حروب الداخل قذرة لا تؤدي إلا إلى الهلاك

13 نيسان 1975: قياديان سابقان في الحرب الأهلية يسترجعان الذكرى

TT

33 نيسان (أبريل) مرت على لبنان وكما عنونت احدى الصحف اللبنانية امس أن لبنان اليوم اضعف مما كان عليه في عام 1975.

33 ذكرى والجرح لم يندمل، لا بل ان اشتداد وطأة الازمة يعيد نكأه رغم مرور 18 عاما على ذاك السلم الذي يرى فيه البعض هدوءا مصطنعا ونسيانا «افتراضيا». فلا المتخاصمون تصالحوا بعد مصارحة، ولا المتضررون عوّض عليهم، ولا المفقودون وجدوا مسؤولا رفيعا يعير ملفاتهم اهتماما حقيقيا. ببساطة كل شيء وُضّب على عجل. وهكذا بات فتح الجرح ينذر بعواقب مخيمة. مهما «ازدهرت» الخطابات الغريزية، وكثرت المعارض التي تظهر قبحها، يبقى مشهد الحرب أصدق في عيون من خبروها عن قرب. «الشرق التوسط» تحدثت الى كل من القائد السابق لميليشيا «القوات اللبنانية» والمنسق العام لـ«جبهة الحرية» حاليا الدكتور فؤاد أبو ناضر، والمسؤول العسكري العام وعضو المكتب السياسي لحركة «أمل» عقل حميّه. هذان الاسمان اللذان اقترنا بعدد من فصول الحرب، استعادا تجربتيهما في قراءة هادئة».

يقول أبو ناضر عن دوافع مشاركته في الحرب: «بعد اتفاق القاهرة، رأينا التمدد الفلسطيني خارج المخيمات. وشهدنا وقوع صدامات متكررة بينهم وبين الجيش اللبناني، هم الخارجون عن العدالة. شعرنا حينذاك بخطر داهم، فرأينا ان الدولة لم تكن قادرة وحدها على لجمه. قررنا مؤازرتها وليس الحلول مكانها. وسمعنا أيضا ان شركاءنا المسلمين في الوطن وقفوا بجانب الفلسطينيين. وتكررت الصدامات بين الجيش والفلسطينيين وبلغت ذروتها عام 1973. كذلك بعد ايلول الاسود (1970) صدّر الينا الملك حسين من بقي من المقاومة الفلسطينية. هنا شعرنا بالخوف وبأن الوضع سينفجر فبدأنا بالتدرّب جديا لمؤازرة الجيش«. أضاف: «لقد أوقفني مرة فلسطينيون في محلّة البربير كان ذلك قبل 13 نيسان 1975. واقتادوني الى ابو حسن سلامة ومنه الى أبو عمار الذي أبلغني ان المسيحيين سيعيشون في المخيمات بدلا من الفلسطينيين الذين سيتخذون من لبنان وطنا بديلا وان طريق القدس تمرّ عبر جونيه (...). لقد كنا امام خيار حمل السلاح للدفاع عن الذات وعائلاتنا أو ان نرمى في البحر. فنزلنا للدفاع عن استقلال لبنان ولولا تلك الخطوة لكان لبنان وطنا للفلسطينيين وتحت الحكم السوري. ببساطة لست نادما لان قرارنا وقتها كان صائبا، اما اليوم فالامر مختلف كليا».

وأكد «اننا لم ننحرف عن القضية الاساسية التي خضنا الحرب دفاعا عنها. ولم يراودني أبدا هذا الاحساس، بل راود ابناء جيلي ممن وقفوا في الصف المقابل. وهؤلاء اعترفوا بخطأهم وبأنهم ذهبوا بعيدا في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية. لكن لا شك اننا اقترفنا خطأ جسيما بعد 1985 حين دارت الصراعات على السلطة بين القوى المسيحية. حينذاك اضعنا دماء الشهداء وابتعدنا عن جوهر القضية. وأنا نادم لانني لم أقم بما يكفي للحؤول دون ذلك».

ولفت الى ان «أهم عبرة تعلمتها من هذه التجربة ان الحروب الداخلية لا تؤدي الى مكان ولا تحلّ مشكلة. ولو اختصرنا الوقت حينذاك واعترف المسيحيون بالتساوي مع المسلمين ولو وقف المسلمون بجانب شريكهم في الوطن وليس مقابله لوفرنا الكثير من الدماء. والعبرة الاساسية ان الثغرة بين المسلمين والمسيحيين لم تقفل وهي تتسبب بتسريب الفتن. علينا اقفالها للنظر نحو المستقبل». أضاف: «الحرب ليست واردة اليوم ولكن اذا تكررت ظروف العام 1975 والمعطيات نفسها لنزل الجميع الى الشارع»، واستدرك: «أبحث اليوم عن مقاربة سياسية لحل المشكلة. وهذه فكرتنا في جبهة الحرية التي تقوم على ايجاد حل اليوم منعا لتوريث اولادنا مشكلاتنا لئلا يكرروا اخطاءنا». وتوجه الى الجيل الجديد بالقول: «حلّوا الامور بالطرق السلمية وإياكم والحرب لانها قبيحة جدا. ومن يقدم على الحرب رغم توافر خيارات اخرى يكون مريضا عقليا. نحن اتعظنا وآمل في ان يكون الآخرون قد اتعظوا ايضا». في المقابل، نقل حميه وجهة نظر مختلفة فهو خاض الحرب «بعد تخاذل الدولة في الدفاع عن الجنوب». ويقول: «13 نيسان يوم محرقة لبنان ارضا وشعبا. جميع الاطراف اللبنانية قالت انها جرّت الى الحرب الداخلية، فيما هم شنّوها بعضهم ضد بعض. لقد جنوا واحرقوا وطنهم بأيديهم. لذلك اوصي أولادي والجيل الناشئ بألا يحملوا البندقية سوى في وجه اسرائيل. هي التي كانت تراقب افراغ حمولات الاسلحة في صور للفلسطينيين وفي جونيه للكتائب (اليمين المسيحي). الحروب الداخلية حروب عبثية تؤدي الى الهلاك. لقد أخطأنا حين نزلنا الى الشارع بعد اتفاق 17 ايار وهدرت الكثير من الدماء. ولو عاد الزمن بنا لفضّلت تجنّب الصدام العسكري. كان يجب اعتماد حوار شامل. أبناء الوطن يجب ان يصبروا بعضهم على بعض ولا يستقووا بالخارج. علينا الاتعاظ فجميعنا خسرنا اهل وأصدقاء وممتلكات. فلنبحث عن الحل ولنوفر كل هذا العناء». وأوصى «الشباب بتشكيل جمعيات اهلية ونواد لفتح صفحة الحرب ليس لاسترجاعها انما للتعرف على قذارتها. عليهم زيارة اهالي الشهداء والمفقودين والمعوقين. فالحرب خلّفت كوارث اجتماعية هائلة، فليتعرفوا عليها ليدركوا هولها. لقد خسر الجميع وربح الزعماء. اليوم انزل في 13 نيسان في مسيرة ضد الحرب برفقة من تأذوا خلالها. وسنقف في وجه كل من يريد جرنا اليها. الحرب مرفوضة ولن اخوضها الا في وجه اسرائيل اذا اعتدت علينا كما فعلت في تموز (يوليو) 2006».