الجيش الأميركي يتبع سياسة «تقطيع الأوصال» للقضاء على المسلحين في مدينة الصدر

باشر بتقسيم المنطقة بالجدران الإسمنتية.. وقيادي صدري: لدينا طرق أخرى للتواصل

TT

«الحل الوحيد للقضاء على الهجمات المسلحة الشرسة التي يشنها المقاتلون في المدينة هو تقطيع أوصالها.. وعزل المجموعات المسلحة عن بعضها»، هذا الكلام لأحد الضباط الاميركيين أثناء حديث له مع ضابط في الجيش العراقي برتبة مقدم عندما تقدمت قواتهما العسكرية نحو مدينة الصدر التي تطوفها القوات الامنية منذ أسابيع لوضع حواجز خرسانية في بعض الأماكن التي تم تحديدها من قبل القيادات العليا، في محاولة من السلطات لعزل أحياء وقطاعات كاملة عن بعضها للحد من الهجمات التي تتعرض لها القوات العسكرية المرابطة على الحدود الادارية للمدينة.

وباشرت القوات الأميركية والعراقية منذ أيام بتقسيم المدينة وعزل أحيائها عن بعض في خطوة من تلك القوات للسيطرة على التمرد الذي مضى عليه قرابة شهر كامل بعد العملية العسكرية التي نفذتها الحكومة العراقية ضد عناصر ميليشيا جيش المهدي الموالية للزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر في محافظة البصرة لتمتد وتشمل مدينة الصدر وبقية معاقل ميليشيا المهدي في العاصمة بغداد.

وأكد جنود عراقيون مشاركون في العمليات العسكرية الجارية في المدينة لـ«الشرق الاوسط» أن عملية نصب الحواجز والكتل الكونكريتية، ساعدت على تخفيف حدة الهجمات التي كانوا يتعرضون لها بشكل مستمر من قبل المسلحين، ومكنتهم من مراقبة التحركات «المريبة» لتلك الجماعات بوضوح تام ليستعدوا لمواجهة أي عمل مسلح تقوم به تلك الجماعات.

وأوضح الجندي زياد العنبكي، 24 عاما، أن نصب هذه الحواجز ساهم بشكل كبير في تشجيع الجنود العراقيين على تأدية واجباتهم العسكرية بشكل صحيح من دون تذمر، وقلل ايضا حالات الهروب والتقاعس عن أداء الواجب بالنسبة اليهم، نظرا لما للدور الكبير الذي تلعبه هذه الحواجز في الحفاظ على أرواحهم من خلال الاحتماء بها، بعد ان كانوا اهدافا سهلة للمسلحين.

وقال العنبكي «آمر سريتنا أخبرنا قبل ايام بأن الأميركان سيضعون الجدران الاسمنتية في المدينة للسيطرة عليها وتسهيل المهام العسكرية الموزعة على الوحدات المرابطة في المدينة، وهو أمر يخفف العبء كثيرا عن الجنود الذين دائما ما يكونون في وضع مكشوف للمسلحين».

وقال حازم شهاب، 34 عاما، وهو جندي ينقل المؤن والأغذية لزملائه في ساحة المعركة «قبل وضع هذه الحواجز كان المسلحون يستهدفوننا مباشرة بنيران أسلحتهم القناصة وقاذفات الـ(ار.بي.جي) مما يتسبب في خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، لكن بعد وضع هذه الكتل الاسمنتية قلت تلك الهجمات كثيرا واستطعنا بمساعدة الأميركان توفير قدر كبير من الحماية لأرواحنا بعد ان نصبنا السيطرات ونقاط التفتيش المحصنة جيدا».

وأكد شهاب أن الجيش الاميركي قام برفع بعض الكتل الكونكريتية من بعض الأحياء في مناطق الصليخ والأعظمية لكي ينصبها في أحياء مدينة الصدر، لعرقلة حرية الحركة والتنقل بالنسبة للمسلحين في أوقات مختلفة.

الجيش الأميركي وفي بيانات صحافية أصدرها خلال الايام القليلة الماضية، يؤكد أن العمليات العسكرية التي تنفذها قواته والقوات العراقية وتساندهما فيها الطائرات المقاتلة التابعة له، لا تزال مستمرة وسط مقاومة شرسة تواجهها تلك القوات من قبل المسلحين الذين يشنون هجمات بالقذائف والأسلحة المتوسطة ضد القوات المشتركة.

