بغداد وواشنطن تعتبران «اجتماع الكويت» فرصة لولادة دور عربي أكبر في العراق

مسؤولون يشيرون إلى عمليات البصرة كمرحلة مفصلية في العلاقات العراقية – الإيرانية

TT

اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أمس انها ستحث جيران العراق العرب، الاسبوع المقبل، لعمل المزيد لدعم حكومة بغداد ووقاية العراق من تأثيرات ايران «المؤذية». وذكرت رايس، التي من المقرر أن تحضر مؤتمرا في الكويت للدول المجاورة للعراق يوم 22 ابريل (نيسان) الجاري، ان رسالتها ستكون ان تفي الدول العربية بتعهداتها بزيادة الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع حكومة بغداد. وقالت: «اكثر ما يحتاجه العراق الان وما سأعمل من أجله في الكويت هو دعم أكبر من جيرانه يشمل فتح سفارات في بغداد وتبادل السفراء». واضافت ان ما يتعين على الدول العربية فعله «هو تأكيد هوية العراق العربية والعمل من أجل ذلك، وهذا في حد ذاته سيكون وقاية (العراق) من تأثيرات إيران، وهي تأثيرات مؤذية». وفيما يمتنع مسؤولون عراقيون عن الحديث علنا عن العلاقات بين بغداد وطهران، فان الاميركيين يرون حدوث تغيير في موقف الحكومة العراقية من التدخلات الايرانية. وقال مصدر حكومي عراقي رفيع المستوى: «لا شك ان ما حدث يمثل تحولاً مهماً في سياقات عمل الحكومة العراقية، التي تقودها رموز شيعية اسلامية محسوبة تاريخياً على انها مدعومة من ايران». وشرح: «الى حين قريب من الان كان ينظر الى جيش المهدي، والميليشيات المسلحة، كأنها اليد الضاربة للشيعة في مواجهة السنة، في ما اطلق عليه توازن الرعب، السنة لهم القاعدة وتنظيمات مسلحة اخرى وهناك ايضاً جماعات مسلحة تتستر وراء الجماعات الاسلامية الشيعية وتتحرك في مواجهة العنف الطائفي السني». واضاف: «لا ننسى ان الكثير من هذه القوى السياسية هي التي قبلت بادخال هؤلاء الميليشيات والمجاميع المسلحة بعد الانتخابات الاولى». وشرح المصدر المطلع على النقاشات السياسية الدائرة بين الاحزاب السياسية حول مواجهة الميليشيات المدعومة من ايران، وكل الخارجين عن القانون في البصرة انه «بغض النظر عن الدوافع والعوامل الآنية التي ادت الى المواجهات في البصرة، لا يمكن الا ان نسجل ما حدث كنقطة تحول في التعامل مع هذه الظاهرة، فمن الممكن استنتاج ان ما حدث يمثل وقفة جريئة من قبل قيادات شيعية للتعاطي مع ظاهرة انفلات المجاميع المسلحة، وثانياً يمثل نقطة افتراق ليست بالهينة مع أساسيات المشروع الايراني». وعن التغيير في تعامل القوى الشيعية مع الميليشيات، قال المصدر العراقي: «وصل الأمر الى حد ان هذه المجاميع انفلتت من عقالها واصبحت خطراً يهدد مشروع الدولة». وأضاف: «لا شك ان ما حدث ايضاً مرتبط الى حد ما بالسجالات الداخلية في الوضع الشيعي العراقي والنقاشات حول انتخابات المحافظات المقبلة والى غير ذلك». وتابع: «حسبما تقوله تقارير امنية عراقية، فإن عناصر ايرانية تعمل على تطوير قدرات عسكرية خارجة عن سياق الدولة، على غرار حزب الله في لبنان، كي تكون الورقة الضاغطة على الوضع الاميركي في السجالات المعروفة». ولفت المسؤول الى ان هناك «مقاربة تاريخية بين ما يحدث في العراق من حيث الوضع الايراني، وما حدث في لبنان، حيث هناك حزب الله وأمل، وكيف انتهت الاحداث (في لبنان)»، مضيفاً: «هناك علاقات مهمة لايران مع العديد من القوى السياسية في العراق، وبالذات الشيعية، ولا شك في ذلك ولكن عندما يصل الموضوع الى السجالات الداخلية، القوى تتحرك لصالحها». وتابع: «هناك مقاربة مهمة بين حزب الله وأمل في لبنان والتيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي في العراق». ويذكر انه منذ انطلاق عملية البصرة، التي اشرف عليها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمواجهة الميليشيات، وخاصة المجموعات المدعومة من طهران، يحاول المسؤولون العراقيون والاميركيون اظهار تحول ما في العلاقات العراقية ـ الايرانية، على أمل دفع الدول العربية على التعاطي بشكل اوسع مع العراق. وقد اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش «مضاعفة الجهود السياسية» لدعم العراق، خاصة من قبل الدول العربية الاسبوع الماضي بعد تقرير قائد القوات الاميركية في العراق ديفيد بترايوس والسفير الاميركي لدى بغداد ريان كروكر، اللذين زارا السعودية. وتؤكد مصادر اميركية وعراقية ان المطالبة بدور عربي فعال وايجابي في العراق لا يأتي فقط من اجل مصلحة العراق، وانما لمصلحة المنطقة واعادة التوازن اليها.

