الصناعات الجلدية في العراق تعاني من تدهور الأمن والمستوردات الرخيصة

صاحب معمل للأحذية: الأمر أصبح مثل البقاء للأصلح

TT

قبل عام 2003 عندما كانت الأزقة الملتوية المتفرعة من شارع الرشيد في بغداد مزدحمة بمئات من معامل البضائع الجلدية، كان حسن عطية البالغ، وعمره الان 43 سنة، يصمم أحذية نسائية فاخرة باسم «كاوبوي». وكان عماله يصنعون ويبيعون آلاف الاحذية.

اما الان، وبسبب المخاوف الامنية، وانهيار قطاع الدباغة العراقي الذي كان يقدم المادة الخام وتدفق الاحذية الرخيصة المستوردة من الصين وسورية منذ الغزو، فإن عطية يعمل الان في عيادة سابقة لطبيب اسنان مع مجموعة محدودة من العمال.

واذا كان كل ذلك لا يكفي، فمع انتشار العنف بسبب القتال في الجنوب في الشهر الماضي وهو ما اجبر عطية على اغلاق معمله، فقد اوقف رجال الشرطة سيارة تحمل بضائع استوردها من سورية. وقال رجال الشرطة انهم يبحثون عن اسلحة، ولكن عندما انتهى البحث اختفى طرد يحمل ماسا اصطناعيا يستخدمه في تزيين احذيته كان ثمنه 1200 دولار.

قال عطية «والله لم يعد العمل مثلما كان. الامر اصبح مثل البقاء للاصلح».

وبالرغم من ذلك فهناك شعاع من الضوء، فقد تمكن عطية من الاستمرار كرجل اعمال خاص محاطا في مصنعه الذي اعيد افتتاحه هذا العام بكميات من الاحذية الجلدية الخضراء والبنفسجية والفضية والبيضاء والذهبية والسوداء ذات التصميمات المثيرة.

وفي قطاع الاحذية، على الاقل، ليس عطية وحيدا، بالرغم من كل الدمار والفوضى في العراق منذ عام 2003، وقوله انه لم يتلق مساعدة من الحكومة او من الاميركيين.

وفي السنوات الخمس التي مضت منذ الغزو، تدفقت كميات ضخمة من الدعم المالي على ما يقرب من نصف مليون عامل الذين اصبحوا عاطلين عندما اغلقت سلطات الاحتلال الاميركي المصانع العراقية الضخمة على الطريقة السوفياتية.

إلا ان العدد الاضخم من العاملين في القطاع الخاص من رجال الاعمال والصناعيين الذين عندما قلب الغزو المجتمع والتجارة رأسا على عقب لم يلقوا اهتماما يذكر.

ويصعب العثور على سجلات دقيقة بسبب عمليات النهب والسرقة التي اعقبت الغزو، ولكن مقارنة الارقام الحكومية وارقام النقابات تشير الى ان في قطاع المنتجات الجلدية وحده كان هناك ما يتراوح بين 3 الى 4 آلاف معمل خاص تستخدم ما يتراوح بين 100 الى 200 الف شخص، وإن لم يكن معظمهم يعمل طوال الوقت. ولا تضم تلك الارقام المهن المساعدة من العاملين في مجال التسليم والبيع والمطاعم وبائعي الشاي.

وكانت كل معامل السلع الجلدية تقريبا قد أغلقت في عام 2003، ولكن توجد الآن دلائل على أن بعضها، ربما ليس أكثر مما يتراوح بين 5 الى 10 في المائة ولكنها ما تزال تشكل آلافا من فرص العمل، قد تكيف، أحيانا بطرق لم يكن ممكنا تخيلها قبل سنوات قليلة.

وساعد التحسن الأمني في أعقاب زيادة القوات الأميركية العام الماضي على جعل الزبائن أكثر ارتياحا في بعض الأسواق والسماح لوكلاء البيع وشاحنات التوزيع بالسفر خارج بغداد.

وقال محمد السوداني، المدير العام في معمل مراكش للأحذية، «كان ذلك جيدا لمشروعي» ولكنه أضاف «لم يكن جيدا كما كان الحال قبل عام 2003. كلا ابدا. لا أتوقع ذلك».