وأوضحت البيانات العسكرية أن الطائرات المقاتلة دائما ما تستهدف مسلحين يقومون بإطلاق قذائف الهاون وصواريخ المورتر على المنطقة الخضراء او أولئك الذين يزرعون عبوات ناسفة في طرق وشوارع المدينة يستهدفون فيها القوات العسكرية، إلا ان ضحاياها دائما ما يكونون من المدنيين. ويؤكد عدد من سكان المدينة أن القوات المشتركة بدأت بتقسيم مدينتهم الى مناطق معزولة عن بعضها البعض بواسطة جدران كونكريتية عالية، بعد ان بدأت الآليات الثقيلة بنقل الكتل الكونكريتية الى المدينة تمهيداً لتنفيذ العزل من أجل السيطرة عليها أمنيا.

وبحسب مصادر عسكرية عراقية، فان الخطة التي وضعتها الحكومة تستهدف عزل كل 12 قطاعا من قطاعات مدينة الصدر ضمن حاجز كونكريتي طويل عن بقية القطاعات الأخرى، في محاولة منها للسيطرة تدريجيا على معظم المدينة وبسط الأمن فيها والقبض على المطلوبين.

وأوضحت تلك المصادر لـ«الشرق الاوسط» أن عملية وضع الحواجز الكونكريتية ستستمر لأيام قادمة حتى يتم عزل أحياء مدينة الصدر عن بعضها لتسهيل عملية مطاردة والقبض على المسلحين المطلوبين للحكومة وإنهاء التوتر وأعمال العنف التي تشهدها المدينة منذ فترة، نتيجة سيطرة ميليشيا جيش المهدي على مفاصل الحياة فيها.

لكن مقاتلي جيش المهدي الذين يرفضون تسليم اسلحتهم للحكومة يعتبرون هذه الخطوة دليل «فشل وضعف» موقف الحكومة والقوات العسكرية المشتركة التي تشن على مدينتهم غارات جوية وتنفذ حملات دهم واعتقال بحق مطلوبين من عناصر تلك الميليشيا.

ويؤكد أبو سجاد وهو من قيادات جيش المهدي لـ«الشرق الاوسط» «لن تتمكن الحكومة ولا قوات الاحتلال من القضاء علينا مهما فعلوا، يضعون حواجز ويركبون سيارات ضد الرصاص ويستخدمون الطائرات كل هذا لا ينفعهم.. سنستمر بمقاتلتهم حتى آخر نفس فينا». وأضاف «نعم الحواجز تعيق تحركاتنا الظاهرية، لكننا نمتلك طرقا أخرى يمكن ان نتواصل فيما بيننا من خلالها ونهاجم العدو في كل وقت ومكان يتحصن فيه»، مشيرا الى ان زملاءه المقاتلين يعدون العدة لإلحاق الخسائر الفادحة بالأرواح والمعدات بحق القوات التي تهاجم مدينتهم.

وعن طبيعة الطرق التي سيلجأون اليها في حال سيطرة القوات العسكرية على مدينتهم، قال ابو سجاد «هذه معلومات عسكرية لا يمكن البوح بها وسنستخدمها في الوقت المناسب لكي نظهر للعالم أننا جيش منظم وعقائدي وليس مجرد قطاع طرق كما يصفنا البعض».

وترى النائبة في الكتلة الصدرية غفران الساعدي أن وضع الحواجز الكونكريتية وعزل الاحياء والقطاعات عن بعضها خطوة اخرى من الحكومة وقوات الاحتلال لزيادة معاناة سكان المدينة الفقيرة، الذين يعانون أصلا من العمليات العسكرية الدائرة في مدينتهم ونقص الخدمات الأساسية.

وقالت الساعدي «ليس بغريب عن الحكومة وقوات الاحتلال اتباع مثل هذه السياسة الهوجاء التي فيها تجن كبير على حقوق الانسان، لأن هذه العملية ستصعب على أبناء المدينة الحركة والتنقل، فضلا عن سياسة الاضطهاد التي يتبعانها بحق أبناء الخط الصدري».