وأكد نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح ان «استقرار العراق مرهون بتوافق اقليمي، داعيا للمصالحة الوطنية العراقية». وأضاف لـ«الشرق الاوسط»: «غياب الدور العربي في العراق مشكلة كبيرة لنا في العراق ومشكلة للمنطقة». وأوضح: «دور عربي فاعل وجاد مهم لدعم مسيرة المصالحة العراقية وتعزيز الاستقرار وبداية لبناء نظام أمني شرق اوسطي تشترك فيه الدول المؤثرة، بما فيها الخليج والدول العربية وايران وتركيا والولايات المتحدة داعمة لدحر الارهاب والتطرف». ويعتبر اجتماع دول الجوار في الكويت، المرتقب عقده يوم 22 ابريل (نيسان) الجاري، «فرصة» للعرب للتعبير عن دعمهم للعراق، وأخذ موقف واضح، على حد تعبير مستشار كروكر، فيل ريكر. وانعقاد الاجتماع بعد احداث البصرة يعتبر مهماً، اذ اظهرت الحكومة العراقية قدرتها على مواجهة المجموعات المسلحة الشيعية، مثلما تواجه المجموعات المسلحة السنية. وقال ريكر لـ«الشرق الاوسط»: «كانت البصرة تشكل مشكلة منذ فترة، وكانت تعتبر تحديا للحكومة، ولكن اتخذ رئيس الوزراء (نوري) المالكي مواجهة هذه الميليشيات، وهناك عدد كبير منها، انها ليست مسألة مواجهة جيش المهدي فقط، بل مواجهة مجموعة من المسلحين المجرمين الواقفين في وجه الحكومة». وأضاف: «المالكي اتخذ قرارات صعبة ولم تكن عملية عسكرية مميزة، لكنها أظهرت قابلية القوات العراقية، والأهم من ذلك استعداد المالكي وحكومته في مواجهة جماعات شيعية مثلما يواجهون جماعات سنية». وتابع: «كانت هذه الجماعات تتسلم تمويلا واسلحة، وفي بعض الاحيان اوامر مباشرة من ايران، وابرز هذا ان هذه الحكومة مستعدة لمواجهة ذلك». وأشارت مصادر عراقية واميركية وبريطانية تكراراً الى البيان الصادر عن المجلس السياسي للامن الوطني، الذي يضم ممثلين عن مختلف الفصائل السياسية العراقية، يوم 5 ابريل الماضي داعماً لجهود المالكي. وجاء في البيان الذي حصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منه، ان المجلس السياسي للأمن الوطني اتفق على 15 نقطة، منها «الوقوف بحزم مع الحكومة واجهزتها الامنية المختلفة في تصديها للميليشيات والخارجين عن القانون اياً كان انتماؤهم». واضاف ان الكتل السياسية اتفقت على «براءة القوى السياسية من أي نشاط تخريبي يستهدف الاجهزة الحكومية أو المصالح والمرافق العامة». وهناك تركيز على الفقرة العاشرة من البيان التي تنص على «ادانة التدخل الخارجي في الشأن العراقي ودعوة المجتمع الدولي لمساعدة العراق في ردع الدول المجاورة، التي ما زالت تتدخل في شؤونه الداخلية، وتعمل جاهدة على زعزعة استقراره وأمنه»، في اشارة واضحة الى الدور الايراني في العراق. وقال ريكر: «هذا البيان اظهر بوضوح ان هناك رفضا عراقيا واسعا وجامعا للميليشيات»، مضيفاً: «الصواريخ التي تمطر على رأسي وعلى عراقيين في المنطقة الدولية (المنطقة الخضراء) وخارجها ايرانية الصنع».