غير أن الأحاديث مع العشرات من العمال والمديرين ومالكي المعامل تشير الى انه أكثر من أية عوامل أخرى يعتبر الاصرار والفرص التجارية القديمة الجيدة هو ما سمح لمشاريع صناعة الأحذية المحلية بالحفاظ على وجودها.

وقال ماجد المشاري صاحب معمل مراكش انه لم يكن يستطيع فتح أبواب معمله على الاطلاق عامي 2003 و2004، وعندما حاول البدء ثانية لأشهر قليلة في عام 2005 اعترض سراق أو متمردون في صحراء الأنبار شحنة من الجلود من سوريا بقيمة 45 ألف دولار. لكن المشاري، الذي يحب أحذية معمله الى درجة أنه التقط واحدا منها وقبله برقة، استمر على مساعيه. وأفلح في أن يبقي معمله مفتوحا لفترة ستة أشهر عام 2006. ومنذ أن بدأ الأمن يتحسن في أوائل عام 2007 كان معمله مفتوحا باستمرار.

غير أنه اذا كان العراق يتمتع بالسلام الكامل غدا فإن المشاري سيبقى فعليا يدفع ثمن العنف الذي هز بلاده منذ زمن طويل. انه يرمي حزما من الفواتير غير المدفوعة. والكثير منها طلبات أرسلت الى اصحاب محلات قتلوا أو اختفوا، أو استخدموا الحرب ذريعة لعدم تسديد الدفعات المالية، وفقا لما قاله. ولهذا خسر المشاري الذي لديه سلفة بقيمة 100 مليون دينار (حوالي 80 ألف دولار) وهو مستعد لبيع بيته في حي الكرادة اذا لم توفر له ايراداته تسديد الديون.

وفي الأيام القديمة، التي توصف بأنها عصر ذهبي اذا ما أخذنا بالحسبان العقوبات الاقتصادية الغربية التي شلت العراق، كان الطلب على منتجات المشاري يبدو بلا نهاية، وكان المال يتدفق عليه. وقال «الآن أريد فقط أن أشم رائحة فاتورة بقيمة 100 دولار». وقد وضع اندلاع العنف مجددا الأسبوع الماضي حلم اليقظة هذا على الرف ثانية. وكان عطية قد درج في الآونة الأخيرة على إرسال شخص إلى أسواق شارع الرشيد أيام الأربعاء على أمل شراء مجوهراته الاصطناعية مرة أخرى بسعر مخفض من اللصوص، وهذه ممارسة شائعة في شوارع العراق حيث ينتشر النشاط الإجرامي، خصوصا الذي يستهدف الأشياء التي تصعب حراستها أو حمايتها.

وعلم عطية تدريجيا ان كثيرا من النساء العراقيات اللائي اجبرن على ارتداء الحجاب كن يرتدين تحته أزياء عصرية وجذابة، وقال أيضا ان كثيرا من الرجال العراقيين لم يعترضوا على ذلك. وقال عطية أيضا ان عمله التجاري تراجع بصورة كبيرة، من عدد يتراوح بين 30 و35 عاملا قبل الحرب إلى ستة عمال فقط في المكتب الذي كان جزءا من عيادة أسنان. وخصص مشاري وسوداني جزءا خاصا بالعراقيين الذين يستطيعون دفع السعر الذي حدده (200000 دينار عراقي) لزوج الحذاء، أو 17 دولارا لنوع أكثر جاذبية من أحذية الجلد الاصطناعي الصينية التي يقل سعرها عن 10 دولارات. ويتبع السوداني أسلوبا ظل شائعا في الغرب على مدى فترة طويلة، لكنه يعتبر دعاية سياسية هنا، إذ يهاجم الواردات الصينية ويصفها بأنها بضائع تنتجها الماكينات وليس البشر مثل بضائعهم، ويضيف قائلا انهم يضعون كل مهاراتهم في هذا المجال في معملهم الصغير من اجل منتجات عالية الجودة. ويقول أيضا ان الأمر الأكثر أهمية لديه هو ان يدرك الناس ان منتجاته العراقية ذات جودة وتدوم فترة أطول وان المنتجات الأخرى لا تعدو ان تكون إضاعة للمال.

*خدمة «نيويورك تايمز»