقيت الاوضاع على ما هي عليه فلن تقوم قائمة للعراق مجددا، الا اذا تخلت جميع الاطراف عن المحاصصة وانتهجت سياسة عقلانية تخدم البلاد ومصلحة الشعب». الشخص الثاني الذي تحدث لـ«الشرق الاوسط» عن رؤيته لما حل بالعراق والنتائج التي وصلت اليها البلاد في ظل الاحتلال طلب تعريفه بـ(ابو سيف) وهو في نهاية  الخمسينات من عمره ومتزوج من امرأتين وله 8 اولاد منهما، وكان عضوا سابقا بحزب البعث بدرجة عضو شعبة، كما شغل منصب مدير عام وخبير في هيئة التصنيع العسكري المنحلة، ويتحدر من عشيرة عراقية كبيرة في مناطق غرب وشمال البلاد.

ابو سيف حاصل على شهاد الدكتوراه في مجال الهندسة الميكانيكية من احدى الجامعات الالمانية، يعمل حاليا في ادارة مصنع صغير في محافظة الانبار يؤمن من خلاله متطلبات الحياة لعائلته التي يسكن بعضها في العاصمة بغداد والقسم الاخر في العاصمة الاردنية عمان، يرفض الانضمام الى اي حزب او جهة سياسية من اجل ان يعود لوظيفته او الى اي وظيفة اخرى معادلة لها، مؤكدا ان تفكيره ينصب فقط على توفير متطلبات الحياة لعائلته واولاده الذين يدرس قسم منهم في الجامعات. وقال «عرض علي الكثير من الوظائف والمراكز الحكومية مقابل ان انتمي لاحزاب او اطراف سياسية تعمل على الساحة في الوقت الحاضر، لكنني رفضت ذلك لاسباب عدة منها عدم شرعية العمل والبلد ما زال قابعا تحت الاحتلال، وعدم ايماني بافكار وسياسات تلك الاحزاب التي لا تزال تتصارع في ما بينها على المناصب والسلطة»، مؤكدا انه لن يعود لشغل اي منصب حكومي في ظل حكومات الاحتلال.

واكد ابو سيف ان الكثير من رفاقه في الحزب عرضوا عليه الانخراط في قيادة الحزب من جديد، الا انه رفض ذلك وفضل خيار الانعزال عن العمل الحزبي والتفرغ للحياة العامة والاهتمام بمصالحه وهي رغبة افراد عائلته كذلك. ويقول ابو سيف «لو خيرت العراقيين بين العيش في الوضع الذي عليه البلد الان والعيش في زمن صدام حسين، لكانت النسبة الاعظم منهم قد فضلت الخيار الثاني، ورغم وجود بعض الحالات السلبية في حكم النظام السابق الا انه افضل بكثير من حكم الاحتلال والحكومات المرتبطة به».