وعلمت «الشرق الاوسط» من مصادر مطلعة، ان الوفد العراقي في اخر اجتماع للجنة الامنية لدول الجوار في دمشق طلب من الجانب الايراني بوضوح عدم التدخل ودعم الميليشيات. واكدت مصادر عراقية ان ذلك ادى الى «ملاسنة بين الطرفين في جلسة مغلقة». وعن الاسباب في التغيير في سياق الحكومة العراقية، قال المسؤول العراقي: «هناك رد فعل عراقي حقيقي بسبب التدخل الايراني المفرط».

وبينما قام الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بزيارة تاريخية الى العراق، بالاضافة الى زيارة مسؤولين ايرانيين بغداد بشكل متواصل، لفت ريكر الى ان «السفير كروكر دائما يشير الى انه منذ تسلم منصبه في بغداد لم ير وزيراً عربياً واحداً يزور العراق». وهناك حذر اميركي من اعتبار مناشدتها الى دعم العراق بأنه طلب لدعم شخصية سياسية عراقية معينة. ولفت ريكر الى ان «واشنطن لا تتوقع من الدول العربية دعم شخصية معينة في العراق، ولكنها تتأمل منهم دعم اخوانهم العراقيين والشعب العراقي الذي يتساءل عن دورهم». وصرح ريكر بأن «الوقت حان لحكومات عربية مهمة، مثل السعودية، ان تنظر بجدية الى النفوذ الايراني في العراق وكيف يتم التعامل معه»، مضيفاً: «هناك رد شعبي واضح على هذا النفوذ، ولديه حدود يفرضها التاريخ والتقاليد التي تربط بين العرب في العراق والفرس في ايران وتفرقهم». وتابع: «لا ادري لماذا يتمسك البعض بالادعاء بأن الحكومة العراقية حكومة طائفية، على الرغم من انها منتخبة من الشعب العراقي وستخضع لانتخابات جديدة مستقبلاً». ومن جهته، قال مصدر دبلوماسي بريطاني: «الرسالة الاساسية التي نوصلها الى الحكومات العربية انه كلما ابتعدوا عن العراق، اعطوا مجالاً اكبر لايران وهذا سيصبح اكثر وضوحاً مع مرور الوقت». وأضاف، طالباً من «الشرق الاوسط»، عدم ذكر اسمه: «لقد اثبتت الحكومة العراقية انها تريد مواجهة المجموعات المسلحة من قبل ايران والعمليات في البصرة، المستمرة حتى الآن، دليل على ذلك».

واكد المصدر البريطاني ان بلاده ستضم صوتها الى «الاميركيين والاتحاد الاوروبي وكل الجهات المشاركة في اجتماع الكويت لدفع دول الجوار للعب دور ايجابي لاستقرار العراق»، مضيفاً: «لقد طلبنا ذلك في السابق ولكن حتى الآن العرب بطيئون في الرد». وشدد مسؤول العلاقات العراقية بدول الجوار في وزارة الخارجية العراقي طه العبوسي على اهمية اجتماع الكويت، قائلاً: «هذه المؤتمرات تعمل لصالح دول المنطقة وليس فقط العراق، وستكون نتائجها في صالح جميع الدول». ولفت العبوسي الى ان هناك تقدما واضحا في الوضع العراقي ومد الجسور مع دول المنطقة منذ 2003، ولكن «مازال هناك الكثير الذي يجب ان ننجزه». وشدد مسؤول عراقي، رفيع المستوى طلب عدم الافصاح عن هويته: «غياب العرب ادى الى عامل اختلال اقليمي، ولكن هناك فرصا للعرب بتغيير هذا الوضع». وقال ريكر: «العراقيون حاربوا حربا طويلة مع ايران (حرب 1980-1988) لحماية الهوية العربية وسيبقون يلعبون دورا مهما في العالم العربي».